إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

تعلموا كيف تصلون

البــاب الثــاني


هذا هو الباب الثاني من كتاب: (تعلموا كيف تصلون)، وقد حاولنا في الباب الأول، أن نبين وظيفة الصلاة.. ونحن نحاول، في هذا الباب، أن نبين كيفيتها، لكي تؤدي وظيفتها.. ولا بد، في مستهل هذا الباب، من تكرار عبارة شديدة الأهمية، وهي أن الصلاة أهم عمل العبد.. فإذا كانت أهم العبادات (اللفظية) هي: "لا إله إلا الله"، فإن أهم العبادات (العملية) هي الصلاة.. و((لا إله إلا الله)) و((الصلاة)) متلازمتان لا ينفكان عن بعضهما.. ومن ههنا جاء القرن بينهما في القرآن: ((إليه يصعد الكلم الطيب.. والعمل الصالح يرفعه)).. ولنفاسة الصلاة، فإنها لم تتم، وهي لن تتم لأحد.. وما زهد الزاهدون في الدنيا إلا ليستقيم لهم فراغ البال الذي به تتم الصلاة.. وقد جعل الله الصلاة وسيلة خيري الدنيا، والآخرة.. قال تعالى ((وأمر أهلك بالصلاة، واصطبر عليها.. لا نسألك رزقاً.. نحن نرزقك.. والعاقبة للتقوى..)) و(التقوى) هنا (الصلاة).. ومن أجل هذه المكانة السامية التي تحتلها الصلاة في اجتلاب خيري الدنيا، والآخرة، كان النبي يفزع إليها، كلما حزبه أمر.. وكان يقول: "حبب إلي من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب.. وجعلت قرة عيني في الصلاة.. ".. (وقرة عينه) تعني رضا نفسه، وراحة باله، واطمئنان قلبه.. ولعزة الصلاة، ولصعوبة تمامها، وظف العارفون كل حياتهم في سبيلها.. وكما قلنا، فإنهم إنما من أجلها زهدوا في طيبات الدنيا.. ذلك بأن الزهد ليس بغاية في ذاته، وإنما هو وسيلة لفراغ البال، من الجولان في كثرة تدبير حاجات الحياة، مما يوزع قلب المصلي عن صلاته، ثم إنهم قد علموا أن الحضور في الصلاة إنما يكون قبل الدخول فيها.. وإنما من أجل هذه الحقيقة شرعت الطهارة الحسية بالماء، أو بالصعيد قبلها، وجعلت طرفاً فيها..

صل فإنك الآن لا تصلي


فإذا علمت من (الباب الأول) من هذا (الكتاب) ما عظّم أمر الصلاة في صدرك فاقبل على صلاتك بروح جديدة.. واعلم أنك لم تكن تصلي، فيما مضى.. هذا حديث يساق لكل مسلم، في يومنا الحاضر، مهما كان حظه من المجاهدة، والتدين ـ ((صل فإنك لم تكن تصلي)) - وأول ما تبدأ به عهدك الجديد: ((التوبة النصوح)).. وللتوبة النصوح ثلاثة أركان: الإقلاع الفوري عن الذنب، والندم على ما مضى من التقصير، والإصرار على عدم العودة إلى تقصير الماضي، مهما يكن الأمر.. ولتوكيد تخليفك الماضي وراء ظهرك، اغتسل غسل الجنابة، كأنك قد دخلت الإسلام لتوك.. وللغسل آداب: أهمها ذكر (اسم الله)، والحضور معه، والاستتار.. فإننا، حين نستر عورتنا عن الناس بالملابس، إنما نسترها عن الجن بذكر (اسم الله).. ولتكون حاضراً، وقد تعريت عن ملابسك، في مكان مستور، يستحسن أن تردد كلمات، علمها السري السقطي لابن أخته، وتلميذه، أبي القاسم الجنيد، وهو لم يزل، يومئذ، يافعاً.. فإنه قد قال له: ((حين تبدل ملابسك، أو حين تخلعها للحمام قل: الله معي.. الله ناظرٌ إلى.. الله شاهد..)) ولقد ذكر أبو القاسم الجنيد، فيما بعد، وهو زعيم الطائفة الصوفية: إنه ما انتفع بشيء ما انتفع بهذه الكلمات.. فرددها أنت، حين تخلع ملابسك للغسل.. ثم ابدأ بغسل يديك ــــ أعني كفيك ــــ من غير أن تدخلهما في الإناء، وذلك بإصغاء الإناء حتى ينصب فيهما الماء.. اغسلهما ثلاثاً، ثم أدخل يمينك في الإناء، وصب الماء على فرجك، واغسله بشمالك جيداً.. ثم توضأ وضوءك للصلاة، غير أنك لا تصل إلى رجليك.. خذ الماء وأدخل أصابعك في أصول الشعر، في رأسك، وفي لحيتك.. حتى إذا رأيت أن الجلد، تحت الشعر، قد ابتل، أفض على رأسك ثلاث حفنات من الماء.. ثم أفض الماء على سائر جسدك، مع الدلك السريع، مبتدئاً بالميامن.. ثم أغسل رجليك، مع تخليل الأصابع، كما تفعل في الوضوء.. ومن آداب الغسل عدم الإسراف في الماء.. ومن آدابه، التي يجب أن تراعى دائماً، أنك لا تشرع فيه إلا بعد أن تكون قد ذهبت إلى بيت الخلاء لتستبرئ من الفضلات.. فإذا ما اغتسلت هذه الغسلة، بنية تصحيح التوبة، حتى لكأنك قد دخلت الإسلام من جديد، فأقبل على الله بثقة من يعلم أن الإسلام يجب ما قبله.. ثم لا تعد إلى التقصير أبداً..