إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أسس دستور السودان

الفصل الخامس
الحكومة المركزية


أول واجبات الحكومة المركزية نحو الولايات، أن تكون بمثابة الرأس الذي يدير الأعضاء، فعليها يقع واجب إعانة الولايات لتتأهل لممارسة الحكم الذاتي الكامل بكل الوسائل السريعة الممكنة، وعليها أن تكون مستعدة لتتخلى لكل ولاية عن سلطات الحكم الذاتي بالقدر الذي تأهلت له، على أن يكون ديدنها دائما أن تضع الناس أمام مشاكلهم، وتعطيهم فرصة التجربة، وتعينهم عند الحاجة، حتى يقوى ساعدهم على مباشرة سلطاتهم كلها. ثم أن عليها أن تربط بين الولايات في إتحاد مركزي يقوى كل حين، بالعوامل الاختيارية من جانب كل ولاية، وعليها إلا تتدخل في شئون الولايات الداخلية إلا لدى الضرورة، وبأقل قدر ممكن، حتى تتيح للمواطنين أن ينجزوا كل ما يحتاجونه بأنفسهم لأنفسهم، وستكون اعانة الحكومة المركزية لهم عند الاقتضاء في مجالي الخبرة الفنية والادارية، والاعانة المالية، ثم أنه على الحكومة المركزية واجب اعانة الولايات، بشكل خاص على استقرار الأمن، واستتباب النظام، واقامة العدل، حتى يتحقق للأفراد الجو الحر الذي يرمي إليه الدستور المركزي، كما عليها واجب حماية الولايات فيما بينها، وواجب الدفاع الوطني بالجيش السوداني، الذي يخضع لها وحدها وتنبث معسكراته في النقط الاستراتيجية في جميع البلاد، كما يستمد جنوده من سائر المواطنين، ويقع واجب الدفاع الوطني على السلطتين المركزيتين: التشريعية، والتنفيذية، اذ أن البرلمان وحده هو الذي يعلن حالة الحرب، وينفق على الجيش، ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش.
وعلى البرلمان المركزي العمل على الرخاء العام للبلاد جميعها، حتى تتم ترقية الولايات ترقية متناسقة، ومتناسبة، ومطردة، كما على الحكومة المركزية واجب ضرب العملة وحراستها، وإقامة العلاقات الخارجية، التجارية والسياسية والمالية.. ومصدر سلطات الحكومة المركزية الدستور المركزي، الذي سينص على تخويلها كل السلطات غير المنصوص عليها في دستور كل ولاية على حدة، على سبيل الحصر، على أن تنقص هذه السلطات كلما تطورت الولايات، واستلمت حكوماتها مزيدا من سلطات حكمها الذاتي المستودعة مؤقتا عند الحكومة المركزية، وهكذا دواليك، حتى يجيء اليوم الذي ينص فيه الدستور المركزي على مدى سلطات الحكومة المركزية على سبيل الحصر، ويترك كل ما عدا ذلك للولايات. وهذه السلطات التي يعطيها الدستور المركزي للحكومة المركزية يضعها الشعب بحكم عملية الانتخاب في الموظفين الذين يباشرون، نيابة عنه، واجبات مراكزهم، وهو يستطيع أن يفصل أي موظف، بقطع النظر عن مركزه، بالاستدعاء أو الادانة، إذا ما ثبت عدم أهليته، أو سوء استعمال مركزه، أو اقترافه ذنبا يعوق صلاحيته لمنصبه، وسينظم الدستور وسائل استعمال هذا الحق.
وحين يحدد الدستور المركزي مدى سلطات الحكومة المركزية، فإنه أيضاً يشتمل على ضمانات الحقوق الشخصية الأساسية، والامتيازات الإنسانية التي لا يمكن أن تسقط بحال من الأحوال، وعلى رأس هذه الحقوق حق الفرد في السعي لتحصيل الحرية الفردية المطلقة، وما يقوم عليه هذا الحق الاساسي من حقوق فرعية تعتبر في ذاتها وسيلة لازمة إليه: كحرية العبادة، وحرية الفكر، وحرية الكلام، وحرية العمل الذي لا يخضع إلا لحدود القانون الدستوري، وهو القانون الذي يوفق توفيقا تاما بين حاجة الفرد، وحاجة الجماعة، ولا يضحي بأيهما في سبيل الأخرى، وكحرية الاجتماع، والصحافة، والتعبير برفع العرائض بالاحتجاج، والنقد، لجميع أعمال الحكومة، التي اشترط فيها من قبل توفر العلنية التامة، كما أن للفرد على الحكومة حق تحريره من الخوف، ومن الفقر، ومن الجهل، ومن المرض، ولكل فرد حق أن يكون غاية في ذاته، لا وسيلة إلى غاية سواه، وكل هذه الحقوق لا تخضع لقوة، غير قوة القانون. وللحكومة المركزية ثلاثة فروع أساسية يختط الدستور علاقاتها ببعضها البعض، ويبين واجباتها الخاصة وتبعاتها، وهذه الفروع الأصلية هي: السلطة التشريعية التي تضع القوانين وتجيزها، والسلطة التنفيذية التي تدير أعمال الحكومة حسب القوانين، والسلطة القضائية التي تطبق القوانين وتفض الخلافات، وهي سلطات منفصلة كل واحدة منها عن الأخرى، وكل منها ممثل للشعب في ناحية وهي في استقلالها عن طغيان احداها على الأخرى تتعاون وتتساند لتؤدي واجبا واحدا هو تحقيق سيادة الشعب بسيادة القانون.