إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أدب السالك في طريق محمد

خاتمــة


لقد حاولنا في هذا الكتاب إعطاء صورة عامة عن الأدب، عن أهميته، وعن قيمته، وعن الأساليب المعينة على تحقيقه.. فالأدب هو روح العمل الديني فإذا خرج عن العمل فقد العمل قيمته، وأصبح عملا باطلا لا جدوى منه، هذا إذا لم يؤد إلى نتيجة عكسية فيبعد صاحبه عن الدين، وعن قيمـه.. ونحن قد تحدثنا في الكتاب عن الأدب في قمته، الأدب مع الله، أدب العبودية، وبينّا أن الأدب في هذا المستوى هو خلاصة العمل الديني، وهو السبيل لتحقيق الكمالات الإنسانية.. وقد تحدثنا عن أدب القرآن، أدب شريعته وأدب حقيقته.. وركزنا بصورة خاصة على الأدب مع النبي، فتحدثنا عن مكانة النبي الكريم وعن مقاماته الثلاثة في الرسالة، والنبوة، والولاية.. وتحدثنا عن قيمة النبي لنا، وفضله علينا، وكان همنا من إيراد كل ذلك توكيد ضرورة محبة النبي وتقديسه وتوقيره، والأدب معه.. وقد بينا كيف أن عدم الأدب مع النبي يذهب الإيمان، ويحبط العمل.. واقترحنا بعض الوسائل، والحيل، المعينة على محبة النبي، وعلى حسن الأدب معه.. ثم ختمنا حديثنا بتناول موضوع أدب العبادة، وأدب المعاملة، في المستويات الثلاثة.. مستوى الشريعة، ومستوى الطريقة، ومستوى الحقيقة.
وخلاصة ما نرمي إليه من كل ذلك، أن نؤكد قيمة الأدب، وأهميته لبعث الدين، حتى يعود للعمل الديني أثره، وفعاليته، في تغيير النفوس، وإعادة التربية، وتعميق القيم الخلقية.. فالناس اليوم قد نصل الدين عن حياتهم، وفارقوا العمل.. وحتى الذين يعملون منهم، ليس لهذا العمل أثر على تربيتهم، وتهذيب أخلاقهم، وذلك لأنه عمل بلا روح، بلا أدب ولا حضور.. ولن يعود الناس للدين إلا إذا عادوا للعمل، بدل التحصيل النظري، وإلا إذا عادت للعمل روحه، في التزام الأدب.. فالناس اليوم لم يبعدوا عن أدب الدين فحسب، بل إن بعضهم، ممن يتسمون بالدين، ويتظاهرون بمظهر الدعوة إليه، أخذوا يجاهرون بالتقليل من قدر النبي، والجرأة على جنابه، بصورة محزنة، تبعث على الانقباض، وتدل على فساد في العقيدة خطير.. وعلى رأس هؤلاء جماعة الوهابية، الذين أخذوا ينتشرون في بلادنا، بما يجدونه من دعم مادي لدعوتهم.. فهؤلاء قد بلغت بهم الجرأة على النبي، وعدم الأدب معه، حد الدعوة صراحة إلى هدم قبة النبي الكريم، واعتبروا ذلك من أكبر القربات إلى الله!! فهؤلاء ليسوا من الدين في شيء، وهم لن يجنوا من عملهم هذا سوى خراب النفوس، والغلظة والجفاء، وهذا أمر واضح عليهم الآن.. فعدم الأدب مع النبي، كما بيّنا، هو الخسران الذي ما بعده خسران.. وقد لحق بالوهابية، في موقفهم من النبي، مؤخرا، الصادق المهدى، وحسن الترابي، وكلاهما يزعم أنه داعية إسلامي!! وقد بيّنا موقفهما في كتابنا: (هذا هو الصادق المهدى) ويمكن مراجعته..
ونحن في نهاية هذه الخاتمة ولتكتمل الصورة عن موضوع الأدب وقيمته وأهميته نحب أن نحيل القراء الكرام إلى كتابنا: (طريق محمد).. وكتابنا: (تعلموا كيف تصلون).. وإلى جانب كل ذلك لابد من إدمان الاطلاع على الشمائل النبوية، وفوق كل ذلك لا بد من العمل، ولا بد من الأدب في العمل..
هدانا الله، وأنعم علينا بنعمة الأدب معه، ومع نبيه الكريم، وأعاننا بمدد من عنده..