إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الصلاة وسيلة وليست غاية

بسم الله الرحمن الرحيم
((أمَّن هو قانت آناء الليل، ساجدا، وقائما، يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربِّه؟؟ قل هل يستوي الذين يعلمون، والذين لا يعلمون؟؟ إنما يتذكر أولو الألباب!!))
صدق الله العظيم.


المُقدِّمة:



حال المسلمين اليوم


إذا كان للمسلمين صلاح وفلاح منتظر فإنهم لابد لهم من أن يتنبهوا إلى حقيقة وضعهم، فيدركوا أنهم بعيدين عن الاسلام، وبعيدين عن أخلاقه وعن علمه. وأن الاسلام لا يوجد اليوم إلا في المصحف. فإنهم إن انخدعوا عن هذه الحقيقة الواضحة سيستمرون في غفلتهم الحاضرة حتى يفوت الفوات ((وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)).. ويجب ألا يضللهم عن هذه الحقيقة، تطبيقهم السطحي لبعض الشعائر فيظنون أنهم يخير، وأنهم يعيشون دينهم.. والواضح أن تطبيقهم للشعائر الدينية أصبح عادة، ومناسبات اجتماعية، ومناسبات، اقتصادية، أحيانا.. وكلنا يعلم ما يدور في الحج والعمرة.

بصلاح الصلاة صلاح سائر الأعمال


أما الصلاة فالمسلمون أبعد ما يكونون عنها، ذلك لان الصلاة هي أهم وأشرف عمل العبد.. والصلاة هي قلب أعمالنا. ولو صلحت صلاتنا لصلحت سائر أعمالنا. وحين فسدت صلاتنا، فسدت بقية أعمالنا. ففساد حالنا، وأعمالنا الحاضر هو الدليل العملي على أننا لا نصلي. وأن زحمنا المساجد. وهذا حديث حق، نقوله صراحة، للمسلمين عامة، وبصورة خاصة للذين يعمّرون المساجد. ويرضون عن أنفسهم. نقول لهم: صلّوا، فإنكم الان لا تصلّون. ولا تغرّنكم هذه الحركات الآلية، التي تؤدونها، فإنها لا روح فيها.. إنها ((جثة بلا روح)) بدليل أن أخلاقكم ليست هي أخلاق المسلمين.. ولم يقل النبي الكريم ((الدين العبادة)) وإنما قال ((الدين المعاملة)) وفي المعاملة الحسنة، ((المعاملة الإنسانية)) العبادة موجودة، لأن ((الأخلاق الاسلامية)) انما هي ثمرة ((العبادة الاسلامية)). وقد تكون هناك عبادة بدون معاملة، وهذه انما تعتبر عبادة باطلة.. إن صلاة المسلمين اليوم، هي الصلاة التي قال عنها القرآن ((فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون)).. سمّاهم مصلين لأن هيئتهم هيئة الصلاة، وحركاتهم حركات الصلاة، وتوعدهم ((بالويل)) لأن ((صلاتهم بدون محتوى وبدون روح)) ((الذين هم يراءون)) ((ويمنعون الماعون)) أشار بالماعون هنا، إلى "القلوب". وهم يمنعون الماعون، لأنهم قد ملأوا القلوب بأصنام الدنيا ومطامعها، فلم يتركوا فيها مكانا لله ولذلك حين يكون المصلون في الصلاة، انما يكونون فيها بأجسادهم، وبواطنهم في الدنيا، وليست في المسجد.. ومن هذه الآيات جاء حديثان كريمان أحدهما، الوعيد فيه يقرب من وعيد الآية، وهو ((رب مصل لم تزده صلاته من الله إلا بعداً)) وهذا ينطبق على صلاة بعض المصلين من الناس اليوم.. وثانيهما هو ((رب مصلِّ لم يقم الصلاة)). وهذا ينطبق على صلاة سائر الناس في يومنا الحاضر.

ببعث الصلاة يبعث الاسلام


إن الاسلام قد مات في صدور الرجال والنساء، ويحتاج الى بعث. وقد حقَّت عليهم نذارة النبي ((يوشك ان تداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة على القصعة.. قالوا أو من قلة نحن، يومئذ، يا رسول الله؟؟ قال: بل أنتم يومئذ، كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بكم)). والغثاء هو ((الدفيس)) الذي يحمله السيل.. وأشار بقوله ((لا يبالي الله بكم)) إلى انكم لا وزن لكم كالغثاء. والناس لا يكون لهم وزن عند الله، عندما تكون قلوبهم خالية من ((لا إله إلا الله)) لأن حديث النبي يقول ((مثقال ذرة من ((لا إله إلا الله)) أثقل من جبل أحد)). ولن تعود ((لا إله إلا الله)) عاملة في قلوب الرجال والنساء كما كان العهد بها في مكة، إلّا إذا عادت الروح للصلاة فعلى بعث الصلاة يتوقف بعث الاسلام. وعلى بعث الاسلام يتوقف مصير العالم كله، مصير رخائه، وسلامه، وأمنه.. والدعوة التي يقوم بها الجمهوريون ويلاقون في سبيلها ما يلاقون، إنما هي من أجل بعث الصلاة. وقد أصدروا كتبهم العديدة في هذا الشأن. وهذا المنشور قد توخينا فيه البساطة ومخاطبة الانسان العادي بلغة الكلام. والإنسان السوداني هو كنزنا الحقيقي. وحين يرد معين الإسلام الصافي سيكون قدوة ونموذجاً للإنسانية الضاربة في التيه، وثقتنا في شعبنا وفى مستقبله ثقة قديمة، فقد قال الاستاذ محمود محمد طه في رده على السيد أحمد لطفي السيد سنة 1951 ((أنا زعيم بأن الاسلام هو قبلة العالم منذ اليوم.. وأن القرآن هو قانونه.. وأن السودان إذ يقدم ذلك القانون في صورته العملية المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الامن وحاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب، ولا يهولن أحداً هذا القول، لكون السودان جاهلاً، خاملاً، صغيراً، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصايل الطبايع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض بأسباب السماء)).. انتهى.