إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

القرآن ومصطفى محمود والفهم العصرى

التفسير والتأويل


للقرآن تفسير، وله تأويل..
وبين التفسير والتأويل إختلاف مقدار، لا اختلاف نوع.. فالتفسير قاعدة هرم المعاني، والتأويل قمته.. وتتفاوت المعاني، بين القاعدة والقمة، من صور الكثافة إلى صور اللطافة.. فلكأن التأويل هو الطرف اللطيف من التفسير..
وقمة هرم المعاني عند الله، حيث لا عند، وفي ذلك قال تعالى: (عن القرآن بين القمة والقاعدة) (حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا، لعلكم تعقلون * وإنه، في أم الكتاب، لدينا، لعليّ حكيم) فإن كلمة (لدينا) هنا، ليست ظرف مكان، وإنما هي للتناهي، حيث ينتهي الزمان، والمكان، وذلك لدى عتبة الذات، التي لا يحويها الزمان، ولا المكان.. وبهذا المستوى فإن تأويل القرآن لا يعرفه، عند التناهي، إلا الله، وهذا معنى قوله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب، منه آيات محكمات، هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه، ابتغاء الفتنه، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله.. والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا.. وما يذكر إلا أولو الألباب)
ولقد أخطأ قوم فظنوا أن التأويل، من حيث هو، لا يعرفه إلا الله.. وذلك لا يستقيم، لأن تنزلات القرآن، من لدن الذات، عديدة، وللعارفين فيها مواضع، ولا ينقطع حظهم من المعرفة إلا عند حضرة الذات.. فإنه، في حضرة الذات، مبلغ العلم الحيرة.. وفي الحيرة خير كثير.. لأن بها يعرف العقل قدر نفسه.. و(من عرف نفسه فقد عرف ربه) كما قال المعصوم.. وقد إعتصمت الذات العلية عن أن يعرفها أحد معرفة استقصاء، وإحاطة، لأنها قد تفردت بالوحدة المطلقة، فليست ذات تشابهها، فتعرفها، ولذلك فقد قيل:(لا يعرف الله إلا الله).. وإنما، من ههنا، جاء قوله تبارك، وتعالى: (قل لا يعلم، من في السموات والأرض، الغيب إلا الله، وما يشعرون أيان يبعثون * بل ادارك علمهم في الآخرة، بل هم في شك منها، بل هم منها عمون).. فالغيب هنا، هو الله، في إطلاق ذاته، فإنه لا يعلمه أهل السموات من الملائكة المقربين، ولا أهل الأرض من علماء الجن والإنس.. بل استغرق علم هؤلاء علم الآخرة.. بل، حتى هذه، لم يستقصوها علما، ولم يحصوها يقينا.. قال تعالى: (بل ادارك علمهم في الآخرة) يعني اجتمع، ونفد، فلم يستقص، ولم يحط.. (بل هم في شك منها) لقصور علمهم بها.. (بل هم منها عمون).. فتلك ثلاث درجات من العلم، كلها انحصرت في حضرات التنزلات، وانحسرت عن حضرة الذات.. وحضرات التنزلات كثيرة، لا تحصى، ولكنها جميعا تنضوي تحت ثلاث، فإن الذات العلية، تنزلت من إطلاقها، وصرافتها، إلى مرتبة الاسم – العلم – ثم إلى مرتبة الصفة – الإرادة – ثم إلى مرتبة الفعل – القدرة –.. ومن هذه الثلاث جاء خلق المخلوقات، فحضرة العلم أحاطت بالمخلوقات، وحضرة الإرادة خصصت الصورة الأولى، وحضرة القدرة أبرزتها إلى الوجود الأول، وفق تخصيص الإرادة، وإحاطة العلم، ثم باشرت إبراز تعاقب الصور في نسق حكيم، وتسلسل دقيق، تضبط منازله الإرادة الرشيدة، ويوجه خطوه العلم المحيط إلى سدة الذات العلية في علاها.. والسير إلى سدة الذات العلية، في علاها، إنما هو تطور من الكثافة، إلى اللطافة، أو قل من الجهل، إلى المعرفة.. وذلك هو مقصود الله حين قال، تعالى من قائل: (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب، وبما كنتم تدرسون) وهو مقصود المعصوم حين قال: (تخلقوا بأخلاق الله.. إن ربي على سراط مستقيم)..
وفي هذا التطور يقول تعالى: (يأيها الإنسان!! إنك كادح إلى ربك كدحا، فملاقيه) ولا تكون ملاقاة الإنسان ربه بقطع المسافات، وإنما هي بتقريب الصفات من الصفات – بتقريب صفات العبد، من صفات الرب – وذلك هو معنى الأمر بالتخلق بأخلاق الله..

أخلاق الله


وأخلاق الله هي القرآن.. وهذا هو معنى قولنا (أن القرآن هو كلام الله).. هذا مجمل الأمر.. ولكن أخلاق الله، لكي تفهم، ولكي تقلد، لا بد في أمرها من التفصيل، وكذلك كان التفصيل في القرآن.. فالله في ذاته الساذج لا يعرف، ولا يسمى، ولا يوصف، ولكنه بمحض فضله تنزل من صرافة ذاته، إلى منازل أسمائه، وصفاته، وأفعاله.. ثم أنزل القرآن ليحكي هذه التنزلات، لكي يعرفه عباده، فيسيروا إلى عتبة ذاته.. والتنزلات في جملتها سبع، تتكرر بغير حساب.. وهذه السبع سميت بالصفات النفسية، وهي: الحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام.. هذه صفاته، تبارك، وتعالى، وهي، في نفس الوقت، صفات عباده.. فإنه قد خلقهم على صورته.. بيد أن صفاته، تبارك، وتعالى، في مطلق الكمال، وصفات عباده في طرف النقص.. ثم هو أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأوجب الواجبات، ليسير عباده إليه ليلاقوه.. ولقد أسلفنا القول بأن السير إلى الله ليس بقطع المسافات وإنما هو بتقريب الصفات من الصفات – تقريب صفات العبد التي هي في طرف النقص، إلى صفات الرب، التي هي في مطلق الكمال – وإنما جاء القرآن ليعرّف بهذه الصفات الإلهية حتى تدركها العقول، وليختط السير الذي به يتم تأديب العقول، حتى تزيد إدراكا، كل حين، لأفعال الله، وصفاته، وأسمائه، وحتى تقوى على السير في محاكاتها، كل حين.. وإلى ذلك الإشارة بقوله: (وقل رب زدني علما)..
وعن تنزلات القرآن هذه قال تعالى: (وقرآنا فرقناه، لتقرأه على الناس على مكث، ونزلناه تنزيلا).. فالقرآن في مقام الجمع، والفرقان في مقام الفرق.. وقوله (فرقناه) تعني: فرقناه من بعد جمعية، فعددنا وجوهه.. وتعني أنزلناه منجما، ومفرقا.. وقوله: (ونزلناه تنزيلا).. يعني تنزيلا من بعد تنزيل، في مراتب التنزلات السبع، التي سلفت الإشارة إليها..
وهذه التنزلات إنما هي تنزلات الذات، من صرافتها إلى مراتب الصفات.. وهذه الصفات أعلاها صفة الحياة، وأدناها صفة الكلام، وهي مرتّبة على هذا النحو: الله حي، وعالم، ومريد، وقادر، وسميع، وبصير، ومتكلم.. وهو في ذلك حي بذاته، وعالم بذاته، ومريد بذاته، وقادر بذاته، وسميع بذاته، وبصير بذاته، ومتكلم بذاته، لا يقع منه شئ من هذه الصفات بجارحة على نحو ما يقع منا نحن.. فهو تعالى، لا يتكلم بلسان، ولا يبصر بعين، ولا يسمع بأذن، وإنما يتكلم بذاته، ويبصر بذاته، ويسمع بذاته.. والقرآن العربي الذي هو بين دفتي المصحف الآن هو كلامه تعالى.. قال تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه.. ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)..
ولكن يجب أن يكون واضحا فإن هذا القرآن العربي ليس له معنى واحد، هو ما تعطيه اللفظة العربية، وإنما معانيه لا تحصى، ولا تستنفد.. ولكل حرف منه معنى، من حيث صفة الحياة، ومن حيث صفة العلم، ومن حيث صفة الإرادة، ومن حيث صفة القدرة، ومن حيث صفة السمع، ومن حيث صفة البصر، ومن حيث صفة الكلام.. كل أولئك في آن معا.. وهذا معنى القول بأن الله لا يتكلم بجارحة، وإنما يتكلم بذاته.. والذات موصوفة بجميع هذه الصفات، وفي آن معا.. والصفة قديمة قدم الذات، وكل صفة، إنما هي قائمة بالذات، وهي، عند التناهي، ليست شيئا غير الذات.. والتناهي المقصود هنا، ليس تناهي المكان، ولا تناهي الزمان وإنما تناهي العقول في العرفان..
والذات إنما تنزلت لنفهم عنها، وهذه العلة في التنزل هي نفسها العلة في كلام الله باللغة العربية.. وفي جعل القرآن عربيا.. قال تعالى في ذلك: (حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم).. فعلة جعله قرآنا عربيا إذن هي: (لعلكم تعقلون).. وأما حقيقته، فإنما هي فوق اللغة العربية: (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم).. و(لدينا) هنا، كما أسلفنا، ليست ظرف زمان، ولا ظرف مكان، وإنما هي للتناهي، حيث ينعدم الزمان، والمكان، وذلك حيث الذات بلا كيفية نعلمها – حيث لا حيث – وللقرآن، في كل منزلة، من منازل الذات السبع، معنى يختلف اختلاف مقدار عن سابقه.. ونحن لا نعرف إلا طرفا حتى مما يعطيه ظاهر اللفظ.. وهذا هو ظاهر القرآن، وهو منطقة الشريعة الظاهرة.. ثم تدق معاني القرآن صعدا، من مستوى ما يحوي اللفظ من معان، إلى مستوى ما يعطي اللفظ من إشارة.. (الإشارة التي هي في صور الكلمات)، إلى مستوى ما تعطي الإشارة، (الإشارة التي هي في صور الحروف)، إلى مستوى ما تنقطع العبارة، والإشارة.. وهذا هو السر في أن القرآن افتتح تسعا وعشرين سورة من سوره بأحرف الهجاء.. وما من مفسر للقرآن يحق له، كمفسر، أن يتحدث عن تفسير الحروف، لسبب واحد بسيط هو أن معانيها، خارجة عن مستوى التفسير، وداخلة في منطقة التأويل.. هي قمة هرم المعاني، في حين تكون الكلمات قاعدة هذا الهرم.. ولذلك فإن المفسرين لم يسعهم، عند الكلام عن الحروف، إلا أن يقولوا: (الله أعلم بمراده).. يعني (ولا يعلم تأويله إلا الله).. ومن خاض في تفسيره، في معنى الحروف، من المفسرين، لم يأت بشئ يحسن السكوت عليه.. ولولا أن المقام هنا لا يتسع لتحدثنا عن الحروف حديثا مفصلا، ولكننا إنما قصدنا بالحديث في هذا الكتاب عن التأويل أن نفي بوعدنا الذي قطعناه لقرائنا، حين قلنا في مجلة الأضواء: إن الإنسانية اليوم لا تحتاج إلى تفسير القرآن، وإنما تحتاج إلى تأويله.. وفي النية إخراج كتيب عن القرآن بين التفسير والتأويل، وستكون الفرصة يومئذ مواتية للحديث المفصل في ذلك، إن شاء الله..

التأويل


قلنا في صدر حديثنا هذا: (للقرآن تفسير، وله تأويل.. وبين التفسير والتأويل اختلاف مقدار لا اختلاف نوع.. فالتفسير قاعدة هرم المعاني، والتأويل قمته.. وتتفاوت المعاني، بين القاعدة والقمة، من صور الكثافة، إلى صور اللطافة.. فلكأن التأويل هو الطرف اللطيف من التفسير).. هذا ما قلناه في صدر هذا الحديث، ونقول الآن بعد أن عددّنا مراتب تنزلات الذات، وهي عينها تنزلات القرآن أن التفسير يتناول القرآن فيما تعطي ظواهر الكلمات العربية.. وهذا حظ مشترك، أو يكاد يكون مشتركا بين العارفين.. ثم تتفاوت حظوظ العارفين من القرآن في التنزلات، من منزلة صفة الكلام، إلى منزلة صفة الحياة.. والصورة العامة لهذا التفاوت ما حكته الآية: (وفوق كل ذي علم عليم)، إلى أن ينتهي العلم إلى (علام الغيوب) في معنى الآية: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب، إلا الله).. والتفاوت بين حظوظ العارفين من القرآن، إنما مجاله التأويل، وليس مجاله التفسير، على الإطلاق.. وكلما تسامت المعاني نحو القمة، كلما قل عدد العارفين، وكلما قصر تطاول المتطاولين.. ثم يسيرون في الندرة حتى ينقطعوا.. فإن المجال مجال سير، وترق غير متناه.. والغاية عند الله، حيث لا عند.. وذلك مضمار السير السرمدي، والترقي السرمدي، في الآن، وفي الأبد، وفيما بعد الأبد، من السرمد الذي يخرج عن الزمان، أو يكاد إلى من لا يحويه الزمان، ولا المكان..
وعندما يتناهى القرآن إلى الذات، لا يعرفه عارف، ولن يعرفه.. وما يعرفه ههنا غير الله، لأنه (لا يعرف الله إلا الله) أو، على غرار الآية السالفة،: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب، إلا الله) وهذا هو مستوى التأويل، الذي لا يعلمه إلا الله، ويؤمن به الراسخون في العلم.. ولقد أشرنا إلى خطأ أصحاب التفسير، حين ظنوا أن التأويل، من حيث هو، لا يعلمه إلا الله، وما ينبغي أن يخوض فيه العارفون.. ومثل هذا الخطأ، قد أنّى له أن يُصحح، لينفتح باب التأويل أمام العباد المجودين، فإن فيه حقائق القرآن.. والتأويل ليس هواجس نفس كثيرة الخطرات، وإنما هو واردات عقل تأدب بأدب الشريعة، ثم بأدب الحقيقة، حتى باشر حق اليقين.. والتفسير مشمول في التأويل، بمعنى أن كل تأويل يجب ألا يتجافى مع ظاهر النص، وكل ما هناك أن الكلمات تنتقل إلى دقيق المعاني، ولطيفها، بدل غليظها، وكثيفها..
وإنما في مضمار التأويل، وفي أدنى منازله من التفسير، تجيء معرفة الحكمة، وراء النصوص، لأن النصوص، إنما هي وسيلة إلى غاية، وليست هي غاية في ذاتها.. وعلى النصوص تقوم قوانين التعامل، وتقوم قواعد الأخلاق.. والدين كله أخلاق، حتى لقد قال المعصوم: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).. وقال: (حسن الخلق خلق الله الأعظم).. وما القرآن إلا كتاب أخلاق.. والكلمة: (لا إله إلا الله) التي هي خير ما جاء به القرآن، إنما هي مطالبة بالتخلق بتوحيد القوى المودعة في البنية البشرية – العقل، والقلب، والجسد – ولقد قلنا مرارا أن التوحيد صفة الموحِد (بكسر الحاء)، وليس هو صفة الموحَد، وسيجيء ذكر ذلك عند الحديث في هذا الكتاب عن (لا إله إلا الله).
والقانون والأخلاق شيء واحد فليس الاختلاف بين القانون والأخلاق اختلاف نوع، وإنما هو اختلاف مقدار.. فالقانون قاعدة الأخلاق.. والقانون يتطور من قاعدة كثيفة نحو قمة لطيفة، هذه القمة هي الأخلاق.. وكل قانون لا يتطور فهو ميت.. وكل قانون، حين يتطور، إنما يتطور باستلهام قضايا كانت قبلا في منطقة الأخلاق ليجعلها ضمن قواعده هو، وهذا العمل لا يتم إلا حين نعرف نحن دقائق معاني النصوص، ونعرف تأويل الظاهر.. وأصل التأويل هو تفسير ما يؤول إليه الشيء، أي ما يرجع إليه الشيء.. وقول الله تعالى: (وأوفوا الكيل، إذا كلتم، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ذلك خير، وأحسن تأويلا) يعني أحسن عاقبة، ومآلا، ومرجعا.. ولما كانت عاقبة الأمور جميعها إلى الله، أصبح التأويل هو معرفة الله في تنزلاته في مراتب القرب من العباد ليعرفوه، حتى إذا انتهى الأمر في عروجه إلى الذات انبهمت السبل، وظهر العجز، ووقعت الحيرة، وجاء معنى قوله تعالى: (ولا يعلم تأويله إلا الله)..
وبمعرفتنا للتأويل نطور القاعدة، وهي الشريعة، ونطور القمة، وهي الأخلاق، ويرتقي بذلك مستوى الجماعة، ويرتقي مستوى الأفراد.. والسير إنما هو سير من المحدود إلى الإطلاق.. وليس في مثل هذا السير مجال للتوقف عن الترقي في الأطوار.. والقاعدة المثلى هي قوله، تبارك، وتعالى، عن نفسه (كل يوم هو في شأن).. وهذه في حق العبد أن يكون في كل لحظة جديدة، جديدا في فكره، جديدا في شعوره..

الأصول والفروع


ومن معرفة التأويل تجيء معرفة أصول القرآن، وفروعه، من الآيات المكية، والآيات المدنية، وكيف أن آيات الأصول هي المقصودة بالأصالة، وآيات الفروع هي المقصودة بالحوالة.. ومعنى هذا أن الناس، لما لم يستطيعوا التكليف في مستوى الأصول نزل بهم إلى مستوى ما يستطيعون، فكانت آيات الفروع.. وآيات الأصول هي الآيات المكية، وآيات الفروع هي الآيات المدنية.. ولقد اعتبرت آيات الأصول يومئذ منسوخة.. واعتبرت آيات الفروع صاحبة الوقت.. وما نسخ آيات الأصول، يومئذ، إلا إرجاء لها ليوم يجيء فيه وقتها، وذلك حين تستعد البشرية لتطبيقها.. ولقد تحدثنا عن كل أولئك بتفصيل واف في كتابنا (الرسالة الثانية من الإسلام).. فليراجع في موضعه.. فإن فيه يظهر ما أردناه، حين قلنا في مجلة الأضواء في الرد على سؤالها عن مؤهلات الدكتور مصطفى محمود، إن البشرية اليوم لا تحتاج إلى تفسير جديد للقرآن، وإنما تحتاج إلى التأويل.. هذا ولنا إلى (القرآن بين التفسير والتأويل) عودة إن شاء الله، كما وعدنا آنفا..