إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الأخوان المسلمون
الجزء الأول

الفصل الخامس

الأخوان المسلمون والإشتراكية


ليس في الشريعة إشتراكية


الحقوق الأساسية هي حق الحياة، وحق الحرية.. ففي حين أن حق الحرية يتمثّل في الديمقراطية، فإن حق الحياة يتمثّل في الإشتراكية .. والديمقراطية والإشتراكية صنوان، لا إنفصام لهما، إذ لا يقوم المجتمع الصالح الاّ عليهما، معا، وفي وقت واحد..
والإشتراكية تعني، فيما تعني، أن يكون الناس شركاء في خيرات الأرض على قاعدة الحقوق لكل الناس، وليس على قاعدة الحق للبعض، والصدقة للبعض الآخر.. والتعريف العلمي للإشتراكية أنها النظام الإقتصادي الذي تكون فيه وسائل الإنتاج، ومصادر الإنتاج، مملوكة للأمة، محرّمة الملكية على الفرد الواحد، وعلى الشركات، وذلك لتحقيق كفاية الإنتاج، وعدالة توزيع الدخول.. بينما التعريف العلمي للرأسمالية أنها النظام الإقتصادي الذي يملّك وسائل الإنتاج، ومصادره، للفرد الواحد، أو الشركات.. ولقد صارت الإشتراكية ممكنة اليوم نتيجة للصراع الطويل بين المستغِلّين والمستغَلّين، ونتيجة لزيادة الإنتاج باستخدام الالة بعد الثورة الصناعية في أوربا.. وبذلك فإن النظام الإقتصادي في الشريعة لم يكن إشتراكيا، وإنما هو صورة ملطفة للرأسمالية، إقتضتها الضرورة حينما لم يكن العهد عهد الاشتراكية.. وهو الزكاة ذات المقادير التي تبيح ملكية وسائل الإنتاج للأفراد.. وآيتها: ((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم، وتزكيهم بها، وصل عليهم، إن صلاتك سكن لهم..)).. وهي آية من آيات فروع القرآن، وقد نسخت آية الإشتراكية التي هي من آيات أصول القرآن: ((ويسألونك ماذا ينفقون؟؟ قل العفو!!)) وإنفاق العفو هو إنفاق ما زاد عن الحاجة الحاضرة.. وقد كانت آية إنفاق العفو فرضا، ثمّ نسخت بآية الزكاة ذات المقادير.. هذا بينما لم يقع النسخ في حق النبي الكريم الذي كانت سنته تقوم على أصول القرآن.. فقد كانت زكاته وعلى طول المدى، هي إنفاق العفو.. ومن سنته أيضا، عدم جواز مال الزكاة له ولا لآل بيته، وهو الذي قال: ((الصدقة أوساخ الناس، وهي لا تجوز لمحمد، ولا لآل محمد..)).. وهذا أبلغ دلالة على مرحلية تشريع الصدقات الذي اقتضته الضرورة.. واليوم فإن العهد هو عهد الإشتراكية، وهو عهد بعث السنّة النبوية.. حيث يجب أن يقف جميع الناس عن أكل الصدقة، تأسيا بالسنّة النبوية الكريمة.. ومن ثمّ فلا بد من تطوير التشريع، في مجال الإقتصاد، من الزكاة الصغرى التي كانت عليها الأمة (الشريعة)، إلى الزكاة الكبرى التي كان عليها النبي الكريم (السنّة).. غير أن الزكاة الكبرى – انفاق العفو – إنم يتم تطبيقها الجماعي عن طريق الإجراءآت الإشتراكية التي تحرّم ملكية وسائل الإنتاج على الأفراد، وتضع حدا أعلى، وحدا أدنى للدخول، لا يتفاوتا تفاوتا يؤدي إلى الطبقية في المجتمع، وعلى أن يكون الحد الأدنى كافيا لصيانة الكرامة البشرية، ومكفولا لجميع العاجزين عن الإنتاج.. والإسلام، وحده، دون الفلسفات والأديان، هو القادر على تحقيق هذه الإشتراكية، وذلك لأنه يجعل الرقيب على المنتج ضميره، ولأنه يجعله راضيا بذهاب الفائض من إنتاجه، عن حاجته للعاجزين عن الإنتاج .. فإنه لكي تتم الكفالة الإجتماعية بالإشتراكية لا بد أن يذهب الفائض من إنتاج وحاجة المنتجين لسد حاجة العاجزين عن الإنتاج، وذلك بما يتوّفر عليه الإسلام من منهاج العبادة، والمعاملة، الذي تفتقر إليه الماركسية حينما قطعت صلتها بالغيب، وجعلت بذلك القيمة كلها للمادة، في حين أن في الإسلام القيمة على مستويين: مستوى مادي ومستوى روحي.. والرغبة في القيمة الروحية مرّجحة على الرغبة في القيمة المادية.. هذا هو أساس التربية في الإسلام..

النظام الإقتصادي عند الأخوان المسلمين


ولا يملك الأخوان المسلمون سوى أن يقدموا النظام الرأسمالي لحل المشكلات الإقتصادية المعاصرة!! يقول الشيخ حسن البنا: ((وتوجب علينا روح الإسلام في تشريعه الإقتصادي أن نبادر بتنظيم الضرائب الإجتماعية وأولها ضريبة الزكاة..))!! – مجموعة رسائل حسن البنا صفحة 404.. فنظام الإقتصاد الذي يراه الأخوان المسلمون، لحاضر هذه البشرية، ومستقبلها، هو النظام الذي يبيح ملكية وسائل الإنتاج للأفراد، على أن تفرض عليهم ((الضرائب الإجتماعية وأولها ضريبة الزكاة..))!! هذا بينما الوقت قد جاء للتأسي بالسنّة، في أن يعف الناس عن مال الصدقة، ليكون لكل مواطن، في خيرات بلاده، حق مكفول بالقوانين التي تنّظم الدخول.. فعبارة الشيخ حسن البنا عن أن ((روح الإسلام)) توجب علينا فرض الزكاة – وهو يعني الزكاة ذات المقادير – إنما يعوزها التفريق الدقيق بين زكاة النبي الكريم (السنّة)، وهي "روح الإسلام" وبين زكاة الأمة (الشريعة) وهي الطرف من (الإسلام) الذي تنزّل إلى حكم الوقت في الماضي – ذلك بان "روح الإسلام" إنما تلتمس في عمل النبي الكريم لا في عمل الأمة .. تلتمس في أصول القرآن لا في فروعه..
ويتحدث الشيخ حسن البنا عن أن الزكاة ضريبة ويعدها من "الضرائب الإجتماعية" التي تفرضها الحكومات "العلمانية" على مواطنيها بقوانين، مع أن الزكاة ركن تعبدي يعتبر مستطيعها الذي يمتنع إيتائها، في الشريعة، مرتدا، وخارجا على سلطان الدولة الإسلامية، ومن ثم كان يجب على خليفة المسلمين قتاله، وهكذا فعل أبو بكر الصديق فيما عرف في التاريخ الإسلامي بحرب الردّة.. ثم أن الضريبة اليوم إنما تفرض على المواطنين، بغير تمييز بينهم بسبب العقيدة.. بينما لا تفرض الزكاة، في الشريعة، إلاّ على المسلمين، أما اهل الكتاب فعليهم الجزية..
وعلى أي حال فالدعوة الإسلامية الصحيحة اليوم إنما يجب أن تكون إلى "الإشتراكية" إستلهاما من السنّة النبوية، حيث تقتضي هذه السنّة اليوم كفاية حاجة الفرد بحيث تحرّم عليه ملكية وسائل الإنتاج، وبحيث لا يفوق دخله الحد الأدنى من الدخول بأضعاف مضاعفة تؤدي إلى التمييز الطبقي.. وعلى هذا الأساس من العدالة الإجتماعية تخطط الدخول، بحيث لا يقوم النظام الضرائبي الذي يعتبر سمة من سمات النظام الرأسمالي.

الملكية الفردية ليست من الفطرة البشرية


والإخوان المسلمون إنما يعتبرون أن قاعدة النظام الإقتصادي في الإسلام، في الماضي والمستقبل، هي حق الملكية الفردية – وبالطبع فانهم لا يرون مرحلية تشريع الزكاة الذي كان يعطي حق الملكية الفردية لوسائل الإنتاج – ولذلك فإنهم يدافعون عن الملكية الفردية غير المحدودة، وعن حق تنميتها بالسبل المشروعة.. فالأستاذ سيد قطب يقول: ((يقرر الإسلام حق الملكية الفردية للمال – بوسائل التمّلك المشروعة التي سيرد بيانها بعد قليل – ويجعلها قاعدة نظامه، ويرتب على هذا التقرير نتائجه الطبيعية في حفظ هذا الحق لصاحبه وصيانته له)) ثم يمضي حتى يقول: ((لا شبهة في تقرير هذا الحق الواضح الصريح في الإسلام، ولا شبهة كذلك في أنه قاعدة الحياة الإسلامية وقاعدة الإقتصاد الإسلامي)) – كتاب "العدالة الإجتماعية في الإسلام" – صفحة 111.. ويحدد الأستاذ سيد قطب عشرة من ميادين التملّك الفردي، ومنها "ملكية السلب" – على حد تعبيره – إذ يقول ((سابعا – الغزو وينشأ عنه ملكية السلب وهو كل ما مع القتيل المشرك الذي يقتله مسلم)) صفحة 124 – والعيب ليس أن هذا مصدر من مصادر التملّك في ماضي التشريع، وإنما العيب هو الا يرى المفكرون الأسلاميون مرحلية الجهاد فتقوم دعوتهم عليه بمثل هذه الصورة في هذا العصر!!
ويقوم الدفاع عن الملكية الفردية، عند الأخوان المسلمين، على أساس أن حب التملّك غريزة، وأنه إنما يتمشى مع الفطرة.. وفي ذلك يقول الأستاذ سيد قطب: ((وتقرير حق الملكية الفردية يحقق العدالة بين الجهد والجزاء، فوق مسايرته للفطرة، واتفاقه مع الميول الأصلية في النفس البشرية)) المصدر السابق صفحة 112.
والقول بأن الملكية الفردية غريزة، وأنها إنما تساير الفطرة إنما هو، دينيا، خاطيء.. فالغريزة الأساسية هي "الحياة" وبسبب الخوف الذي إحتوش الحياة منذ بدايتها – الخوف من الجوع، والخوف من الموت جوعا – إلتوت غريزة الحياة في التعبير عن نفسها، فاتجهت إلى إقامة الحوائل بينها وبين الجوع، ومن ههنا نشأت الملكية الفردية .. فهي ليست غريزة، وإنما هي صورة لإلتواء الغريزة.. ولو كانت الملكية الفردية غريزة تساير الفطرة، لكانت أولى بان تكون سنّة النبي الكريم، وهو صاحب الفطرة السويّة.. فهو لم يكن يملك ما يزيد عن حاجته الحاضرة، وإنما كان يصرف عنه كل ما زاد عن حاجته الحاضرة للحظته!!
ويدافع الأخوان المسلمون عن التفاوت في الأرزاق، ويعتبرونه الصورة المثلى للعدل التي يرضى عنها الإسلام.. يقول الأستاذ سيد قطب: ((لا يفرض الإسلام إذن المساواة الحرفية في المال لأن تحصيل المال تابع لإستعدادت ليست متساوية، فالعدل المطلق يقتضي أن تتفاوت الأرزاق، وأن يفضل بعض الناس بعضا فيها)) – المصدر السابق صفحة 32. هذا هو رأي سيد قطب .. وهو رأي خاطيء، وضار في آن معا.. وهو إنما كان خاطئا وضارا لأنه ضد التوحيد وضد تكافل المجتمع – ضد التوحيد وضد الإشتراكية .. ففي الدين إن هذا التفاوت الظاهر الذي إنبنت عليه الدخول المتفاوتة، إنما هو نفسه إمتحان لنا، لينظر ربنا إلى عملنا في دخلنا الزائد، هل نعلم أنه رزق الأخرين الذين حرموا من المواهب الظاهرة في كسب المال، لنوصله اليهم، ونكون على ذلك من الشاكرين لله، على إختصاصه لنا بأن جعلنا سبيلا لإجراء أرزاق عباده على ايدينا، ثم على أن وفقنا في إمتحانه لنا فعلمنا ان الزايد عن حاجتنا من دخلنا ليس هو ملكنا، وإنما هو ملك من يحتاجونه في اللحظة الحاضرة، ثم على أن قد قدرنا على أنفسنا فلم يقعد بنا الشح عن أن نوصل الحق لأصحاب الحق؟؟ والإدّخار إنما هو نقص في قولنا "لا إله الاّ الله"، وهو إستجابة للخوف الذي أملى علينا سوء الظن بالله: ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ،‌ وَيَأْمُرُ‌كُم بِالْفَحْشَاءِ .. وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَ‌ةً مِّنْهُ وَفَضْلًا .. وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ، وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرً‌ا كَثِيرً‌ا .. وَمَا يَذَّكَّرُ‌ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ )) و"الفحشاء" هنا تعني البخل.. وإنما عن البخل جاء الإدّخار، وجاء حب التملّك، وهو من خوف الفقر.. و"الحكمة" المشار اليها هنا هي معرفة أسرار الدين في أمر المال، وأمر الملكية .. ولا عبرة هنا بالأمر الشرعي وذلك حين قال: ((وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ، وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورً‌ا..)) وهو إنما لم يكن به عبرة هنا لأنه إنما جاء تجاوبا مع حرصنا، وخوفنا من الانفاق، ومن ترك الإدّخار.. وهو ليس مراد الدين بالأصالة، وإنما هو تدريج لضعفنا نحن، وغيره أولى بنا لو كنا نعلم، ولو كنا نستطيع، إذ "لا يكلف الله نفسا الاّ وسعها".. وهذا الأمر جميعه إنما ترشدنا إليه هذه الآية: ((وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّ‌زْقِ ، فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَ‌ادِّي رِ‌زْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ، فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ .. أَفَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَجْحَدُونَ؟؟)) وروح هذه الآية في قوله تعالى: ((فهم فيه سواء.. أفبنعمة الله يجحدون؟؟)) ففيها إشارة المساواة، وفيها توبيخ خفيف، ولطيف، على تركنا للمساواة بخلا، وجحدا، لا بنعمتنا، في الحقيقة، وإنما بنعمة الله!!