إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أناشيد في طريق الرجعى

المقدمة:



الإنشاد العرفاني ما هو؟


كلمة إنشاد تعني نشيد، والنشيد هو لون من ألوان الشعر الملحن المنغم، الذي يصدح به المنشد، اما كلمة عرفاني فهي مشتقة، من المعرفة بالله، والمعرفة بالله هي العلم بالله، والعلم بالله هو ثمرة العبادة المجودة في مستوى الشريعة، ثم في مستوى الطريقة، ثم معرفة الحقيقة، والتأدب معها بأدب العبودية، وبعبارات أخرى المعرفة بالله تعنى التوحيد، والتوحيد هو العلم اللّدني، المأخوذ من الله كفاحا، بلا واسطة، ووسيلته ممارسة ومعايشة "لا إله الا الله"
ومن هنا يتضح أنه لا تجود بالشعر العرفاني، غير قريحة العارف بالله لأنه قول بمعرفة في المعرفة وهو من ثم، غير المديح النبوي... ومن باب أولى غير قصيد القوم، فحين يكون المديح النبوي، هو التغني بشمائل النبي ومكارمه كنبي، وشمائل اصحابه كرسول، وحين يكون القصيد، هو التغني بشمائل اصحابه كرسول، وحين يكون القصيد، هو التغني بشمائل ومكارم وكرامات شيخ الطريقة الصوفية، يكون الإنشاد العرفاني في مجمله مدحا، للذات الالهية، وتغنيا بكمالاتها وعشقا لها وولها وهياما بها، وهو في هذا قد برئ من مذام ومعايب الشعر، فهو ليس شعرا بالمعنى المألوف للشعر، فعندما يعبر الشاعر عن انفعالاته النفسية، يعبر عن الخير والشر بداخله، فيأتى شعره، مخلوطا بأهواء نفسه السفلى ومشوشا بحظوظها وسخائمها، ضالا في وهادها ووديانها... ولقد نهي القرآن، على الشعراء ضلالهم هذا ومفارقتهم لما يقولون، فقال تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون* ألم ترى أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون مالا يفعلون * الاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون)
ولقد جاء الاستثناء في الآية الكريمة، مشروطا بشروط ثلاثة أولها، الايمان، والعمل بمقتضاه "الاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وثانيها ذكر الله "وذكروا الله كثيرا" والذكر هو الحضور مع الله، وهو القرآن أيضا، والقرآن يزيل صدأ القلوب فيجليها مما علق بها من رين، ومن أوضار جهالات وقد جاء في الحديث الشريف "الا ان القلوب لتصدأ الا وان جلاؤها القرآن" وثالثها انتصار النفس العليا، على النفس السفلى "وانتصروا من بعد ما ظلموا". فعندها يكون شعره، تعبيرا عن نفسه العليا، وعن تعلقها بالله، وفرحها به، وكذلك كان الشاعر والعارف بالله عبد الغنى النابلسي حيث قال: -
وما أنا شاعر وجميع نظمي * بعيد عن مدى شعرالمغنى