إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الغـرابة فى الدعوة الإسلامية الجديدة

خاتمة


أما بعد، فهذه خاتمة سفرنا عن مصدر ومظاهر الغرابة في الدعوة الإسلامية الجديدة.. ولقد حاولنا أن نبيّن أن مصدر الغرابة التي صحبت هذه الدعوة هو أنها حديث عن "لا إله الاّ الله" من قمة جديدة وسامقة في تحقيقها وتجسيدها.. والغرابة انما تكون، دائما، في التوحيد، لأن النفس البشرية لا حظّ لها في التوحيد.. وهذه القمة، في تحقيق وتجسيد "لا إله الاّ الله"، التي انطلقت منها الدعوة الإسلامية الجديدة، هي نقطة التقاء الأديان جميعها، حيث تنتهي العقيدة، ويبدأ العلم.. ولذلك فقد جاءت الدعوة الإسلامية الجديدة علمية كأحسن ما تكون العلمية فأتت بدقائق ولطائف وجديد المعاني، وغدت حربا، لا هوادة فيها ولا توان، على الأوهام والخرافات والأباطيل والعادات المتخّلفة والكسل والتبّلد الفكري..
ومظاهر علمية الدعوة الإسلامية الجديدة هي مظاهر غرابتها.. ولقد حاولنا أن نتابع أثر هذه العلمية الواضح في التمييز الدقيق بين المثاني الدينية الكثيرة، كالأصول والفروع، والناسخ والمنسوخ، والرسالة الأولى والرسالة الثانية، والسنة والشريعة، والعقيدة والعلم، والتقليد والأصالة، كما بيّنا أثرها في فض النزاع البادي بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة – ذلك النزاع الذي أعجز كل الفلسفات الاجتماعيات – مما مكنها من التنظير والتخطيط للمجتمع الديمقراطي الاشتراكي وللمجتمع الذي يتمتع بالمساواة الاجتماعية وذلك بحل مشكلة المستضعفين وفى قمتهم المرأة، كذلك بيّنا أثرها في تبيّين مرحلية أهم وأكثر الفلسفات الاجتماعيات تقدما، مرحلية الماركسية، وذلك بتطليق القوة من العنف، كما بيّنا أثرها في توحيد الجماعة، وذلك، مثلا، بالدعوة الى طريق واحد، "طريق محمد"، وفى توحيد الفرد، وذلك بتقديم التنظيم الاجتماعي والمنهاج الفردي المعينين للفرد في تحقيق فرديته وتوحيد ذاته..
ولم تكن محاولتنا في تتبع مظاهر الغرابة في الدعوة الإسلامية الجديدة هي محاولة استقصاء، وإنما هي محاولة لوضع مؤشرات تشير لأهم المظاهر.. فإذا وجد القارئ أن هذه المحاولة قد أثارت اهتمامه فإنه يمكنه أن يتوسع في دراسة هذه المظاهر وتتبعها، وذلك بطلبها في مظانها في عديد المؤلفات التي أخرجتها الدعوة الإسلامية الجديدة..
وكخاتمة لخاتمتنا هذه، فإننا نوكد أن الدعوة الإسلامية الجديدة هي دعوة صحيحة، وإن كانت غريبة.. بل أن غرابتها هي من علامات صحتها.. وهي هي الإسلام عايدا من جديد، وفى مستوى جديد، ليسير بالبشرية الحائرة المعذّبة الى باحات الأمن والسلام.. وقد حملت هذه الدعوة على كاهلها، بفضل الله وتوفيقه واعانته، مسئولية التبشير للإسلام في مستواه العلمي، وقدّمت النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أنموذجا كاملا تفيء اليه البشرية التي لوّعتها هاجرة الشقاق، وطال اغترابها عن نفسها – عن الله، فتتحقق بذلك البشارة النبوية: ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدا، فطوبي للغرباء! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها)).. جعلنا الله من الغرباء الذين يشيعون بين الناس المحبة، وينشرون على الأرض السلام... هذه هي دعوة هذا السفر للجميع.. تقبلها الله ورعاها ونمّاها.. انه نعم المولى ونعم المجيب.

الأخوان الجمهوريون
أم درمان 30/9/1975
25 رمضان 1395 هـ
ص ب 1151
تلفون 56912