إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بيننا وبين محكمة الردة

المدعي الأول – الشيخ الامين داود محمد
((عن جريدة الرأي العام))


قال المدعي الأول ما يأتي:-
((أنا الامين داود محمد أدعي وأشهد محتسبا لله تعالى بأن محمود محمد طه هذا، وهو رجل مسلم، قد ارتد عن الإسلام بأفعاله وأقواله – أما أفعاله فهي:-
1- ((أنه لا يصلي ويصرح بأنه واصل والواصل لا داعي أن يصلي)) هذا ما قاله المدعي الأول عني، وهو قول لم أقله قط، وما قلته قد نقله عني المدعي الأول نفسه وهو يظهر بطلان ما نسبه إلي في عبارته السابقة..
استطرد المدعي الأول في خطبته أمام المحكمة فقال: (وبدليل ما جاء في كتابه رسالة الصلاة صفحة 46 حيث يقول: ((ويصبح شأن الآية – إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا – مع المسلم الذي يمر بمرحلة الإيمان.. الذي هو مرتبة الأمة الأولي.. إن الصلاة الشرعية في حقه فرض له أوقات يؤدى فيها – فإذا ارتقى بحسن أدائها، وبتجويد تقليد المعصوم، حتى ارتقي في مراقي الإيمان، التي ذكرناها، حتى بلغ حق اليقين، وسكن قلبه، واطمأنت نفسه، فأسلمت، طالعه المعنى البعيد لكلمة ((موقوتا)) في الآية – إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا - وذلك المعنى في حقه هو أن الصلاة الشرعية فرض له وقت ينتهي فيه، وذلك حين يرتفع السالك إلى مرتبة الأصالة، ويخاطب بالاستقلال عن التقليد، ويتهيأ ليأخذ صلاته الفردية من ربه بلا واسطة، تأسيا بالمعصوم، فهو حينئذ لا تسقط عنه الصلاة، وإنما يسقط عنه التقليد، ويرفع من بينه وبين ربه، بفضل الله، ثم بفضل كمال التبليغ المحمدي، الحجاب الأعظم – الحجاب النبوي) هذا ما نقله المدعي الأول بيده من ((رسالة الصلاة)) وهو نقل مخل ولا يعطي الفكرة بوضوح، ومع ذلك فإنه يظهر مبلغ تزييفه هو في نسبة ما نسب إلينا.. ونحب أن يقارن الشعب بين قول الشيخ المدعي ((أنه لا يصلي ويصرح بأنه واصل والواصل لا داعي أن يصلي)) وقولنا، حتى في الحيز الذي نقله هو بيده، وعرضه على المحكمة وهو ((حين يرتفع السالك إلى مرتبة الأصالة، ويخاطب بالاستقلال عن التقليد، ويتهيأ ليأخذ صلاته الفردية من ربه بلا واسطة، تأسيا بالمعصوم، فهو حينئذ لا تسقط عنه الصلاة - وإنما يسقط عنه التقليد))
ونحب أن يقارن الشعب بين قول الشيخ المدعي ((انه لا يصلي)) وبين قولنا ((ويتهيأ ليأخذ صلاته الفردية من ربه بلا واسطة)) ونحب أن تجرى المقارنة أيضا بين قول الشيخ المدعى ((والواصل لا داعي أن يصلي)) وبين قولنا ((فهو حينئذ لا تسقط عنه الصلاة وإنما يسقط عنه التقليد))..
إذا وضح من هذا أن الصلاة لا تسقط وإنما يسقط التقليد يصبح قول المدعي الأول في حقنا أمام المحكمة ((وفات عليه أن الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه كان يصلي إلى أن إلتحق بالرفيق الأعلى حتى تورمت قدماه)) قولا في غير محله، وذلك لأن النبي لم يكن مقلدا لأحد من العالمين وإنما كان أصيلا – هو لا تعترضه عقبة التقليد في الصلاة الشرعية وإنما تعترض أمته من ورائه – وقد ورد هذا الأمر في كتابنا ((رسالة الصلاة)) صفحة 34 حيث يقول تحت عنوان التقليد ( ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) !! هكذا أمر النبي في تبليغ رسالة ربه.. فالصلاة معراج النبي بالأصالة ومعراج الأمة من بعده بالتبعية والتقليد..)..
أما أصحاب النبي فقد كانوا من المؤمنين، وقد سبقت الاشارة إلى أن المؤمنين لن ينفكوا عن التقليد، وإنما يخاطب بسقوط التقليد من ارتفع درجات الإيمان الثلاث، ودخل في درجات الايقان الثلاث، وبلغ مرتبة الإسلام الذي يمثله الرضا بالله..
وقال المدعي الأول أمام المحكمة في حقنا: ((وفات عليه كذلك أن الإسلام لا يعترف إلا بصلاة واحدة هي التي تلقاها المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)) والمدعي يجزم بهذا القول ولا يتعرض، بأدنى اعتبار، للحديث المدعم بالآيات الكريمات الوارد في صفحة 15 من كتابنا، رسالة الصلاة، تحت عنوان ((الصلاة وسيلة)) حيث جاء.. ((والصلاة التي هي وسيلة، الصلاة الشرعية المألوفة في الحركات المعروفة، والأوقات، وهي وسيلة إلى المقام الذي يكون فيه الفرد في صلة تامة، وجمعية شاملة بربه، والقرآن في هذا الباب لا يحوجنا إلى طويل تفكير، فهو حاسم وقاطع.. فاسمعه يقول ((واقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون)) واسمعه يقول أيضا ((واقم الصلاة لذكري)) وذكر الله في هذه الآية، وفي سابقتها، الحضور مع الله بلا غفلة، ووسيلته الصلاة) هذا ما ورد في كتاب رسالة الصلاة.. والآن فما رأي المدعي، وما رأي المحكمة، اذا قيل لهما أن ذكر الله الوارد في هذه الآية، وفي سابقتها هو الصلاة التي (يعترف) بها الإسلام اعترافا بوأها مكان الغاية من صلاته الشرعية.. وهي الصلاة التي عبر عنها النبي بقوله: ((الصلاة صلة بين العبد وربه)) فى حين انه عبر عن الصلاة الشرعية بقوله ((الصلاة معراج العبد إلى ربه))؟؟
إن الأمر في هذا الباب أعمق وأجل من أن يقابل بهذه البساطة، وهذه السذاجة، لأنه أمر يتعلق بالحقائق المتصلة بأصول الدين، وبحرية الانسان، وبحياة الانسان.. نحن نعلم أن هذا الأمر غريب على الشيخ المدعي، ولكنه حق، وقد تكون غرابته مدعاة صحته، عند كل ذي بصيرة.. ألم يقل المعصوم ((بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ..)) ألا يوجب هذا القول الكريم اصطناع الاناة، والتريث، والاعتصام عن التقحم الطائش؟؟
هذا وإنَّا لندعو الشعب عامة إلى الرجوع إلى كتابنا ((رسالة الصلاة)) فإن فيه توضيحا لكل المسألة بصورة، أقل ما فيها أنها توجب على العلماء احترام الأمر إلى الحد الذي يعصمهم عن التسرع الذي تورط فيه الشيخ الامين داود محمد.
ثم إن المدعي الأول يقول أمام المحكمة في خطبة اتهامه إيانا (يقول في صحيفة الرأي العام بتاريخ 15/1/1965 وكررها في عدة صحف في النشرات التي يوزعها – يقول بالحرف الواحد (نجد أن حظ المرأة في تشريع الإسلام الذي بين أيدينا حظ مبخوس فهي على النصف من الرجل في الشهادة.. وعلى النصف منه في الميراث، وعلى الربع منه في الزواج، وهي دونه في سائر الأمور الدينية والدنيوية. فلماذا؟") ويقف عند هذا الحد من النقل عن منشورنا، ليصل إلى غرضه الذي يبيته، وهو تضليل المحكمة، ومن ورائها الرأي العام السوداني.. فماذا قال الشيخ المدعي؟ قال (ومعنى مبخوس في كتب اللغة – بخسه بخسا – نقصه، وظلمه، وبخس عينه فقأها الخ الخ.
(1- جعلت نصف الرجل في الشهادة بقوله تعالى – ((فان لم يكونا رجلين فرجل وأمرأتان))-
(2- وجعلت نصفه في الميراث بقوله تعالى – ((يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين))
(3- وجعلت ربعه بقوله تعالى – ((فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع") هذا ما قاله المدعي الشيخ الامين داود ثم ذهب يتهمني بقوله: (نسب المولى، سبحانه وتعالى، إلى عدم العدل في كل واحدة من هذه الآيات – وفي كل آية من الآيات الثلاث ردة قائمة بذاتها، وهي أخبث أنواع الردة. اذ فيها نسبة الظلم إلى الله سبحانه وتعالى في كل آية من الآيات الثلاث)
انتهى كلام الشيخ، في هذه النقطة، في خطبة ادعائه أمام المحكمة، ونحن نحب للشعب السوداني أن يعرف إلى أي مدى تورط هذا الرجل - الامين داود محمد، في عدم الأمانة في النقل.. إن كلامه الذي نسبه الينا وارد في منشور الحزب الجمهوري عن المرأة.. ونصه كالآتي:-
(وحين نجد حظ المرأة في القرآن، من المسئولية الفردية، مساويا لحظ الرجل مساواة مطلقة، نجد أن حظها، في تشريع الإسلام الذي بين أيدينا الآن، حظ مبخوس... فهي على النصف من الرجل في الشهادة.. وعلى النصف منه في الميراث، وعلى الربع منه في الزواج، وهي دونه في سائر الأمور الدينية والدنيوية. فلماذا؟؟
((هنا تبرز عوامل التاريخ الموروث، من سوالف الحقب.. فقد عاشت البشرية، حينا من الدهر، تحت قانون الغابة، حيث القوة هي التي تصنع الحقوق، وهي التي تتقاضى هذه الحقوق، وفي مثل هذا المجتمع، فإن الفضيلة لشدة الأسر، وقوة العضلات وليس للمرأة هنا كبير حظ، ولذلك فقد كانت تعتبر عبئا ثقيلا ينوء به ذووها من الرجال حين يطعمونها من ألم الجوع، وحين يصونونها من عار السبي، وهو ما يجعل الناس على عهد الجاهلية يئدون البنات حيات ((واذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت)) أو ((وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب؟ ألا ساء ما يحكمون)) واذ ورث الإسلام هذا المجتمع الجاهلي فلم يكن مقبولا، عقلا ولا عملا إلا أن يقيد من حرية المرأة مهما بلغ من تحريرها (ولقد بلغ من تحريرها، بالنسبة لما وجدها عليه من الذلة مبلغا يشبه الطفرة) ثم أنه أشار حين قيد من حريتها إلى أسباب تلك القيود ((الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)) فالقوامة معلولة ((بما فضل الله بعضهم على بعض)) وهذا التفضيل يرجع الحظ الأكبر منه إلى شدة المراس وطول المصابرة في مواطن البأس.. ثم ((وبما أنفقوا من أموالهم)) وتلك اشارة صريحة إلى القوة التي بها يكون اقتناء المال من طول المثابرة وسعة الحيلة فاذا جاء الوقت – وسيجيء – الذي يقوم فيه القانون مقام القوة، والاشتراكية مكان الرأسمالية، فإن القوامة تعطي مكانها للمساواة بلا أدنى ريب، لأن ميدان المنافسة سينتقل إلى معترك جديد، السلاح فيه ليس قوة العضلات، وإنما قوة العقل، وقوة الخلق، وليس حظ المرأة من ذلك بالحظ المنقوص.
((ان آية الآيات، في مستقبل المرأة في القرآن، قوله تعالى ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة)) والمعروف هو العرف الذي تواضع عليه الناس ما لم يتعارض مع مراد الدين من تسيير الخلق إلى الله على بصيرة.. وأما قوله ((وللرجال عليهن درجة)) فلا يعني أن مطلق رجل أفضل من مطلق امرأة وأنما يعني أن على قمة هرم الكمال البشري رجلا تليه امرأة هي قرينته، تكاد تتخطى بذلك كل ما عداه من الرجال.. وأس الرجاء في الآية أن الطريق بها انفتح للمرأة ليتطور حقها وحريتها في المجتمع، بتطوير مسئولياتها وواجباتها في الحياة العامة، والحياة الخاصة، وذلك تطور لا يحده حد على الاطلاق.
((فتشريع قوامة الرجل على المرأة في الإسلام ليس أصلا، وإنما الأصل المساواة، وتشريع تعدد الزوجات في الإسلام ليس أصلا. وإنما الأصل الزوجة الواحدة، للزوج الواحد. ومثل هذا يقال عن المهر في الزواج، فانه يمثل ثمن شراء المرأة، حين كانت تسبى، او تختطف أو تشترى، وإنما الأصل في الإسلام التكافؤ بين المرأة والرجل في انشاء عش الزوجية.. ((هن لباس لكم وانتم لباس لهن)).. فهذه اشارة بالغة الرفعة في تصوير التكافؤ بين المرأة والرجل في الشراكة في الحياة الزوجية.))
هذا ما قلناه في منشور المرأة.. وأنتم ترون كيف أن الشيخ المدعي الامين داود محمد شوه النقل، فهو بدل أن يبدأ بأول الكلام، وهو قولنا ((وحين نجد حظ المرأة في القرآن، من المسئولية الفردية، مساويا لحظ الرجل مساواة مطلقة)) يتركه وراءه ليبدأ من ((نجد أن حظها، في التشريع الإسلامي الذي بين أيدينا الآن، حظ مبخوس الخ الخ)).. وهو بدل أن يواصل النقل بعد قولنا ((فلماذا؟؟)) يقف.. ويذهب ليخرج تخريجات لو واصل النقل لما وجد إليها من سبيل..
ان مثل هذا المستوى من عدم الأمانة، ومن التضليل للمحكمة وللرأي العام ليجلب العار، كل العار على من يتورط فيه.. لا ضير!! فإن المدعي، إن استطاع أن يضلل المحكمة، فانه سيقف مكشوفا، عاريا على أشنع ما يكون، أمام الله، ثم أمام الرأي العام السوداني..
هناك أمثلة كثيرة لعدم أمانة هذا الرجل في النقل، وفي التخريج، في خطبة ادعائه التي ضلل بها المحكمة، نجتزئ الآن، لضيق وقتنا، بهذا القدر منها، لنعود اليها بتوسع أكثر في سفرنا المقبل، من سلسلة ((بيننا وبين محكمة الردة)) التي وعدنا بمواصلة اصدارها، وسننصرف الآن لنحدثكم عن المدعي الثاني، الشيخ حسين محمد زكي، إن رداءة هذا الرجل، وجهل هذا الرجل، وعدم أمانة هذا الرجل، وعدم مسئولية هذا الرجل، لتعجز الوصف، وتفوق سوء الظن العريض، وسترون ذلك بأنفسكم..