إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

قل هـذه سبيلى

التعليم


1- التعليم تحرير المواهب الطبيعية: العقل والقلب من أسر الأوهام ، فإن بصفاء الذهن وسلامة القلب تتحقق حياة الفكر وحياة الشعور وهي وحدها الحياة الكاملة السعيدة.
2- مع أن أغراض التعليم في سبحاتها العليا واحدة ، إلاّ أنا نستطيع بالنسبة لنتائجه المباشرة أن نقسمه الي ضربين: ضرب يراد به الي تحرير المواهب الطبيعية كما أسلفنا آنفا ، وضرب يراد به الي إكساب الخبرة الفنية كالمقدرة علي الإدارة الرشيدة والمعرفة بأساليب تنظيم الإنتاج والاستهلاك والحذق بطرق استغلال موارد الثروة باختراع الآلات أو بإستعمالها وبترقية العلوم الطبيعية والتجريبية وبمتابعة الاختراع والاستكشاف والمعرفة بالطب والفلك والرياضة والهندسة أو التشريع والقضاء أو التمريض الي آخر ما هنالك من منادح التعليم المهني وهذا الضرب من التعليم ضروري لزيادة الثروة القومية ولتحقيق الرفاهية للأفراد وهو التعليم الرسمي والمسئولة عنه الحكومة المركزية التي يجب أن تخضع اعتباراته لحاجة الجماعة ، ومن ثم يقع التمييز فيه بين الرجال والنساء، لا بل ويقع التمييز فيه بين الرجال والرجال. فليس كل رجل صالحا أن يكون طبيبا ، ومحاولة خلق الطبيب من الموسيقار إهدار لمصلحة المجموعة ، وإنما تصان مصلحة المجموعة بتشجيع الموهبة الطبيعية وتثقيفها في كل مطبوع ، مع مراعاة تنويع الإنتاج وتوازنه وفق مطالب الخدمة العامة.
3- التعليم الذي يراد به الي تحرير المواهب الطبيعية محصوله مكارم الأخلاق وهو التعليم المقصود بالذات لأنه الوسيلة الوحيدة المفضية عن قرب قريب الي الحرية من الخوف التي بها وحدها يتمكن كل إنسان من تحقيق إنسانيته وفي تحصيله يستوي الرجال والنساء وتقع المسئولية عنه علي عاتق كل رجل بمفرده ، وكل إمرأة بمفردها ، ولا يعدو واجب الحكومة فيه تنظيم الحياة الخارجية علي شكل يمكن الفرد من رجل وإمرأة من أن يجد فيه أقل عدد ممكن من الصعاب و أكبر قدر ممكن من التشجيع في سبيل جهوده ولا يعدو واجب الجماعة فيه خلق رأي سمح لا يضيق بأنماط الشخصيات المتباينة ولا يحارب مناهج الفكر المتحرر.
4- الخوف أول معلم عرفه الإنسان علي هذا الكوكب وهو من ثم قد تمكن من سويداوات القلوب تمكينا. ومع أن الي الخوف يرجع الفضل في ترقي الحياة الإنسانية سمتا فوق سمت الي مرتبتها الحاضرة فإنه لا يتسني للإنسانية أن تبلغ الكمال المقدور لها الا إذا تحررت منه تحريرا وقد أني لها أن تفعل وسبيلها الي ذلك التحرير حل الخلاف البادي بين الذات الإنسانية وبين العالم الواقعي المكون من الحقائق والمظاهر التي تسمي بالطبيعة ذلك بأن الإنسان بكل ما في نفسه من التركيب الآلي الضعيف وبكل رغباته ، ومخاوفه ، وشكوكه التفكيرية يري نفسه أمام عالم طبيعي امتزجت رحمته وقسوته ، وخطره وامنه علي أسلوب كأنه في ظاهره يعمل علي أسس تناقض بناء التفكير البشري فإلي أن يعيد الإنسان الوحدة والانسجام بينه وبين هذه القوي المادية الصماء التي تحيط به لا يمكنه أن ينتصر علي الخوف البتة. وهو لكي يعيد الوحدة والإنسجام بينه وبين الطبيعة لا بد له من أمرين إثنين أولهما معرفة حقيقة القانون الذي تسير عليه هذه الطبيعة وثانيهما العمل علي السير بحياته سيرا مصاقبا لذلك القانون لا معارضا له: أما القانون الذي تسير عليه الطبيعة فقد حكاه القرآن وروحه أن ليس في العوالم جميعها علويها وسفليها كائن إلاّ الله وكل ما عداه مستمر التكوين لا يستقر له قرار ولا يقيم علي حال وهو في تقلبه من صورة الي صورة وفي تطوره من حال الي حال خاضع كل الخضوع لإرادة حكيمة لا مكان فيها للمصادفة وإنما تاتي كل ما تأتي بقدر مقدور وحساب دقيق فإذا ما أراد الإنسان أن يسير بحياته سيرا مصاقبا لهذا القانون لا معارضا له وجب عليه أن يتمرن بطريقة منظمة علي أن يحيا دائما في حال من الوعي الداخلي واليقظة وضبط النفس ، فلا يأتي أعماله صغيرها وكبيرها إلاّ بروية وتقدير حتي تقلّ بذلك الأعمال التي يأتيها بحكم العادة وعفو الساعة وكلما قلت أعمال العادة كلما زادت أعمال الروية ، وكلما ازدادت أعمال الروية كلما أشرق الذهن وتنبهت المشاعر وأرهف الحس وأتسعت الحياة ، وإذا إتسعت الحياة فقد علمت الخير وإرادته وقدرت عليه. والحياة القادرة هي الحياة الكاملة السعيدة التي ننشدها جميعا.
5- ولكن كيف يُمرّن الإنسان نفسه بطريقة منظمة علي أن يحيا دائما في حالة من الوعي الداخلي واليقظة وضبط النفس؟؟ الجواب قريب:
بان يقلد محمدا فى منهاج حياته تقليدا واعيا مع الثقة التامة بانه قد أسلم نفسه الى إرادة هادية تجعل حياته مطابقة لروح القرآن وشخصيته متاثرة بشخصية أعظم رجل وتعيد وحدة الفكر والعمل فى وجوده ووعيه كليهما ، وتخلق من ذاته المادية وذاته الروحية كلا واحدا متسقا قادرا على التوفيق والتوحيد بين المظاهر المختلفة فى الحياة : أمّا توحيد الذات المادية والذات الروحية فى كل واحد مؤتلف فهو الكسب العملى من عقيدة التوحيد التى هى القاعدة الاساسية من قواعد الإسلام ومعناه مطابقة السيرة للسريرة وموافقة العقل الظاهر للعقل الباطن وصدق الإنسان مع نفسه صدقا ينتفى معه الكذب والنفاق والرياء ويتحد فيه الفكر والقول والعمل فيفكر الناس كما يريدون ويقول الناس كما يفكرون ويعمل الناس كما يقولون وهذا هو مطلب القرآن الى الناس حين قال جل من قائل "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون ؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون" وتوحيد السيرة والسريرة لدى الفرد هو تحقيق فرديته التى ينماز بها عن سائر أفراد القطيع وقد سلف القول بذلك.
6- ليقرا الناس القرآن وليتدبر الناس القرآن وليتخلق الناس بأخلاق القرآن فان فيه خلق الله الأعظم.