إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search
محمود محمد طه في حوار صوفي
مع مسز هود جكنز

محجوب كرار - الصحافة - السبت 16-12-1972 م

الجزء الثالث

محمود محمد طه في حوار صوفي مع مسز هود جكنز


محجوب كرار - الصحافة - السبت 16-12-1972 م

هي : الدين التقليدي له تأثير بالغ في حياة الناس و كذلك عاداتهم كإنفصال الرجال والنساء فإن تغيير الناس في هذه الحالة صعب جدا و قد لاحظت أن الماركسيين في السودان يتحدثون عن المساواة بين الرجال والنساء و لكنهم لا يطبقون ذلك في حياتهم فهل توافق علي إختلاط الجنسين ؟

هو : إن التغيير يحدث تدريجيا .. و هو يجيء نتيجة لتغيير الأفكار و أنا أؤمن بإختلاط الجنسين إلا ان هذا يحتاج إلي تدرج.

هي : معنى ذلك أن هذا لن يتحقق إلا في زمن أحفادك ؟

هو : إن التغيير عندما يبدأ من الداخل يسير بسرعة كبيرة .. فالإسلام في عهده الأول غير الناس بسرعة كبيرة ففي عشر سنين في المدينة إستطاع النبي أن يوجد "في مكان المجتمع الجاهلي الذي كان يئد البنت حية" مجتمعا جديدا في المال و في النظر إلي المرأة و الرق و خلافه .. فالزمن لابد منه و لكن الإلتزام بمنهاج العبادة يجعل التغيير سريعا و في مدة قصيرة.

هي : قلت في كتاباتك إن الشريعة التي جاءت لمجتمع القرن السابع لا تصلح لمجتمع القرن العشرين ؟

هو : القرآن فيه الآيات التي جاءت و فيها حرية أكثر .. و فيها المرأة و الرجل متساويان. و الناس ليس عليهم و صاية .. والناس يقنعون بالكلام و ليس بالسيف .. هذا قرآن مكة أما قرآن المدينة فقد أمر الناس بالقتال و جاء بعدم المساواة بين الرجال والنساء و جعل النبي وصيا علي الناس .. و نحن نعتقد أن قوانين الحرية هي قوانين اليوم و قوانين الوصاية هي التي خلفها الوقت الحاضر و لذلك فنحن ندعو إلي العودة إلي الآيات المكية و لسنة النبي التي إلتزمها في خاصة نفسه.

هي : هل للإسلام في السودان وجه مميز يختلف عن الإسلام في سائر الشرق الأوسط؟

هو : إلا أن تكون في خصائص الشعب السوداني و لكن لا إختلاف في الإسلام كما يدرس في الأزهر و في المعهد العلمي بأم درمان .. أو في السعودية أو في أي بلد إسلامي آخر. فالناس في السودان طيبون طيبة طبيعية و منفتحون علي بعضهم .. و حياتهم رطبة و سخية .. هذا المعنى أثر في الإسلام في السودان. فإذا أخذت الشعب المصري مثلا فإن حياته صعبة و قاسية. و هو عندما يطبق الإسلام يتأثر تطبيقه بهذه الشدة فيظهر الإسلام لديه و كأنه منطبع بهذه الشدة.

هي : هل حاولت أن تنشر دعوتك خارج السودان ؟

هو : نعم أرسلنا بعض الكتب إلي مصر و السعودية و تونس و إلي فرنسا و إنجلترا و بعض الدول الأخرى و لكن ليس علي أساس تجاري .. و نحن لا نعتبر دعوتنا إقليمية و إنما هي دعوة عالمية و ذلك يتوقف علي نجاحها في السودان.

هي : ألا تعتقد أن الأديان كلها في الجوهر شيء واحد بحيث لا يجوز لك أن تحبذ تصدير العقيدة الإسلامية ؟

هو : الأديان كلها شيء واحد و لكنها تختلف في المقدار فعندما جاء موسى باليهودية جاء أيضا بالإسلام و المسيحية .. و عندما جاء المسيح من اليهود جاء فى وقت أقرب لنا فكان متقدما في أفكاره عن موسى .. و عندما جاء محمد بالإسلام جاء به دين تشريع و عبادة و من ثم كان أتم و أكثر تقدما عن غيره من الأديان .. و نحن لن نصدر الإسلام كعقيدة و إنما نخرج من الإسلام القيمة الإنسانية المشتركة و هى كرامة الإنسان من حيث هو إنسان هذه هي القيمة التي سنصدرها .. الحرية .. و الإشتراكية و المساواة الإجتماعية فدعوتنا إنسانية عالمية بهذا المعني.

هي : ما هو الفرق بين التعاليم المسيحية و الإسلام ؟

هو : التعاليم الخالصة في المسيحية ليست علمية ، فمثلا "أدر خدك الآخر" عجز عن تطبيقها حتى بطرس. فالإنسان بطبيعته معتدي و الطريقة إلي تعليمه علي ترك الإعتداء هو أن يطلب منه ألا يعتدي حتى يعتدى عليه ، ثم بعد ذلك يطلب منه أن يعفو كما يفعل الإسلام. فالتشريع يجب أن ينزل لأرض الناس ليتدرج بهم إلي المراقي الرفيعة. فنحن نريد شريعة و لكنها شريعة في مستوانا .. فنحن نريد تغيير أسلوب الدعوة من القتال إلي الإقناع و أن يتطور التشريع الإسلامي من مستواه الرأسمالي إلي المستوي الإشتراكي و من مستوي الوصاية إلي الديمقراطية و من مستوى التمييز بين الرجال و النساء إلي مستوى المساواة بين الرجال و النساء.

هي : هل تعتقد أنك أقرب فكريا إلي الأخ المسلم أم إلي الاشتراكي الملحد ؟

هو : هذا سؤال في غاية الصعوبة و الإجابة عليه ليست بهذا القصر .. بطبيعة الحال الإنسان أقرب إلي الأخ المسلم و لكنه في نفس الوقت بعيد عنه و السبب في ذلك أن مسألة الإلحاد فرقة كبيرة .. و الأرض المشتركة مع الأخ المسلم العقيدة في الله .. و لقد وجدنا أن الماركسيين يتمتعون بحرية أكبر في الفكر ، فالماركسي متمرس علي الفكر و يسهل عليه أن يقتنع ، أما الأخوان المسلمون فإنهم مصبوبون في قوالب جامدة.

هنا توقفت مسز هود جكنز و أجالت بصرها في الحاضرين كأنها تستلهم المزيد من المسألة وقد دفعني هذا بأن أهمس لها :"أسأليه في موضوع العجيمية" .. فقد سبق أن إقترحت علي الأستاذة هود جكنز الإهتمام بحركة العجيمية و قلت لها إنها نامية في المناطق التي شهدت مولدها بشمال السودان . فقد ولد مؤسسها الشيخ محمد أحمد العجيمي في بلدة "البرصة " بريفي مروي في أواخر القرن الماضي وبعد أن كبر وتعلم إختط لنفسه منهاجا خاصا به في النظر إلي الدين الإسلامي بوجهيه الظاهر والباطن و قد كثر أتباعه في الربع الثاني من هذا القرن و إنتشرت طريقته التي إتخذت طابع الإحياء الديني حتى عمت المنطقة من أقصاها إلي أدناها .. وقلت للأستاذة هود جكنز إنه في خلال سياحة أتيح لي القيام بها مؤخرا بتلك المناطق مررت بحلال كاملة تسمى الواحدة منها حلة العجيمية "في رومى و البكري مثلا بريفي دنقلا "و هناك طريق هام يصل بين شقي عقبة كورى إسمه .. درب العجيمية .. و التسمية تدل علي أن أتباع العجيمي كانوا يسلكونه من شمال إلي الجنوب عند ورودهم علي الشيخ في بلدته المذكورة بمنطقة البديرية .. و لقد ضمني ذات مرة مجلس لأحد كبار أتباع العجيمي وهو إدريس ود عامر المقيم بحلة كافوته بناحية الحجير .. و إستمعت إليه بشرح سورة الكهف و قد أوحي لي شرحه الذي يخالف كل ما سمعته أو قرأته من شروح أن حركة العجيمية هي حركة فكرية تقدمية إن جاز لنا إطلاق ذلك علي أي حركة دينية. و من رجال العجيمية المعروفين في الوقت الحاضر الشيخ البديري عبد الله من بلدة القرداب بمنطقة بربر و الشيخ إدريس ود عامر الذي تقدم ذكره و الشيخ نور الدائم العجيمي إبن الأستاذ الذي خلفه علي الإشراف في رعاية المكان …. وبعد أن إستمع الاستاذ لشيء من ذلك أجاب:


هو : إن العجيمية هي طريقة زيها زي الطرق الأخرى و لا تختلف عنها في شيء.

و أجاب علي سؤال لم أتبينه بالضبط !

هو : الجنة و النار وجهان لعملة واحدة فإذا كان الناس علماء فإنهم يكونون في وجه الجنة و إذا كانوا جهلاء يكونون في وجه النار إلي أن يتعلموا ثم يتحولوا إلي الجنة.

هي : أنا من المعجبين بحركتك فإن أهلي من فرقة ثورية في المسيحية هم الكويكرز ولكن أخشي أن أتحول .. إن الحياة في الوقت الحاضر تميل إلي إستقطاب الناس حول قطبين …. قطب المادة "الإلحاد" و قطب التعصب الديني.

هو : الصورة التي نراها أن القطبين إما ماديون أو سلفيون في التفكير الديني .. و بين هذين القطبين النقيضين جئنا بفكر ديني مادي .. فالإنسان عقل و معدة فنحن نشبع حاجات المعدة لنترك لهم مجالا للفكر .. و الإنسان بين الحيوان و الملك .. و نحن الدعاة للكتلة الثالثة بين القطبين اللذين تحدثت عنهما.

هي : "معترضة" و لكن الماركسية ليست كلها مادية ؟

هو : ماركس و الطريقة الأمريكية تنبعان من أرض واحدة .. أرض المادة .. الوجود المادي .. فالمسيحي يتحدث عن المسيح و لكنه لا يعيش المسيحية .. و لكن في الطريقة الأمريكية يذهب الناس يوم الأحد إلي الكنيسة.

وقد كان النقاش الذي تلى هذه الفقرة شيقا بحيث لم يترك لي الفرصة في مواصلة التسجيل و لكنى في ماعدا ذلك فقد حرصت بقدر الإمكان أن أسجل ما دار من الكلام بين الأستاذ و الباحثة الإنجليزية بالنص و الحرف فهو في رأى أكثر إبانة من أي صورة أخري يمكن أضفاؤها عليه …. و شكــــرا ،، ،،