إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الصلاة وسيلة وليست غاية

وسائل الحضور في الصلاة


وما يعيننا على الفكر والحضور في الصلاة أن نعرف أن الحضور في الصلاة لا يكون ساعة الشروع في الصلاة، وانما يكون الحضور قبل ذلك. ولذلك طلبت الطهارة لتعدنا، وتهيئنا للصلاة. فاذا أردت أن تحضر في الصلاة يجب أن تحضر في الوضوء ويجب أن تحترم الوضوء وتعامله كما تعامل الصلاة. فهو يبطل بما تبطل به الصلاة. والنية في الوضوء متنقلة مع غسل الأعضاء. ولا يكفي أن تقول عند الشروع في الوضوء وأنت في غفلة ((نويت أن أتوضأ)) مثلاً، ثم تذهب في ثرثرة أو غفلة تجول في آفاق بعيدة وتتحرك أعضاؤك في الوضوء بحسب العادة، إذا كنت تريد الوضوء حقاً يجب أن تسير الطهارة المعنوية مع الطهارة الحسية متنقلة مع كل عضو. فعندما تغسل أى عضو من أعضاء الوضوء، تذكر الظلام الذي أدخله هذا العضو على القلب، لأن ابواب القلب على الخارج التي يدخل منها النور على القلب، إذا تصرفت تصرفاً حسناً أو يدخل عليه الظلام إذا تصرفت تصرفاً سيئاً هي هذه الجوارح التي ينصب عليها ماء الوضوء. وعندما تغسل يديك تذكر ما فعلت بهما قبل الوضوء، هل بطشت بهما ببرئ؟ هل أخذت بهما حقاً من حقوق الناس، أو من أعراضهم؟ هل قبضتهما عن نصرة مظلوم؟ أو هل قبضتها عن تقديم الخير لمحتاج؟ فإذا تذكرت شيئاً من الأخطاء فأندم وتب، واستغفر الله. واذا تذكرت حسنة فلا تنسبها لنفسك، وانسبها لله، إذ وفقك، وأشكره على ذلك، وافرح بالله لا بعملك.. واذا انتقلت إلى الفم، ففكر في الأسنان وما مضغت. هل كان حراماً أم حلالاً؟ وفكر في اللسان ترجمان القلب هل تحدث فيما لا يعنيه؟ هل اغتاب الناس؟ هل صمت عن قولة الحق وعن نصرة المظلوم وعن تلاوة القرآن؟ فاذا تذكرت شيئاً مما تكره فاستشعر الندم واعزم على التوبة، واستغفر الله. وافعل مثل ذلك عند الأذن، استرسالها في سماع الغيبة وفى سماع اللهو، وانقباضها عن سماع القرآن وقولة الحق. وكذلك العين هل نظرت إلى محرم؟ أو غمزت في عرض أحد؟ او لم تنظر في المصحف؟ وكذلك الأنف مظهر الأنفة والعزة، هل ترفعها على خلق الله تكبراً أو تضعه لله في التراب ذلاً وتعبداً؟ والرأس ماذا يحمل؟ هل علماً ينفعك وتعمل به، أم قشوراً تضرك ولا تنفعك؟ وإذا انتقلت إلى الرجلين تذكر هل مشيت بهما إلى المساجد وإلى مواطن العلم النافع والذكر؟ وهل تمشى بهما لقضاء حوائج الناس ولمواصلة الجيران؟ أم هل تمشى بهما نحو الفاحشة أو الحرام أو على أي عمل لا يرضى عنه الله. وكلما تذكرت عملاً لا يرضى الله فأكثر من الاستغفار وجدد العزم على التوبة. وإذا تذكرت حسنة فلا تعظم عملك ولا تنسبه لنفسك، بل اشكر الله عليه ان وفقك إليه بمحض فضله بدون استحقاق منك لذلك التوفيق.
وهذه المراجعة والمحاسبة تحدث أثناء وقت الوضوء العادي. والمتوضئ بهذه الصورة يطهر ظاهره بالماء ويطهر باطنه بالندم والتوبة. وعن مثل هذا الوضوء ورد حديث المعصوم ((من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظافره)). وبعد أن تطهر ظاهرك وباطنك بهذا الوضوء فأنهض لصلاتك ولا تفصل بين الصلاة وبين الوضوء بأمد يعيد إليك الغفلة. وأنت مقبل على صلاتك لتفتتحها بالتكبير تذكر ان النبي الكريم كان حين يكبر بالصلاة يكون الله هو الأكبر عنده فعلاً ويحضر معه وقال ((صلوا كما رأيتموني أصلى)) أولسنا نحن نكبر الله بألسنتنا ونغيب عن حضرته؟ ومما يعين على الحضور قراءة القرآن بفكر وتأمل وقراءة مفسرة حرفاً حرفاً نفكر في معاني الكلمات ونتدبرها ونتذكر أن القرآن كلام الله وأنه خطاب من الله للمصلى ليسمعه ويصغى إليه وينتبه ويفهم. وتستمر محاولة الحضور إلى أن نخرج من الصلاة بالسلام. والسلام لا يعنى الخروج من الحضرة إلى الغلفة كما يفعل الناس الآن، وانما يعني الخروج من حضرة الإحرام وهى الصلاة وادبها الحضور مع الله إلى حضرة السلام وأدبها عدم الاضرار بالناس خلال الفترة بين الوقتين ولذلك هي الصلاة الوسطى وحضرة السلام أدناها كف الأذى عن الناس ثم تحمل أذاهم ثم توصيل الخير إليهم وان آذوك. هذه صور من الوسائل للحضور في الصلاة وتفصيل الأمر في كتابنا ((تعلموا كيف تصلون)) فليراجعه من شاء