إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هذا.. أو الطوفان

بسم الله الرحمن الرحيم
(لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ، الَّذِي بَنَوْا، رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ، إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
صدق الله العظيم..

حلّت بنا غرة سبتمبر 1985 وهي تحمل الى شعبنا العظيم: بشائر البحث الجاد عن فلسفة الحكم الصالح، ونحن، بحمد الله، شعب غني بأصالته، غني بإمكانياته المذهلة، ولا تنقصنا الاّ فلسفة الحكم الصالح – المذهبية الرشيدة – التي تصهر كل ذلك في نموذج إنساني رائد يتمتّع بالرخاء وبالحرية معا..
وإنه لأمر جد مفرح أن تنادى القادة من جنوب الوطن، ومن شماله، ومن كل جهاته، ليجلسوا على مائدة البحث عن فلسفة للحكم تضمن وتكفل حقوق المواطن الأساسية، وتمحو كل صور التفريق بين المواطنين، وتزيل وإلى الأبد كل ألوان التمييز بسبب العرق أو الدين، أو الجنس (من رجل وامرأة).. بل هي فلسفة تستثمر الاختلافات اللغوية والثقافية والعرقية لإخصاب القومية السودانية التي يوم تفتر عن أصالتها العميقة ستقدم حتما إضافة جديدة وأساسية للحضارة الإنسانية.. نعم يجرى البحث لفلسفة الحكم التي ستمكّن الشعب وهو وحده صاحب السيادة من ممارسة حريته في كل بيئاته وسائر مستوياته وذلك بتسليم السلطة للشعب في تبسيط يبدأ من حكومة القرية، فالمدينة، فالمقاطعة، فالولاية، وبإقامة محاكم العدل الدستورية التي سيحتكم اليها المواطنون ضد تصرفات أجهزة السلطة المضرّة بحرياتهم وضد أي تشريع يخالف الدستور.. وجوهر الدستور هو التوفيق بين حق الفرد في الحرية الفردية المطلقة وحق الجماعة في العدالة الاجتماعية الشاملة التي تعني في الأساس المساويات الثلاث: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية.. وبغير هذا لن نؤمن مسيرة الديمقراطية التي هي أكبر انجازات شعبنا في ثورتيه العظيمتين في أكتوبر، وفي مارس – ابريل.. وحتى لا يتكرّر الفشل، ويتكرّر عجز أحزابنا عن حكمنا بالأساليب الديمقراطية حكما صالحا مما مهد للدكتاتوريات العسكرية مرتين، يجب أن يكون وزن الشعب للأحزاب ميزان – فلسفة الحكم الصالح هذه، فبقدر عطائها، وبقدر التزامها بها يكون وزنها ودورها في مستقبل السودان، والاّ فان فاقد الشيء لا يعطيه!!
إننا نحن الجمهوريين، منذ أربعين سنة، كنا نحدّث الحركة الوطنية عن ضرورة فلسفة الحكم وذلك لأننا نعلم أن الذكاء البشري والمجهود البشري الواعي يمكن أن يختصر الزمن ويقلّل الأخطاء والضحايا ويطلق طاقات الناس ويفجّر ينابيع وكنوز أرضنا الطيبة. والآن فإن شعبنا إذا وضع أقدامه على طريق فلسفة الحكم الصالح وأصبح هناك خط مرسوم لاطراد خطواتنا الى غاياتنا الإنسانية العليا فإن ما قدمناه من ضحايا، وما عانيناه من شقاء على ألمه ليس هو أكثر من ثمن فلسفة الحكم الرشيدة والوعي بها وبضرورتها..