إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search
ندوات الخواطر

المهدية - اكتوبر - ديسمبر ١٩٧١

الخواطر - الندوة الرابعة - ١١ نوفمبر ١٩٧١

بسم الله الرحمن الرحيم
نفتتح هذه الندوة الأسبوعية، اليوم الخميس الحادي عشر من نوفمبر ٧١، الثالث والعشرين من رمضان سنة ٩١.. الندوة الأسبوعية اليوم مُعدَّة لمواصلة نقاش موضوع الخواطر، وهو موضوع أسلفنا فيه عدة جلسات، من الجايز أن تكون هذه الجلسة الختامية.. وتابعنا موضوع الخواطر والكبت الذي وقع للانسان البشري في عمر البشرية الموروث الطويل، ثم في عمر الانسان القصير.. ووصلنا إلى أن نعالج موضوع الكبت في حياة العابد السالك ونأخذه من طفولته ونسلك بيه الطريق لفض التناقض القايم بين العقل الواعي والعقل الباطن الذي هو سبب الكبت.. موضوعنا واقف في النقطة دي.. خذ السالك المبتدئ من طفولته وتابعه في مراقي سلوكه اللي بيستهدف أن يحل العُقَد النفسية حتى يكون الفرد البشري سليم، في سلام مع نفسه، في وحدة داخلية وطُمأنينة وتنغيم داخلي ينتهي فيه النشاز من حياته.. وده بطبيعة الحال غرض العبادة.. غرض السلوك كله ايجاد التنغيم الداخلي اللي بيه النغمات النشاز تنتهي.. اللي بيه العقد النفسية القاسمة البنية البشرية تنتهي، تنحل، تتنور، تجد طريقة مشروعة للتعبير عن حيويتها ونشاطها.. ده موقفنا، عايزين نسمع فيه من النقطة دي ونمشي لقدام.. (.....) سمعتوا “إبراهيم”
(.....) الفطره الانانيه الجاهلة بتجيه من وين.. ما أحسن الناس يقولوا كلمتين عن الفطرة.. الفطرة يعني شنو اليقولو عليها هسي.. ((فطرة الله التي فطر الناس عليها)) شنو؟
(.....) الفطرة صفاء الذهن وسلامة القلب من المسائل المكتسبة في الدعوى، واللا الطمع واللا الحرص واللا... ولو انه الموروث قد يكون فيه كامن لكن المكتسب هو صافي منه، قالت دي الفطرة.. نسمع أحسن في الفطرة شنو؟
(.....) “إبراهيم” نصار قال: بيكون وحدة ما منقسم
(.....) زيادة عن الفطرة البنسمع بيها كثير، ((فطرة الله التي فطر الناس عليها)) ((الاسلام دين الفطرة)).. ((كل مولود يولد على الفطرة))
(.....) يعني خصوصاً كلام "آدم" دين الاسلام العام معناه الاراده العامه، معناه الطاعة.. الأشياء خلقت طايعة لله.. الطاعة.. ((أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً))، كل الأشياء مخلوقة طايعة لله، ((وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)).. كأن الفطرة العجز.. الفطرة العجز.. القُدرة لله وحده.. مافي ادِعاء هنا.. لامن جاءت العقول جاءت الدعوى.. أها الطفل من هنا عاجز، والكلام القيل حوله كله صحيح في انه فيه سلامة قلب وصفاء فكر، لكنه عاجز، ما مدَّعي أي حاجة.. بعدين تجيء الدعوى بالحركات الارادية.. لمن نبتدئ نعمل أشياء في حركاتنا وسكناتنا، تبدو ارادتنا، وما نستطيع أن ننجزه، يسوق أنفسنا للوهم بأننا قادرين، فتجيء المعارضة، اللي هي المخالفة للاسلام، ويجيء ((فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه)) اللي قالتها
(.....) يبقى السؤال الفرعي بتاع شيخ أحمد من وين بتجيء الأنانية الجاهلة للطفل وهو مولود على الفطرة؟
(.....) يعني كأنما هي الأنانية أو هي الحياة بتطلب التعبير عن نفسها، اللي هو تحصيل اللذة بأي سبيل، أول ما تصطدم بالواقع ينكرعليها الواقع، بعُرفه وبتشريعه، لذتها.. يبقى تبتدئ تلتوي بأنواع من الحيل وأنواع من النفاق، وأنواع من الكذب، وأنواع من غش الناس.. تبقى الأنانية الجاهلة هي التواء الأنانية.. أصلها حاجة واحدة هي.. الأنانية منطلقة لتعبر عن نفسها في اكتساب اللذة اللي هو ده شريعة الحياة، أول ما تصادم الواقع، وهي عاجزة عنه تبتدئ تلف حوله بصورة من الطرق الملتوية، أهي دي الأنانية الجاهلة.. التواء الأنانية، التواء الحياة، التواء النفس.. النفاق.. الانقسام بين الداخل والباطن.. أنا عايز حاجة، وقت كنت طفل، في سذاجتي وبساطتي بطلبها وبحاول أحصل عليها بالحيلة العندي، الأساسا هي البكاء.. مشت لقدام الحيلة دي (ما بقت) تنفع، تكون في تصرفات في الحيل المختلفة منها الغش ومنها النفاق ومنها التحايل ومنها الكذب، ومنها أن أكون عايز حاجة وأعبِّر عن حاجة أخرى.. أهي دي الأنانية الجاهلة تجيء من مصادمة الحيوية الداخلية للواقع، ومحاولة اللف حوله والاحتيال عليه، والكذب والتدليس والغش، وكل الصور اللي تكتسبها فيما بعد في المجتمع.. ويجيء القرآن يقول: ((كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون))، أهو ده البنكسبه في المعترك بتاع الجماعة.. بعدين الحديث اللي ذكّرنا بيه برضو "علي" وشيخ "يوسف" قبله، ((كل مولودٍ يولد على الفطرة فأبواه)) – المجتمع الصغير والمجتمع الكبير موجود بالعبارة دي نفسها – ((فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه))، فتجيء صور المعتقدات والأديان الأخرى (فيما بعد).. دي الاجابة على سؤال شيخ أحمد الفرعي.. نمشي لموضوعنا
(.....) في بداية سلوك السالك من النقطة اللي سؤال شيخ أحمد فعلاً وضعها في طريق كويس، في مسألة الأنانية الجاهلة، ونحن أصلنا زي ما قالوا الصوفية.. الصوفية قالوا "سيرك منك وصولك إليك"، يعني سيرك من جهالاتك وصولك إلى معرفتك، سيرك من أنانيتك السفلى، وصول إلى أنانيتك العليا.. تخلصك من جهلك، وصولك إلى حقيقتك.. دي كل السلوك ياهو ده، "سيرك منك وصولك إليك"، وبعدين دي قديمة، والقالوها الفلاسفة وقالوها الصوفية وقالوها العلماء وقالوها الأنبياء، "أعرف نفسك".. "من عرف نفسه فقد عرف ربه".. فنحن هسّه موضوعنا في الليلة دي إذا كان هو محاولة إلى أن يصل الانسان من نفسه السفلى إلى نفسه العليا، من نفسه الحيوانية إلى نفسه الانسانية، من جهالته إلى معرفته، وإذا كان قدرنا نمشي في الخط ده افتكر هو موضوع السلوك ظهر يكون.. نسمع
(.....) من ماهو طفل الوراثة وين؟ نحن قلنا الكبت الموروث في الجنس البشري مثلاً، بعدين يجيء الكبت المكتسب، أهو عندنا طفل.. شنو الوراثة؟
(.....) حتة صغيرة في يوم ميلاده، اتفتحت عينيه بدأ يكتسب، بدأ يتأثر، مجرد من دخل الهواء في رئتيه وصرخ، بدأ يمارس التجارب.. أها ده سُمي المكتسب، الموروث وين؟ “يوسف” قال: الموروث الحياة.. كل الجِرم بتاعه ده موروث، ما كان في يوم هو مافي.. نحن ما مرَّ يوم نحن مافيشين، لكن في حالة من الحالات.. ما عندنا تصرف إرادي فيها.. لكن النتيجة الجاهزة هي دي.. من هنا تبتدئ الحركة بتاعة الانسان فيما سُمي بالحكايه المكتسبة، لكن كل جِرمه ده الموروث.. والحديث هناك "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة"، ده لمَّن يجوا يبرزوا في الاسلام، يبرزوا على معدنهم الأصلي اللي جايين بيه من قدام.. اللي زي ما قلنا أصله ما كان في يوم مافي.. "الناس معادن" النبي قال كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا ثقِفوا".. ((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام))، ولذلك هو كان عنده حرص على أحد العمرين، على اعتبار معدنُهم لأنهم في الجاهلية، كان ليهم صوت وليهم جُرأة وليهم شجاعة وليهم صدق وليهم بأس، فاذا أسلموا يوشكوا أن يدخلوا بالفضائل دي لينصروا الدين.. فقال: ((اللهم انصر الاسلام بأحبَّ العمرين إليك))، فكان عمر بن الخطاب بدل عمرو بن هشام.. أحبَّ العمرين عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام، اللي سُمِّي فيما بعد بأبو جهل، كان في الجاهلية اسمه أبو الحكم، بعدين لمَّن ظهرت ضغاينه في الاسلام سُمِّي أبو جهل.. هو عمرو بن هشام وخال لعمر بن الخطاب، فنبينا كان معجب بصدقهم وشجاعتهم وجُرأتُهم، فكان قلبه مال انه واحد يسلم.. جرت الحكمه الالهيه انه واحد منهم، لو كان قال الاثنين كانوا أسلموا، لكن قال: "اللهم أنصر الاسلام بأحبَّ العمرين إليك" فأسلم عمر بن الخطاب، وبعدين هو قال: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة".. الانسان البتشوفه انت في المعارضة شديد – نحن هسَّع تجربتنا كده – الانسان الفي المعارضة شديد وصادق وعنده غيرة، هو ده البجيء.. ده فيه خير.. الانسان المراوغ البيلاقيك يوافقك ويبلغك عنه في وراءك انه بيتكلم ضدك، ده ما فيه خير، والانسان الأصله ما عنده (عرق) ولا بيهتم ده ما فيه خير.. والمسائل دي كلها موروثة... افتكر أحسن تعبير قاله عنها يوسف: الحياة.. كل الجرم ده موروث من تقلبات الحياة في الصور المختلفة منذ أن كانت قبل التجسيد إلى أن دخلت في أدنى صور التجسيد، إلى أن مرقت من المادة غير العضوية إلى المادة العضوية، إلى أن مرقت في مستويات الحياة العليا، إلى أن جاءت في الانسان، في الارحام من الأصلاب، في الأرحام لغاية ما وُلد.. النتيجة الجاهزة دي موروثة.. أهي دي جملة الحياة فيها كل مناشطها، وفيها كل طاقاتها وحيويتها.. فالموروث هو الجرم ده كله، وفي ناس موروثين من عناصر طيبة، وراثاتهم من عناصر طيبة، وناس وراثاتهم من عناصر خبيثة.. ودي تلقوا بيها الناس اللي تلقى أولاد الصالحين قريبين لأنهم وارثين.. وارثين صور لطيفة اتخلصت من الكثافة في التسلسل الطويل.. إذن جرمه كله هو الكبت الموروث.. الصور الموروثة.. وعبارة “علي” اللي قال فيها: كامنة فيهو الارادة، دي صحيحة مؤكد، لأنه هو جنين بشر مُش جنين حيوان، وِرِث برضو الارادة لكنها ما ظهرت.. عايزين بقى نحن ننطلق من النقطة دي ونمشي لمراقي الاشارات اللي قالها لينا شيخ "أحمد" في مسألة النفوس.. يعني نحن عندنا السالك من هو طفل عايزين نطلع بيه من هنا ليتم دورته ويرجع الى سلامة صدره ثاني.. والعُبَّاد عايزين يرجعوا للطفولة.. كل عابد عاوز يكتسب الحنكة والتجربة بتاعة الشيوخ مع براءة الطفل؛ دي الولاية ياها دي.. الولاية إذا التقى القديم والحديث، إذا التقى الشايب والطفل في شخصية واحدة.. تجربة الشايب وبراءة الطفل، دي العبقرية.. والعبادة ماشه لكده.. بعد ما مرق لغاية الشيخوخة واللا الكهولة واللا الشباب الناضج، واكتسب التجربة، يرجع ثاني للبراءة بتجربته، فيلتقي الطفل والشيخ فيه.. حنكة الشيوخ وبراءة الأطفال، دي العبقرية ودي الولاية.. نحن عايزين السير ده، أي واحد منكم يأخذ لينا زول ويسلكه
(.....) ينطلق من البراءة ويرجع ليها.. والصوفية برضوعندهم العبارة "النهاية تشبه البداية"، "النهاية تشبه البداية ولا تشبهها" يقولوا.. بداية الانسان انه بسيط وما مدعي حاجة.. بسيط ومتواضع وما شاعر بأنه عنده، ما شاعر بقيمة لنفسه، ما مستعلي.. بعدين يمشي في مراحل الادعاءات لغاية ما يرجع، لمَّن يبقى عالم يرجع يكون بسيط تاني.. أصله الانسان المتكبر والانسان المستعلي والانسان المدَّعي ده الجاهل.. لا هو في براءته الأولانية ولا هو في العلم اليخلِّيه يكون بسيط مرة ثانية.. فإذا تمت الدائرة يصبح البسيط الأولاني، الساذج الأولاني، البريء الأولاني، أخذ دورته وجاء رجع بفضل العلم ثاني رجع للبساطة والطيبة والتواضع، والسذاجة إذا شئت.. قالوا النهاية تشبه البداية ولا تشبهها، لأنها البداية على جهل والنهاية على علم، لكن الشبه بيناتهن التواضع وعدم ادعاء أي شيء، وطيبة النفس وحلاوة الشمائل.. البراءة.. ده الشبه بيناتهن، والاختلاف بيناتهن أنه دي ثمرة علم وديك ثمرة جهل، فبيقولوا النهاية تشبه البداية ولا تشبهها.. دي النقطة اللي بيقولها "يوسف"، نحن العايزنها هسَّع، ينطلق من بساطته لغاية ما يكمل دورته ليرجع لبساطته ثاني بفضل العلم، وده ما سُمي السلوك.
(.....) تحتاج برضو لتفصيل زيادة، لكنها هي وافية في الإجمال، وفتحت الطريق طوالي
(.....) الأولانية
(.....) طيِّب نسمع
(.....) في انه السلوك عايز معرفة، ممكن نقول شنو المعرفة البدائية الضرورية للسلوك؟ المعرفة البدائية للسلوك البدونها ما يكون في سلوك؟
(.....) ضرورية للسلوك؟ معرفة الحرام والحلال "يوسف" قال.. هل في معرفة دون المستوى ده؟ العمل وفق الشريعة.. اللي هي عبارة "يوسف"، الحرام والحلال يعني.. دي ما بتشمل التكليف، النهي والأمر يعني.. هو الحقيقة المسألة دي بتبدأ بدري خالص، من الأمهات ما يقولن للوليد الصغيِّر عيب! عيب! بدأت المسألة من بدري كأنه.. إيه رأيكم في دي؟ وهي النفس اللوامة ما بتبتدئ يوم الشريعه.. بدري.. أو الحقيقة نحن بنظن خطأ في الاطفال، بنفتكر الأطفال ما بيعرفوا، مع انه شخصياتُهم كلها بتتكون.. المكتسب ده بيتكون في السنين البدائية، بل الشهور البدائية خالص خالص.. عُيُونهم المفتوحة دي زي عدسات الكاميرا، تنقل أشياء تترسب في (صدورهم) بعدين تَنْفَر بالوعي.. فمسألة النفس البتنقسم بتبدأ من بدري.. كدي انظروا للنقطة دي.. شوفوا العلم الضروري للسلوك بيبدأ متين.
(.....) الفطرة هي العقل القابل للتناقض.. الفطرة هي العقل القابل للتناقض.. قال انه، نحن من الاول قلنا انه الفطرة هي العجز، هي الطاعة، بعدين قلنا في مقابلة الطاعة بدأت المعصية، لمن بدأ العقل او برز العقل.. المعصية قيمة عقلية يعني.. تصرف عقول.. بعدين قال إذا كان الصورة هي دي، أصله الكلام عن العقل بالاقتران مع الفطرة يبقى ماهو مستقيم.. إذا كان الفطرة هي الطاعة والعقل بدأت معاه المعصية يبقي قرن الاثنين مع بعض كلام ما مستقيم.. الا ان يكون واحد منهم الاثنين خطأ.. وللا التعريف الاولاني خطأ، واللا قرن العقل بالفطرة في عبارة “شداد”، اللي هي الفطرة هي العقل القابل للتناقض، يبقى كلام ما مستقيم، واحد في الاثنين لازم يكون خطأ.. كده عبارتك يا استاذ “عبد الله”؟
قولوا كلمتين في دي.. هل في مقدرة على التوفيق بين الفطرة هي الطاعة والفطرة هي العقل القابل للتناقض، القاله “شداد” وشرحه "يوسف" بتبرير، وشرحوه بعض الاخوان برضو؟
(.....) حقه يقبل الموضوع دا لانه ما متناقض؟ دي فيها يا “عبد الله” انت رأيك شنو؟
(.....) في مقابلة كلمة شداد.. الفطرة هي العقل القابل للتناقض، بعدين “يوسف” بيرى انه في مستوى كلام “شداد” كلامه صحيح، لكن التناقض مرحلي، فاذا انفض التناقض ورجعت الامور للوحدة جاء العجز الواعي البرُد الفطرة الى ان تكون وحدة غير قابلة للتناقض.. انا يبدو لي انه دي صورة السلوك ياها كده.. أصله الفطرة هي الطاعة.. الاشياء كلها ربنا فطرها طايعة ليه، ((وان من شئ الا يسبح بحمده))، ما يخرج عنها شيء.. بعدين لمن جاءت العقول جاء التعبير بالمعصية.. فكأنها المعصية حكم في الممارسة.. حتى في المعصية الطاعة واقعة في الحقيقة، لانه البيؤمن آمن بارادة الله والبيكفر كفر بارادة الله.. البيعصي الله عصاه بارادته والبطيعه اطاعه بارادته.. من هنا كأنه القانون هو الطاعة.. القانون السرمدي في الوجود انه الله ما بيعصى.. لا يدخل في ملك الله الا ما يريد الله.. العبارة بتاعت الصوفية اليقولوها دائماً، لا يعرف الله الا الله ولا يدخل في ملكه الا ما يريد.. في المرحلة الاولانية زي ما اشار قُرني دي مرحلة الاجساد.. بعدين الاجساد دي العبارة اللي قالها لينا "يوسف"، هي الحياة كلها، ودي الموروثة.. الطفل بجسده أول ما برز من الرحم او من خلوة الرحم، زي ما بسموه الصوفية، الى الوجود الخارجي بدأ الممارسة.. مجرد الهواء ما اندفع لرئتيه وصرخ الصرخة دي، بدأ الممارسة.. حتى عندهم في الشريعة انه الطفل يعني يُغسل ويُصلى عليه إذا استهل.. إذا استهل.. كأنه دخل في ممارسة الحياة.. إذا ولد (سِقط) ده ولا بيغسل ولا بيصلى عليه، لكن إذا صرخ بدأ الممارسه، وده يُغسل ويُكفن ويصلى عليه.. هنا الجسد ده هو الحياة وهو الفطرة.. بعدين الحياة دي اندفاعاتها هي اللذة، بتبحث عن اللذة.. لمن تصطدم بالواقع يجيء العقل.. العقل هو مرتبة التناقض.. مجرد من ان يكون عايز حاجة ويتكيف مع حاجة ثانية لانه واقعه كده، أصبح التناقض جاء.. وذاته ادراكات العقل بتكون بالتناقض.. يمين وشمال.. العقل فيه اليمين والشمال بالصورة دي.. التناقض بيناتهن قايم.. الشيء وضده يعني، ولولا الاشياء بأضدادها العقل ما يفهم.. بعدين الحقيقة بين بين.. أهو دا العقل اذن يحاول ان يخرج من التناقض بتوحيد المتناقضات، ثم (يصير) ليه تناقض جديد، وزي ما قال عنه “يوسف” صراعه ده مستمر لغاية ما يصفي التناقض.. والتناقض مرحلة، لكنه مادام العقول في، دائما بيبرز لأنه في القمة يكون مثلا المتناقض القديم والحديث.. الله والانسان.. ديل يظلوا.. العبد والرب زي ما قلنا.. لكن التناقض يتصفى ويقرب ان يدخل في الوحدة، بتوحيدنا نحن الذاتي الداخلي، بإدراك عقولنا للحقيقة الكبيرة، ومن هنا تجيء أحيانا في سلوكنا يعجز العقل، زي ما قلنا، يرفع حجاب العقل ويجيء ما يسمى العجز عن الادراك في مواجهة الذات.. يبقى الانسان وحدة مواجهة للذات..
فانا افتكر الصورة القالها "شداد" زي ما قال عنها “يوسف” صحيحة في المرحلة، وهي ما متناقضة مع ما يراه استاذ “عبد الله”، لانها أصلها بس هي الحياة.. الحياة لمن واجهت الواقع حصل في نوع من الكبت، نوع من الخوف، اول الحياة ما ظهرت عُرف الخوف، ولعله دي مرحلة الكبت الأولانية.. الخوف لانه في اشياء بتؤذينا واشياء بتلذنا.. أدنى مراتب الحي ان يفر مما يؤذيه ويفر الى ما يلذه.. أدنى مراتب الحي ان يكون شاعر بحياته، ومعنى الشعور بالحياة ان يفر من الاذى، وجاءت حكاية الخوف.. والتناقض جاء مع الإدراكات البسيطة دي.. مجرد مصادمة الحياة مع الواقع بدأت جرثومة العقل تبرز، وبدأ التناقض.. والتناقض يمكنك ان تقول هو التكيف مع البيئة.. انت في الداخل عايز حاجة والبيئة عايزة حاجة.. انت ما بتلقى العايزها.. من الحي الاولاني بالصوره دي، ما بتلقى الحاجة العايزها، وعليك ان تتواءم مع ما تجد.. تعريف “شداد” صحيح في المرتبة القالها.. زي ما قال عنها "يوسف".. لكن العقل كلما قوي، وبمصارعة الواقع، كلما قوي بمصارعة الواقع، يصير ليه واقع جديد ليصارعه، ويستمر في القوة، وغرضه ان يفض التنازع بين المتضادين ليصل الي التوحيد..
التوحيد هو تصفية التناقض، وبالصورة دي يصل الانسان للوحدة.. ويجوز انه في مرحلة تصفية التناقض الصورها “يوسف” يقع السلوك فيما سمي بفض الكبت.. الخواطر.. ومناقشة الخواطر..
الصراع بين المتناقضين يوصل الى التوحيد.. مناقشة الخواطر هي صورة من التنازع البيقع بين المتناقضين ويكون بيه التوحيد، وتكون بيه الوحدة البترجع بيها الفطرة لسلامتها الاولانية القبيل، قلنا النهاية تشبه البداية ولا تشبهها..
نمشي.. عبارة “شداد” طيبة.. ولّدت انا افتكر العبارات القالها “يوسف”، انا افتكر انها هي المنهاج اللي بيه ممكن ان الانسان يقول في السلوك.. مرحلة التناقض لغاية ما ينفض التناقض، نصل للوحدة.. ترجع الفطرة لسلامتها بعد ما انقسمت.. وده بيكون برضو الوجود الخارجي دائما بيواجهنا بأنواع من الاعتدال، لانه الطبيعة برضها ماشة من كثافة وغلظة وشقاوة الى ان تكون صديقة أكثر منها عدوة، بفعل من جانب الله عن غير طريقنا، وبفعل من الله عن طريقنا.. نحن لمن نتهذب في المجتمعات ونهذب المجتمعات، ونهذب البيئة البنعيش فيها، بعد ما كانت ادغال واحراش واشجار وحفر وناموس، ومسائل زي دي، نهذبها وتصبح مدينة عامرة.. كأنه بنوطئ أكناف البيئة لتقابلنا بأنواع من المخاوف أقل مما كانت بتقابل أهلنا وأسلافنا، ومن هنا يكون تناقضنا كمان اقل، وسيرنا للتوحيد بين ما تحبه نفوسنا في الداخل وما نلقاه في الخارج قريب.. التناقض فيما نحبه في الداخل وفيما تقابلنا بيه البيئه في الخارج يقل شوية، وده سير نحو التوحيد.. لغاية ما يجيء المجتمع الصالح اللي ما بقابلنا بالعنف البخوفنا والبسوقنا الى الكبت الشنيع والشديد، البيحد من حرياتنا الكبيرة.. لغاية ما تجيء البيئة الملائمة لينا، ما بنعرف فيها الجوع ولا بنعرف فيها المرض، يعني المستوى العرفوه اهلنا في الماضي يبقى التناقض يقل.. كلما اتوطأت اكناف الحياة البرانية مع تجاوبها مع الحياة الداخلية بفعل مننا، الله يسيرنا لنعمله ويقدرنا على ان نعمله، بفعل من جانب الله في تمهيد الوجود الخارجي في آيات الآفاق برضو، ويسير التناقض ليقل ويقل ويقل.. مع سير التناقض البيقل حاجتنا للكبت تقل، وتجيء صور الاشياء البنحبها نلقاها.. لغاية ما يجيء المثل الأعلى في الجنة "لهم ما يشاؤون فيها "، ((لهم ما يشاءون فيها، ولدينا مزيد))، وهنا هي بتبتدئ المسألة.. مسألة قرب الجنه ببتدئ من الارض دي.. كل مرة نحن حياتنا يقل الشظف فيها، ويقل المرض فيها، ويقل الشقاوة فيها، وتمشي ممهدة والخوف يقل.. نمشي أحسن في موضوعنا في اتجاهنا ده
(....) الحالة بتاعت التناقض القال عنها "يوسف".. في الآخر الخطأ يكون مافي.. كأنه مافي في الحقيقة.. العقول الكبيرة خطأها بيقل زي الانسان المتعلم والانسان الجاهل.. نحن بنخطئ في مرحلة صغر عقولنا لاننا بنشوف للحقيقة وجوه كثيرة.. وهي الحقيقة واحدة.. لكن كل ما نضجت تجربتنا واتسعت عقولنا تتضح الرؤيا، حتى نرى الحقيقة كما هي.. الحقيقة كما هي في حقيقتها يراها الله وحده.. نحن نراها في صور نسبية، ودي ما قال عنها “يوسف” برضو الحق والحقيقة.. الحقيقة واحدة.. الحق يتعدد.. ونحن في مرحلة الجهالة نرى الحق والباطل، وأحيانا الباطل ذاته نحسبه حق.. بعدين لمن عقولنا تكبر نرى الحق قريب من الحقيقة، وكلما مشينا لي قدام يقرب الانطباق بين الحق والحقيقة، حتى تنطبق الحقيقة المحدثة مع الحقيقة الازلية، وده السير السرمدي.. ((وان الى ربك المنتهى)) يعني ان يكون علم الانسان علم الله، وده ما بكون، لأنه علم الله مطلق ونحن علمنا محدود دائما.. لكنه دائما سيرنا الى ده، ((ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء))، ومشيئته كل يوم ان نتعلم.. هو البيعلمنا، ((علم الانسان ما لم يعلم))، ((واتقوا الله ويعلمكم الله)).. فإذن الطاعة في الأول طاعة الاجساد غير الواعية، ثم طاعة العقول التي تخطئ وتصيب، دي مرحلتك انت ودي المرحلة القال عنها “يوسف” التناقض مرحلي.. تخطئ وتصيب لاننا نشوف وجهين للقضية أو وجوه كثيرة ما نعرف الصواب فيها شنو، نخطئ ونصيب هنا.. لكن بعدين العقول المستوية تكون مسددة، ونحن عندنا نسمي الاولياء محفوظين والانبياء معصومين.. اها دي مرحلة الطاعة المسددة.. فيها خطأ بسيط.. لكن يجوز يجيء التسديد فيها.. لغاية ما تجيء العقول الما بتخطئ، او لا تكاد تخطئ.
(.....) دي برضو بكون منها انطلاق ان شاء الله في الخميس المقبل، بعد العيد بتكون الندوة هنا، ويجوز الندوة ديك تصل بموضوع السلوك الي المرحلة الاتصورت بانه الفطرة هي العقل القابل للتناقض، ليسير العقل في اصطدامه بالواقع، يفض التناقض فيما يرغبه هو وما تلقاه بيه البيئة الخارجية، لغاية ما يصل الى التوحيد اليخلي الفطرة هي العقل غير القابل للتناقض، زي ما قال واحد من الاخوان.. والحقيقة العقل الما قابل للتناقض هو العقل الكلي، اللي كان يسمي العقل الالهي.. ده العقل الما قابل للتناقض.. لكن العقول البشرية، العقول الكبيرة، تقرب تتخلص من التناقض حتى لكأنها ما متناقضة.. لكن تناقضها يظهر بالقياس بالعقل المطلق.. تناقضها يظهر بالقياس بالعقل المطلق، إذا قيست بالعقول الثانية كأنها ما متناقضة.
(......) المرحلة دي هي مرحلة السلوك.. السير من الله واليه، او زي ما قلنا قبيلك سيرك منك وصولك اليك.. ((وان الى ربك الرجعى))، معناها نحن انطلقنا من الله وراجعين لله.. ((وان الى ربك الرجعى))، ((وان الى ربك المنتهى))، الدائرة دي بيرسمها السلوك، والسلوك هو في الاول كبت، وفي الآخر خلاص من الكبت.. في الاول خوف، وفي الآخر تحرر من الخوف.. لولا الخوف ما اتقدمنا، وإذا ما اتحررنا من الخوف لا نكمُل.. لولا الخوف ما كنا اتقدمنا في المكان الاول، وإذا ما اتحررنا من الخوف لا نكمل في المكان الثاني.. والصوفية زي ما قلنا قالوا السير لله خطوتين، خطوة هنا وخطوة عنده، قصدوا بيها ده.. السير لله خطوتين، يعني خطوة في ان توحد الخوف كله في الله، فلا تخاف العناصر الاخرى كلها، لانها لاتستطيع ان تنفعك او تضرك الا بشيء كتبه الله ليك او عليك.. لو اجتمع العالم كله لايضرك الا بشيء كتبه الله عليك، ولو اجتمع العالم كله لينفعك لا ينفعك الا بشيء كتبه الله ليك.. فإذن رأس الحكمة ان تخاف الله، موش ان تخاف العوالم الاخرى والاحياء الآخرين.. ده سموه توحيد الخوف في الله، ودي معنى (لا إله الا الله) في المرتبة دي.. (لا إله الا الله) معناها لا نفع ولا ضر الا منه.. دي الخطوة الهنا، بعدين الخطوة الهناك ان تعرف انه الله ما بخافوا منه.. الله بيحب ويؤنس بيه، ويطمأن ليه.. المحبة تنفي الخوف دي الخطوة الهناك.. السير لله خطوتين، خطوه هنا وخطوة هناك.. وده نفس الصورة النحن عندنا هسع، في مسألة انطلاقك من الفطرة بمصادمتك للواقع ثم مصارعتك للواقع لغاية ما تعرفه، وتكيف وجودك معاه، ترجع تلقى انه الواقع هو مظاهر الله.. ما نراه نحن في الوجود مما نحب ونكره هو المظاهر الالهية في حِكمها، فإذا أوجدنا المصالحة بيننا وبينها، انتفى الخوف وجاءت الطمأنينة والمحبة، وسكنت النفوس وانتهت القسمة والتنافر.. وجاءت الفطرة السليمة مره تانية..
الموضوع دا هو موضوع في غاية الاهمية.. زي ما نحن بنقول دائما، وهو موضوع سلوكي يحتاج ليه كل انسان، وكل ما نوقش، كل ما دقائقه وضعت تحت مجهر لتكون ظاهرة.. وكل ما أصبحت الرؤيا واضحة للسالكين كلما كان سلوكهم مؤمّن وسريع وعلمي.. ولذلك ده موضوع بنتركه للخميس المقبل، إذا كان الخميس المقبل وصلنا الى نتيجة واضحة في اذهان الناس كان وبها، والا فلا أسف على ما يُصرف من الزمن في الاتجاه ده، ويمكن ان يكون الخميس البعده، وهكذا الى أن تُتوج المسألة دي بصورة تخلي الرؤيا في مراحل السلوك وعيوب السلوك ومقدرة النفس على ان تتخلص منها والوصول الى الصفاء بعد الكدر، والوصول الي الانسجام بعد التشويش الداخلي، ده هو غاية السالك، ودي أهميتها كبيره جدا، وما بنأسف على أي زمن نضيعه قبل ما تتبيّن.. الي ان تتبين حتى يتم الموضوع ده.