إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة
الحقوق الدستورية في أصول القرآن الكريم (١-٣)

د. محمد محمد الأمين عبد الرازق


تناولت وسائط الإعلام المختلفة مؤخرا، بالتحليل، الضجة التي أثارها حديث د. الترابي حول شهادة المرأة في الإسلام، من أنها على حد قوله، مساوية للرجل في الشهادة، في رد على الذين يرون أن المرأة على النصف من الرجل في الشهادة استنادا على الآية: "فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى".. وبوحي من تناقض رؤية الترابي مع هذه الآية، وجهت له تهمة مخالفة القرآن والردة من أئمة المساجد وأهدر أحدهم دمه، وقد استدعى جهاز الأمن هؤلاء الأئمة وأدان اتجاه التكفير وطالب بالحوار الموضوعي والبعد عن المهاترات والفتن..
والقول الفصل في أمر الحقوق عامة، هو أن الإسلام في أصوله أسس الحقوق الدستورية لكافة الناس، ودعاهم إلى الدستور الإنساني الذي يكفل الحقوق بمساواة تامة لا فرق بين مواطن وآخر بسبب العقيدة أو الجنس أو اللون.. ويلتمس السند لذلك التأسيس، في المسئولية الفردية أمام الله التي يقوم عليها الحساب، قال تعالى: "ونرثه ما يقول ويأتينا فردا"، وقال أيضا: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، فالفردية هي مدار التكليف، والمحاسبة تقوم على اعتبار أن الفرد مسئول مسئولية كاملة ومن حقه التصرف بحرية..
ومن أجل ممارسة المسئولية شرع القرآن حق الحرية في التفكير، فقال: "فذكر إنما أنت مذكر .. لست عليهم بمسيطر" وقال أيضا: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. وحرية الفرد تنتهي حيث تبدأ حرية الآخر، ولذلك تصادر حرية من يتعدى على حريات الآخرين وفق قانون دستوري، فثمن الحرية هو حسن التصرف فيها.. والقانون الدستوري، إذن، هو الذي يوفق توفيقا تاما بين حاجة الفرد إلى الحرية وحاجة الجماعة إلى العدالة..
هذا الأساس الدستوري ثابت في آصل أصول الدين، واستمرت الدعوة إليه، نظريا وعمليا، مدى ثلاثة عشر عاما في مكة، لكن لم يستجب المجتمع الجاهلي في ذلك الوقت.. أسوأ من ذلك اتجه المشركون عمليا إلى انتهاك الحقوق الأساسية للنبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهي حق الحياة وحق الحرية، في القصة المعروفة.. وقد انتهت المحاولة بالهجرة إلى المدينة وبدأ عهد جديد، نسخ فيه الدستور وفرضت الوصاية على المشركين، وقام الجهاد بالسيف في مواجهتهم من أجل أن يدخلوا في الإسلام مرغمين حتى لو كانوا منافقين، ومن ثمّ، يتعرفوا على الحقوق الدستورية، بالتدريج، فالجهاد بالسيف، إذن، ليس أصلا في الإسلام وإنما هو تشريع مرحلى اقتضاه حكم الوقت وفرضته الضرورة.. والمشركون إضافة إلى محاولتهم انتهاك حق الحياة وحق الحرية للنبي الكريم، كانوا ينتهكون حق الحياة للأطفال فيما عرف بوأد البنات، ولم تنجح الدعوة المكية بالفكر في اجتثاث هذه العادة الوحشية، لكن عندما رفع السيف في وجههم توقفت على الفور، إذ أن المشرك أمامه خيار واحد هو الدخول في الإسلام وإلا، يقتل.. وبمجرد إعلانه الدخول في الإسلام حتى لو كان منافقا فلن يتمكن من أن يئد بنته حية، وإذا ارتد إلى الشرك يقتل، فالردة ملازمة لعهد الوصاية بالسيف وليس لها وجود في أصل الدين مطلقا..
إذن الإسلام، كما هو واضح، استخدم السيف كمبضع الطبيب، لا كمدية الجزار، في معالجة انتهاكات ما كان من الممكن معالجتها بغير الوصاية..
ولقد تطور المجتمع البشري، منذ القرن السابع عبر الصراع الاجتماعي، وتوصل بعد الحرب العالمية الثانية إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتم تعريف تلك الحقوق بأنها حق الحياة وحق الحرية، وقد تم ذلك التطور تحت توجيه الإرادة الإلهية الحكيمة، قال تعالى: "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم".. ولذلك يجب علينا نحن المسلمين، أن نرجع إلى أصل الدين في إرساء الدستور، على هدى (السنة) النبوية كما كانت في مكة، التي ما نزل عنها التشريع إلى (الشريعة) إلا لضرورة تدريج الناس نحو فهم معاني الحقوق الدستورية، فعصرنا هو عصر السنة وليس الشريعة، والسنة هي عمل النبي الكريم في خاصة نفسه..
هذا باختصار هو الحل الجذري للمشاكل التي يعاني منها المسلمون، فلا بد من نسخ الشريعة المرحلية التي قامت على الآيات المدنية والعودة إلى أصول الدين في الآيات المكية، ومن ثم تقوم حرية الرأي والتفكير على أساس متين من أصول الإسلام..
لمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى مؤلفات الأستاذ محمود..
على هذه الخلفية، يمكن أن نزن أقوال الترابي، فهو يقول إن المرتد ردة فكرية لا يقتل، في محاولة لمجاراة العصر في البحث عن الحقوق الأساسية، وليظهر بمظهر الداعية المجدد.. ولأنه لا يملك فهما من الإسلام على أساسه تتطور الشريعة، تجده يتناقض تناقضا صريحا، عندما يتحدث عن من يخالفه الرأي الفكري، فكأنه يتلاعب بالدين ويوظفه لهواه..
إذن فلنستمع إليه وهو يتحدث عن محاكمة الأستاذ محمود في عدة مواضع:
في مؤتمر الدوحة بتاريخ 6 يناير 2012م، قدم له الأكاديمي اللبناني سعود المولى والأكاديمي الفلسطيني خالد الحروب سؤالاً عن إعدام الشيخ محمود محمد طه، الذي اعدمه النميري السنة 1985م بوجود وتحريض منه، ففي تلك الأيام كان قريباً من النميري ومساهماً في تطبيق الشريعة، فأجاب:
" ليس لي علاقة إنما اعدم لأنه كان مرتدا "..
وللترابي تعليق منذ الثمانينات لجريدة الوطن بتاريخ 30 أبريل 1988م، قال فيه عن نفس السؤال:
"إن ردته أكبر من كل أنواع الردة التي عرفناها في الملل والنحل السابقة.. ثم واصل: وعندما طبق نميري الشريعة تصدى لمعارضته لأنه رأى عندئذ رجلا دينيا يريد أن يقوم بنبوة غير نبوته هو، وأكلته الغيرة فسفر بمعارضته ولقي مصرعه غير مأسوف عليه البتة ".. وكما هو واضح، فإن حديث الترابي في مؤتمر الدوحة، منسجم مع هذا الموقف المتخلف!!
ولكن اقرأ ما قاله الترابي لصحيفة السوداني بتاريخ 4 يناير 2006م حول نفس الموضوع:
"كنت ضد إعدام محمود محمد طه وضد إعدام مجدي وجرجس والطالب الجنوبي، الإعدام كان إعداما سياسيا.. أنا ما جادلت محمود أصلا في حياتي ولكن كل قوانين الطوارئ والقوانين الجنائية معروف أنني كنت ضدها!! "..
والغريب إن الترابي تحدث بحديثه أعلاه، لصحيفة السوداني، من تلقاء نفسه، وقبل أن يسأله الصحفي عن موضوع الأستاذ محمود!!
ثم قال لصحيفة الصحافة بتاريخ 5 يناير 2006م :
"لا أحب أن أصم إنسان بالكفر مهما فعل"!!
عزيزي القارئ: صدق أو لا تصدق، فكل هذه الأقوال المتناقضة هي من لسان هذا الترابي!!
وجهت صحيفة الأهرام اليوم بتاريخ 18 ديسمبر 2014م السؤال التالي إلى البروف حسن مكي:
هل تعتقد بروف أن التاريخ يعيد نفسه فى ذلك طالما أن الترابي متهم لدى البعض بأنه من الشخصيات التى تسببت فى إعدام محمود محمد طه؟
الترابي من الناحية العملية لم يكن جزءا من العملية، والمحكمة التى حكمت محمود محمد طه والقاضي هو المهلاوي.."
الغريبة أن البروف حسن مكي سلك نفس مسلك الترابي، في الخداع من أجل تحقيق الهدف، فكأن الغاية عنده تبرر الوسيلة، فهو يريد أن يخارج الترابي من تداعيات حملة التكفير الجارية ضده، فنفى عن الترابي المشاركة العملية في محاكمة الأستاذ محمود، وهو يعلم يقينا أن الموقف الفكري للترابي كان مع التخلص من الأستاذ محمود عن طريق اتهامه بالردة كوسيلة للتخلص، بل كان يسعى عمليا بتحريض السلطة، وبين أيدينا اعتراف الترابي أعلاه لجريدة السوداني : "الإعدام كان إعداما سياسيا".. !!
فهل كون الترابي لم يكن القاضي يعفيه من مسئولية موقفه السياسي والفكري الذي وضح من أقواله أعلاه!!؟؟
في لقاء سابق أدان د. حسن مكي الترابي بوضوح، ورفض دفاع زملائه على الحجة التي تبناها هو الآن!!
أكثر من ذلك، فإن حسن مكي قال إن هذه الجريمة ليس فيها قضاء ولا فقه وإنما هي اغتيال سياسي، ومع ذلك جاء الآن ليبريء الترابي من أي دور فيها!!
إذن اقرأ ما جاء بصحيفة الوفاق، فقد سألت الصحيفة الدكتور حسن مكي بتاريخ 5 / 12 / 1998 م:
س : قيل أن لك علاقة خاصة بمحمود محمد طه والبعض قال إن حسن مكى مأسور جدا بشخصية وأفكار محمود..
ج : والله أنا من المأسورين به.. أنا كنت أعرفه وأتردد على منزله فى ذلك الوقت.. وكنا كشباب فى الثانويات نجد عنده اللقمة.. نتعشى معه وكنا نتعجب أن الشخص الذى يشغل الساحة الفكرية شخص بسيط زاهد ومتواضع وكان المفكر الوحيد المطروحه كتبه فى السوق..
س : وحينما أعدم ؟
ج : كنا مسرحا لأفكار شتى، السياسي فينا كان يتكلم أن الحمد لله ربنا خلصنا من خصم قوي، وكان حيعمل لينا مشاكل، وكان حيكون أكبر تحدي لفكر الحركة الإسلامية السياسية.. والفكرى فينا كان يتحدث بأن هذا الشخص له قدرات فكرية وروحيه أعلم منا وأحسن منا.. ولكن السياسي دائما ما ينتصر هنا !!
س : والآن ؟
ج : أنا بفتكر أن محمود محمد طه جرعة كبيرة لا نستطيع أن نتحملها !!
س : ولكن أمين حسن عمر قال أن الترابى انتصر عنده الفكري على السياسي وكان ضد إعدام محمود !!؟؟
ج : أنا لا أريد أن أدخل بين الترابي وأمين, ولكن بعتقد أن الصف الإسلامي فى ذلك الوقت كان جميعه مع إعدام محمود محمد طه !!
س : نحن نسأل عن موقف د. حسن الترابي ؟
ج : أنا أعتقد أنو كان خائف على أنو نميرى ينكص عن إعدام محمود محمد طه ويدعو الله ألا يحدث ذلك !!
س : الرأي الفقهي في هذه القضية و.. ؟
ج : د / حسن مكى ـ مقاطعاً ـ القضية سياسية ما فيها رأي فقهي خصوصاً وأن محمود كان أقوى فى طرحه ضد الشريعة الإسلامية فى ذلك الوقت !!
س : ولكن الترابى يعلن دائماً أن المرتد فكرياً لا يقتل !؟
ج : أنت تريد أن تخرج لموقف الترابى !! وأنا أوثق للتاريخ..
س : هناك رأى يقول أن د. الترابي كان حريص على إعدام محمود وأن محمود كان يمثل منافساً شخصياً له على مستوى الطرح الإسلامي ؟
ج : هسع الإنقاذ ما قتلت ناس ؟ ما قتلت ناس مجدي فى دولارات ؟ لأنه كان مؤثر على سياستها الاقتصادية ؟ فكيف إذا كان مؤثر على المشروع كله ؟ هسع كان جبت الترابي يقول لك أنا ما موافق على قتل مجدي، أمين حسن عمر يقول نفس الكلام !! .
س : د. حسن مكي جزء من الحركة الإسلامية ؟
ج : ناس الحركة الإسلامية ناس ما عندهم مقدرات ويمثلوا المجتمع الإسلامي فى زمن الانحطاط !! وما عندهم عبادات !! انتهى..
نواصل في الحلقة الثانية قضية شهادة المرأة تحديدا بشيء من التفصيل..

د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
Maalthoraia3@gmail.com