إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

القرآن ومصطفى محمود والفهم العصرى

النظرة العلمية


والدكتور رجل عالم، ولعل الأمر الذي يتميز به كتابه هذا، وجميع ما انتهى إلينا مما يكتب، أن ثقافته العلمية واسعة، ومرتبة، غير أنه لا يخلص لها، ولا يلتزمها دائما.. ولعله، في هذا الكتاب بعينه، كان يشعر بتنازع ولاء بين العلم، والدين.. وهو، لما كان غير مجود للتوحيد، فقد ظلت، في عقله، مناطق منفصلة، للفلسفة، وللعلم، وللدين.. ولم تظفر هذه المعارف الغزيرة بفرصة جيدة لتنصهر في بوتقة التوحيد، حتى تظهر في كل متناسق، متماسك، يكون به صاحبها مفكرا متماسكا، له في كل قضية رأي عتيد، لا يضطرب، ولا يلتوي.. أنظر إلى هذا الاضطراب الفكري!! هو يقول في صفحة 27: (ومن النظرة المبدئية للعالم بما فيه من أرض وسماوات ونجوم وكواكب ترى أنه يقوم على سلسلة محكمة من الأسباب والمسببات وأن كل شيء فيه يجري بنظام محكم.. وإن كان لديك ورقة وقلم فإنك تستطيع أن تحسب بالضبط متى تشرق الشمس ومتى تغرب.. لأنها تتحرك حسب قانون.. وكل شيء في الدنيا يتحرك حسب قانون..
إلا الإنسان.. فإنه يشعر أنه يمشي على كيفه) هذا ما قاله الدكتور، وأنت، بالطبع، تشعر بضعف المنطق العلمي في عبارة: (فإنه يشعر)، من جملة (فإنه يشعر أنه يمشي على كيفه).. فإنها ليست في المستوى العلمي اللازم، لأن شعوره (أنه يمشي على كيفه)، قد يكون شعورا واهما، وتظل الحقيقة العلمية قائمة من وراء هذا الوهم، وهي، على خلاف ما قرر الدكتور، أن الإنسان لا يشذ عن بقية الموجودات، وإن أوهمه عقله غير ذلك.. وإلا فليحدثنا الدكتور عن شذوذ الإنسان، وهو يتطور في أطوار الجنين في الرحم، من الحيوان المنوي، إلى البشر السوي في فترة تسعة أشهر.. ما هو شذوذه في ذلك عن جنين الأرنب، أو جنين الشاه مثلا؟؟ وما هو دوره، وما هي يده في هذا الشذوذ، والاختلاف؟؟ أليس هو في الرحم خاضعا، خضوعا تاما، لا لبس، ولا شك فيه، للإرادة الهادية، الحكيمة، التي سيرت دراري السماء، وسددت ذراري الأرض؟؟
ومفارقة الدكتور، ومجافاته للنظرة العلمية، تظهر بصورة مؤسفة حين تقرأ قوله: (لاشيء يحول بين الإنسان وبين أن يضمر شيئا في نفسه. إنه المخلوق الوحيد الذي يملك ناصية أحلامه. ولكن هذه الحرية البكر الطليقة في الداخل ما تلبث أن تصطدم بالعالم حينما تحتك به لأول مرة في لحظة الفعل).. هذا حديث الدكتور.. ألا يدلك هذا الحديث على أن الدكتور إنما يأخذ الإنسان على أنه وجد على الصورة المعاصرة من الوهلة الأولى؟؟ ألا ترى أن الدكتور نسي تطور الإنسان من بدايات هي، في حقيقتها، نفس عناصر العالم الذي يعيش فيه الآن؟؟
الحقيقة العلمية تقول: أن الإنسان لبث في رحم الحياة آمادا سحيقة قبل أن تكون له إرادة، وقبل أن تكون له حرية.. (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعا، بصيرا * إنا هديناه السبيل.. إما شاكرا، وإما كفورا) النطفة هنا الماء الصافي.. و(نطفة أمشاج) معناها الماء المخلوط بالطين.. هذه نشأة الإنسان في رحم الحياة وهي نشأة قد استغرقت من عمر الزمان دهرا طويلا، ولم يكن للإنسان فيها إرادة، ولا حرية، لأنه لم يكن له يومئذ عقل – عقل يقوم عليه التكليف وهذا هو معنى قوله تعالى: (لم يكن شيئا مذكورا)..
وللإنسان الآن نشأة رحمية ثانية.. هو يتكون في رحم الأم من (نطفة أمشاج) أيضا، وهي، ههنا، ماء الرجل المخلوط ببويضة الأنثى، ويمكث في هذه النشأة الرحمية نحوا من تسعة أشهر، يطوي خلالها جميع الصور التي مرت عليه في النشأة الرحمية الأولى، إذ يرتفع من دودة منوية، إلى بشر سوي.. وهو، في هذا الرحم، كما كان في ذاك، لا إرادة له، ولا حرية، وإنما هو خاضع، تمام الخضوع، للقانون الأزلي القديم، الذي تخضع له الأحياء، والأشياء، والذي قال تعالى عنه: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات، والأرض، طوعا، وكرها، وإليه يرجعون؟؟) هو خاضع للإرادة الإلهية التي لا يعصيها عاص، ولا يشذ عنها شاذ.. هي دائما تطاع، حتى بالمعصية.. ألا ترى أن الدكتور قد ذهل عن نظرته العلمية، وأخذ يحدثنا عن الإنسان كنتيجة ناجزة، بل إنه ليحدثنا عن الإنسان المعاصر؟؟ اسمعه يقول: (إن رغبتنا تظل حرة ما دامت كامنة في الضمير والنية.. فإذا بدأنا التنفيذ اصطدمنا بالقيود.. وأول قيد نصطدم به هو جسدنا نفسه الذي يحيط بنا مثل الجاكتة الجبس ويحاصرنا بالضرورات والحاجات ويطالبنا بالطعام والشراب ليعيش ويستمر ولا نجد مهربا من تلبية هذه المطالب.. فنجري خلف اللقمة ونلهث خلف الوظيفة ونضيع في صراع التكسب ونفقد بعض حريتنا.. بعضها وليس كلها.. وهو ثمن ضروري) انتهى كلام الدكتور من صفحة 29..
بل إنه لا يحدثنا عن الإنسان المعاصر من حيث هو، وإنما عن الإنسان المعاصر في مجتمع بعينه، هو في الغالب المجتمع الذي يعيش فيه الدكتور.. وإلا فما رأيه في إنسان (الإسكيمو) الذي سير بحاجات جسده، في منطقة استغرقت حاجات جسده فيها كل وقته، حتى أصبح كالحشرات الإقتصادية النملة، والنحلة، التي تستغرق حاجاتها كل وقتها؟؟ فإنسان الإسكيمو يعيش في جدب، وصقيع، جعل كل سعيه مستغرقا في حاجات معدته، وجسده، فهو يكدح في الصيف ليخزن قوته في شتاء يظل خلاله حبيس كهفه، لا يستطيع أن يبرحه، لظلام الأرض، ولصقيع الجو.. ذلك بأن شتاءه ليل واحد طويل.. هل فقد هذا الإنسان بعض حريته؟؟ أم هل فقدها كلها؟؟ وما هي حريته، على كل حال، وأين هي؟؟ أم هل اختار إنسان الإسكيمو أن يعيش في هذه المنطقة العجيبة فكان له ما اختار؟؟ وما هي حرية من لا يعرف أكثر من حاجات معدته وجسده؟؟
وأخرى!! فإن التخيير يقتضي اتخاذ موقف من موقفين، على أقل تقدير.. أو إتخاذ موقف من عدة مواقف.. واتخاذ هذا الموقف يقتضي الوزن، والتمييز، وملكة المفاضلة.. وهذه تعتمد على العقل.. فكيف يكون موقف المعتوه، أو موقف ضعيف العقل بسبب الوراثة لمجيئه من أبوين معتوهين، أو ناقصي العقل؟؟ هل هذا مخير، أم هل هو مسير؟؟
إن النظرة العلمية تقول: أن الإنسان مسير حتى حين يختار.. هو محاط باختياره.. لا يملك عن هذه الإحاطة فكاكا، ولا انعتاقا.. هو يدخل الحياة، ولا اختيار له في الدخول.. ويخرج من الحياة، ولا اختيار له في الخروج.. ويعيش، فيما بين الدخول والخروج، في بلد ليس له فيه اختيار، وفي مجتمع ليس له فيه اختيار.. فكيف يكون مالكا لحرية (اختيار) مع كل أولئك.. فإن قيل: أن إنسان الإسكيمو، وأن ضعيف العقل، وكل أحد سواهما، في مثل ظروفهما، مع كل ما يلاقي، ليس هناك على ضميره الداخلي من سلطان خارجي، وهو، من ثم، يملك حرية النية، فإن مثل هذا القول إنما يكون خلطا بين التسيير والتخيير.. إن التسيير هو ألا تملك في اختيار الأسباب الخارجية ما يجعل اختيارك الداخلي حرا.. ومن ذا الذي يقول أن الحجر على حرية القول لا يشكل حجرا على حرية الفكر؟؟ وأنك حين تكون عايشا في ظروف خوف على حياتك تكون مالكا لحرية النية، وحرية الاختيار؟؟.. إن مثل هذا القول يكون باطلا بطلانا ظاهرا، ذلك بأن الرؤية لا تكون واضحة أمام العقل، في مثل هذه الظروف، ومن ثم، فإن حرية النية تتأثر، وحرية الاختيار تتأثر، لأن الأمور تكون قد تلبست عليك، فلا تعرف ماذا تنوي، ولا ماذا تختار..
يجب أن يكون واضحا، فإنك لا تضمر نية لا تعرفها، وأنك لا تختار أمرا لا تعرفه.. فإن كنت لا تملك ظروف علمك، أو جهلك، من حيث المواهب التي ركزت فيك، ومقدرتها، أو عجزها، عن التعلم، ومن حيث الظروف الخارجية التي تجعل التعليم ميسرا لك أو متعذرا عليك، فإنك، من ثم، لا تملك لا حرية النية، ولا حرية الاختيار.. وإنما أنت مسير إلى أن تنوي نية ناجزة، وأن تختار اختيارا ناجزا.. ولكنك تتوهم أنهما نيتك، واختيارك، لأن التدخل في أمر حريتك قد كان من اللطف، ومن حسن التأتي، بحيث لم يزعجك، ولم يشعرك أنه يتدخل في أمورك.. وهذه غفلة سقط فيها أكثر المفكرين.. ومنهم، مع الأسف، الدكتور الفاضل مصطفى محمود..
وهل هناك تقرير هو أبعد من العلم من تقرير الدكتور حين قال: (لا شيء يحول بين الإنسان وبين أن يضمر شيئا في نفسه.. إنه المخلوق الوحيد الذي يملك ناصية أحلامه.)؟؟ أي أحلام هذه التي يريد الدكتور؟؟ فإن كانت أحلام اليقظة، كما يبدو، فإن الجهل يحول بين الإنسان وبين أن يضمر شيئا في نفسه، إلا شيئا قد أعد له من قبل، وأُلقي في نفسه، وأُوهم أنه من عند نفسه.. والإنسان لا يملك من الجهل فكاكا، ولا هو يستطيع أن يعلم ما يريد أن يعلم.. وإن كانت أحلام المنام فهذه لا تخضع لإرادة الإنسان، بل إنها لتجيء في وقت تكون فيه الإرادة معطلة تماما، وهي، على كل حال، صور من العقل الباطن، الموروث في عمر الإنسانية كلها، ولا أراني أحتاج لأن أقرر أن فردا، من أفراد الجنس البشري، ليس له اختيار في تكوين العقل الباطن، الموروث في عمر الجنس كله، والذي يؤثر على صحته، وعلى أخلاقه، وعلى فكره، وعلى ضميره المحجب..
والمشكل حقا في أمر الدكتور مصطفى هو أن نهجه في البحث، والقوة البادية على منطقه، ومقدرته الفكرية الكبيرة، تجعل باطله يجوز على العقول بسرعة، ولا يتفطن إليه إلا من أوتي بصرا بأصول الفكر الدقيق.. اسمعه وهو يحدثك!! (إن الإنسان يعيش مضطربا بين عالمين – عالم إرادته الحرة بداخله.. وعالم المادة حوله الراسف المغلول في القوانين..
وسبيله الوحيد إلى فعل حر هو معرفة هذه القوانين، والفطنة إلى استغلالها بالوفاق معها.. وهو دائما ممكن.) انتهى قول الدكتور من صفحتي 30 و31.. وأنت حين تقرأه، لدى الوهلة الأولى، لا تملك غير التسليم له.. ولكن، لدى النظرة البعيدة، يظهر لك خطأه الأساسي، الذي ينتظم كل كتاباته، وهو عدم الدقة العلمية، والفكرية.. ولقد قلت أن السبب في ذلك ضعفه في التوحيد وكما قلت فإن ديدني سيكون كشف هذه الناحية، ابتغاء أن يتدارك الدكتور هذا الأمر، فإنه بتداركه خليق.. وهو به جدير..
اسمعه مرة أخرى!! (إن الإنسان يعيش مضطربا بين عالمين.. عالم إرادته الحرة بداخله.. وعالم المادة حوله الراسف المغلول في القوانين) فإنه لكأنه يتحدث عن شيئين، مختلفين اختلاف نوع.. (إرادته الحرة بداخله).. و(عالم المادة حوله).. ثم هو يتحدث، ويقول: (إرادته)، وكأنه قد قال كل شيء يمكن أن يقال.. ويقول: (المادة)، وكأنه قد قال كل شيء يمكن أن يقال، فلم يبق عليه هو ككاتب شيء، وبقي عليّ، وبقي عليك، من القراء، أن نفهم عنه كل شيء.. ونحن نريد أن نتعدى الألفاظ إلى المعاني التي تقوم وراءها.. فما هي الإرادة؟؟ وما هي المادة؟؟ وما قول الدكتور فيمن يحدثه أن الاختلاف بين (الإرادة) وبين (المادة) إنما هو اختلاف مقدار.. وأنه ليس في الوجود اختلاف نوع على الإطلاق.. وأنه، لدى النظرة العلمية، فإن الإرادة مادة، في حالة لطافة لطيفة.. والمادة إرادة في حالة كثافة كثيفة.. وأنه، حين اعترف لعالم المادة حوله أنه (الراسف المغلول في القوانين)، قد كان يجب عليه أن يعرف للإرادة الداخلية نفس القدر من القيود، والأغلال، فلا يزعم أنها حرة طليقة..
إن النظرة العلمية التي ذهب إليها كارل ماركس من أن المادة سابقة للعقل، وأنه تابع لها، مسير بها، نظرة لها حظ من الصحة ما كان ينبغي أن يذهل عنها الدكتور، وإنما يجيء الخطأ لماركس من إنكاره لوجود عقل سابق على المادة، ومؤثر فيها، ومسير لها، وذلك هو (العقل الكلي) المتسامي على المادة، المتخطي لها، المسيطر عليها.. وهو خطأ جسيم، أخرج ماركس من مرتبة العالم المحقق، إلى مرتبة الملحد الجاهل..
إن الإرادة البشرية مسيرة بالعالم المادي الذي حولها.. والعالم المادي إنما هو مظهر محسوس للإرادة الإلهية التي سيرت العوالم التي نعرفها، والعوالم التي نجهلها.. العوالم التي نراها، والعوالم التي لا نراها..
وما هي هذه القوانين التي يعنيها الدكتور حين قال من عبارته التي أوردتها لك سابقا: (وسبيله الوحيد إلى فعل حر هو معرفة هذه القوانين والفطنة إلى استغلالها بالوفاق معها.. وهو أمر دائما ممكن).؟؟ هو، بالطبع، يعني القوانين الطبيعية التي تحكم المادة والتي اكتشفها علماء الفيزياء، وعلماء الرياضيات، وعلماء الهندسة، وغيرهم من أضرابهم.. ولكن، ما قول الدكتور إذا أخبرناه أن التوحيد يقول: أن هذه ليست قوانين، وإنما هي مجرد ترتيب أسباب؟؟ وإنما القانون هو العقل الكلي.. وإذا أراد العقل الكلي للأسباب ألا تتأتى إلى نتائجها فإنها تتخلف – فالجاذبية لا تفعل فعلها في الأجسام، والنار لا تحرق ما تسلط عليه من الأشياء – والذين عرفوا القوانين التي يتحدث عنها الدكتور لا سبيل لهم إلى الحرية، وإنما السبيل مفتوح للذين عرفوا العقل الذي رتب سلسلة الحوادث التي تنبعث عنه في كل لحظة ترتيبا هو من اللطف، ومن الدقة، ومن الإنضباط، بحيث ظنه الغافلون قانونا يعمل في المادة باستقلال عن مؤثر خارج المادة، كما حدث لماركس في فلسفته المادية..
التوحيد يقول: إن ما نسميه أسبابا في مفهوم عقولنا العادي، وننتظر منه نتائج، ليس، في حقيقته، أسبابا تؤدي إلى نتائج وإنما هو ترتيب للمحل ليستعد لتلقي الفيض الإلهي، في كل لحظة، فتكون بذلك النتيجة المرجوة.. فكأن المحل قد يترتب، أو قل الأسباب قد تتخذ بإتقان تام، ثم، إن لم ينبعث الإذن من الله، لا تكون النتيجة التي يقوم في عقولنا أنها لا تتخلف.. فنحن قد نعد النار على أحسن ما تكون، ونستيقن أنها ستشوي اللحم الذي نعرضه لها، ولا يقوم في مألوف علمنا أنها قد تتخلف، ولكن التوحيد يقول: إن كل الذي فعلناه نحن بإعداد النار على خير ما تكون للإحراق هو أن المكان استعد لتلقي الإذن الإلهي بالإحراق، فإن لم ينبعث الإذن لا يقع الإحراق، وتتخلف النار، بغير سبب نعرفه، عن مألوف عادتها عندنا.. أكثر من هذا، فإن التوحيد يقول: من ظن أن النار تحرق، ولا تتخلف عن الإحراق، بعد أن أعددناها نحن، على خير ما نعلم، فإنه مشرك بالله.. أو ضعيف في توحيده، على أحسن حالاته..
أما النمرود، صاحب إبراهيم الخليل، فقد ظن أنه سيكيد لإبراهيم كيدا لا قبل له به حين سفه آلهته، فأمر، فبنى حظيرة، وجمع فيها نارا عظيمة، ثم وضعوه في المنجنيق، مغلولا، فرموا به فيها، فظهر له جبريل، وهو على وشك أن يُلقى به في النار، فقال: هل لك من حاجة؟؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا!! فقال جبريل: فإلى ربك، فقال: علمه بحالي يغنيه عن سؤالي.. فورد الخطاب القدسي إلى النار: (يا نار!! كوني بردا، وسلاما، على إبراهيم).. فكانت كما أُمرت، ولم تحرق منه غير وثاقه.. وإنما كان ذلك لأن إبراهيم عرف رب النار، ولم يلق بالا إلى القانون الذي ألفه الناس عن النار.. أم هل ترى أنه كان يجد حريته التي وجد، لو فعل كما يريد له الدكتور مصطفى محمود أن يفعل، حين قال: (وسبيله الوحيد إلى فعل حر هو معرفة هذه القوانين والفطنة إلى استغلالها بالوفاق معها.. وهو أمر دائما ممكن..)؟؟ أم هل ترى أن الدكتوركان يريد من القوانين هذه القوانين التي تحدثنا عنها نحن، ويريد بقوله: (والفطنة إلى استغلالها بالوفاق معها) الاستسلام الراضي بالله؟؟ ذلك أمر بعيد!! بعيد!! وإنما هو يعني القوانين الطبيعية المألوفة..
هذا ختام نقاش نظرة الدكتور العلمية لهذا الموضوع فلنأخذ في نقاش نظرته الدينية..