إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search
الدستور والحقوق الأساسية
نادي أبناء أرض الحجر

الأربعاء ١٩ مارس ١٩٦٩

الجزء العاشر

((١٠))

الأستاذ: نبدأ بالـ ..، لو بدينا بالسؤال الأخير، نبدأ بالسؤال الأخير. القصة بالصورة دي هي في الحقيقة خطأ، القصة الواردة زي ما ذكر السيد، هو قال إنه النبي رأي رؤية، وأنه رؤية الأنبياء وحي. في الرؤية، الرؤية وحي، لكن إذا كان عنده أمر في الوحي دا ما بستشير. أصلو الشورى مش في الحاجة الفيها وحي، في الأمور الما فيها وحي. بعدين الرؤية ما كانت في مسألة الخروج ولاَّ الدخول. الرؤية كانت أنه نبينا رأى إنه الوقعة حصلت، وأنه هو قاتل وسيفه انترم، وأنه رجع للمدينة وحاقب كبش وراهو. فقالو ليهو ما أولتها يارسول الله؟ قال أما ترمة السيف فيموت رجل من أهل بيتي، وأما الكبش الذي حقبته، فأقتل سيد الكتيبة. أما ما فيها مسألة إنه يخرج أو ما يخرج . بعدين جات القصة في إنه هو قال إنه نقاتل في المدينة، وأنه النساء يطلعن في البيوت ويرمن الحجار، نديهن حجار كتيرة، يرموا الحجار على المقاتلين من المشركين البمروا، ونحنا نقاتل من بيت لي بيت. فهم، بعض الشبان قالوا لا، نحن نخرج ليهم في جبل أحد برة. الرأي دا، لو كان نبينا عنده ترجيح ليهو، أنه ما يخرج، أصلو ما كان في موضوع تاني. كان يقول إنه نبقى في المدينة. لكن لمن ما كان عنده رأي محتم عليه، هو أبدأ رأي، لمن هم أبدوا رأيهم التاني، وشاف حماسهم، وما كان عنده توكيد لي رأيه ليصر عليه، نزل عند رأيهم. فدخل لبس، لمن كان بلبس بعض الشيوخ قالوا للشباب والله ما أحسنتم، حملتم رسول الله على ما لم يكن قد اقترح أو على ما لم يرد. فلمن خرج، قالوا ليهو والله يا رسول الله إنا نعتذر إليك مما بدرنا منا، فافعل ما أنت رائي، أو ما تختار، نبقى في المدينة. قال "ما كان لرسول أن يضع لأمته بعد أن لبسها، نخرج"، فخرجوا. الموضوع بتاع الشورى ما بيؤخذ، أنا الكلام دا ما قلته، قبيلك أنا قلت ليكم في الحوادث التاريخية ما حصل إنه نبينا شاور وخالف، لكن دا ما بيؤخذ منو إنه الشورى ملزمة. والحقيقة بداهة لفهم أي إنسان أنك كقاصر، لا يمكن أن يكون رأيك ملزم للرشيد اللي هو وصي عليك. ونحنا جبنا ليكم مثل في مسألة المجلس الاستشاري لشمال السودان، وفيه كل ممارستنا وعملنا ومعرفتنا، أنه ما في هيئة استشارية ملزمة. المستشار ليك، حتى يكون مستشار في المسائل الفنية، وإنت حاكم ماك فني، قد تخالف استشارته. الاستشارة لتنوير الحاكم، ولكن ما ملزمة. ثم إنه جاءت مسألة أبو بكر، أبو بكر شاور في مسألة الردة. بعض الناس، حتى عمر، أشاروا بأنه نحن لا طاقة لنا بالعرب. قالوا بعضهم، أنه هم، قالوا إنه هم مسلمين، بقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلو كان المسألة مسألة شورى كان الأمر إتلبس على أبو بكر، لكن أبوبكر قال: "والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لحاربتهم عليه حتى يؤدوه". ولمن قال ليهو، نبينا قال "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها"، قال :"أو ليست الزكاة حق المال؟" من هنا رجعوا الناس. كأنه شاور، وأخد رأيه هو في الجانب، لمن وضح ليهو أنه رأيه صحيح. بعدين جاء عمر، بشاور وبخالف. جاء عثمان، الفتنة الكبرى ذاتها في مسألة الشورى. الناس اللي التفوا حول المسألة، قالوا ليهو أخلع نفسك. قال: "والله لا أخلع ثوباً ألبسني الله إياه"، فاضطروا لقتله. بعدين جاءت الفتنة، تطورت الحرب بين علي ومعاوية، جاء معاوية، ما بشاور. فدي مراحل من الوضع في مسألة الشورى، الشورى ما ملزمة، على اعتبار إنه الخلفاء اللي جوا عندهم وراثة نبوية، هم على القدم النبوي. والشورى ذاتها، هي أن تشاور أهل الحل والعقد، في المصر الواحد. لو كنت أنت بتحكم السودان كله، تشاور ناس الخرطوم. وأهل الحل والعقد يعني إنت ترى زيد وعبيد وعمرو وسعيد، ترسل ليهم. إنت ذاتك البتستشيرهم بتختارهم، ثم يجيئوا يشيروا عليك برأي تستنير بيهو في وضعك، وقد تطرحه كله. فإذاً مسألة الشورى كونها ملزمة ما بتؤخذ من سياقة التاريخ، وأنا قلت ليكم العبارة دي، لكن بتؤخذ من الفهم العام والثقافة العامة والسبب في الشورى شنو؟ أنه الناس في مستوى الديمقراطية ما قدروا يعيشوا، سحبت آيات الديمقراطية "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" سحبت. لمن نزل للشورى، ونزل للإكراه على الدين، لي شنو نزل؟ لأنه الناس ما رشيدين. النبي رشيد، جعل وصي عليهم. أنا ما أفتكر أي واحد، بأبسط ثقافة، يفتكر إنه القاصر يشير على الوصي الرشيد، ثم الرشيد يطيع. دا ما بكون.
لمن نجي نحنا للسؤال التاني، اللهوَ تعديل الدستور، المعدل سنة أربعة وستين في تعديل المادة خمسة- إتنين ال قلنا، الدستور، توصيات سنة سبعة وستين قايمة عليها، قايمة على توصيات سنة سبعة وستين. قلنا أن توصيات سنة سبعة وستين لاها دستور علماني ولاها دستور إسلامي. يبقى السؤال بأنه لو كانت فيها المادة خمسة - إتنين ما معدلة، هل بتكون مرضية عند المحاضر؟ ما بتكون مرضية لأنه أنا قلت إنه غير الدستور الإسلامي ما في حاجة للبلد دا، وهي ما دستور إسلامي. إذاً السؤال مجاب عليه فعلاً في كلامنا النحن قلناه.
نجي لي مسألة الأصالة ومسألة التقليد. أصلو القيمة في دي، الفردية والتبعية، الفردية والجماعية. في الشريعة لابد أن يكون في تعميم. يعني ما ممكن يكون في الشريعة كل رأس براه عنده شريعة. أها دي بتجي الشريعة الجماعية، "صلوا كما رأيتموني أصلي"، يعني قلدوني. بعدين لمن نحن نسير بتقليد نبينا في المراقي، زي ما قلت ليك قبيل، لمن قال "ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا". ما آتانا، آتانا حاله، اللهي أخلاقه، وآتانا عمله، اللي هو عبادته. كأنه لمن قال "صلوا كما رأيتموني أصلي"، كأنه قال قلدوني في عملي ليثمر ليكم عملي حالي، لتقلدوني في حالي. أها الحال، حالته الأصالة، الفردية. لأنه أصلو الشريعة وسيلة للحقيقة، والحقيقة مقام فردية. يعني "يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاَ فملاقيه"، ملاقاة الله لو نحن فهمناها، مش بنمشي ليهو في السماء ولا في الأرض ولا في مكة. ملاقاتنا ليهو بأن تقرب صفاتنا من صفاته. دي ملاقاته، لأنه الله في قلوبنا، ولا في السماء ولا في الأرض.. قال "ما وسعني أرضي ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن". فلمن تلاقي الله في نفسك، إنت حققت فرديتك. أها هنا الأصالة في الأصل، التكليف الأصلي هو الأصالة، التكليف الفرعي هو التقليد. والتقليد ما هو غاية في ذاته، التقليد وسيلة للأصالة. وأنا أفتكر إنه أي واحد مننا، برضو في الثقافة العامة يفهم إنه المقلد والأصيل مش في مستوى واحد. الشاعر المقلد، مثلاً، لا يمكن أن يكون زي الشاعر الأصيل، الفنان المقلد، العارف المقلد، الإنسان ساي، الشخصية المُقلِدة ممحوة في الشخصية المقَلدة. ولا يمكن أنت أن تقول المقلد والأصيل في مستوى واحد. إذا كان المقلِد أنقص من الأصيل، يبقى يجيك السؤال: هل ديننا بوصل للأصالة ولا بقصر دونها ليجعلنا مقلدين سرمداً. إذا كان ديننا بوصل للأصالة، يبقى كلامنا نحن عن الأصالة حق. يبقى، كيف بتكون الأصالة؟ أها الأصالة دي، هي السر البيكون بين العبد وربه في ممارسته لي عبادته، لكن إنت الحاجة اللي تسأل منها، كيف تصل للأصالة؟ قلد بإتقان. إذا كان قلدت نبينا بإتقان في عمله، تصل لأن تكون كحاله، تتلقى من الله، تتلقى من الله بلا واسطة، بفضل تبليغه هوَ. لمن جاء المقام بتاع الفردية في الصلاة، كان جبريل ماشي قدامه باستمرار، يفتح السماء الأولى، والسماء التانية، لغاية ما جاء في سدرة المنتهى، جبريل وقف. ففي الحديث في المعراج قال ليهو "تقدم، أهذا مكانٌ يترك فيه الخليل خليله"، قال جبريل "هذا مقامي ولو تقدمت خطوةً لاحترقت"، فسقطت الواسطة هنا، بدأ الشهود الذاتي. نبينا يسوق كل واحد مننا للمقام دا ويقول ليهو "ها أنت وربك". كل واحد يبرز لمقام فرديته ويعطى شريعته الفردية بلا واسطة. إنت عايز تصل للحكاية دي، قلد بإتقان. ومعنى التقليد بإتقان، أجعل صلاتك معراج، مش تقول أنا قالوا لي بس صلي وأهو بصلي. إذا كان صلاتك، تصلي ركعتين، إنت بعد الركعتين ماك أحسن رضى بالله منك قبل الركعتين، ما صليت. إذا كان عملت صلاتك وسيلة للقرب من الله والرضى بيهو، كل مرة بترتقي درجة. بتجي إنت بعدين تعرف، هل إنت في مقام التقليد باستمرار ولا بتجيك أصالتك. لكن قبل ما تجيك أصالتك، استمر في التقليد وأعرف إنه التقليد وسيلة، وأنو ما بكون وسيلة صحيحة إلا إذا كان كل يوم نقلك درجة لأنه معراج، والمعراج السلم. أنت هسع طالع للمالية بتعرف إنك لا بد أن تخت رجلك في الدرجة الأولى والتانية والتالتة والرابعة، ما بتجي في درجة وتقيف. البداهة دي نحنا في الصلاة ما عندنا. الصلاة معراج، معناها سلم طالع بيك لي الله، للصلة. إذا كان إنت أتقنت التقليد بالصورة دي، بيجيك المرحلة اللي تعرف فيها متين تكون صاحب أصالة، وصلاتك، أصالتك بتكون كيف. السؤال حقو يكون في الاتجاه العملي دا. أما الأصالة اللي الناس وصلوها، شكلها كيف؟ دا حاجة إمكن إنت تفهم ما دونها في شرحنا دا، ولا تفهمها هيِ. هل في الماضي حصل؟ دا سؤاله برضو، هل في الماضي حصل أنه ناس يعني وصلوا الأصالة؟ في أوكات كتيرة الناس إتكلموا، لكن ما إتكلموا بالصورة النحنا بنتكلم بيها. يعني، مثلاً الناس اللي قالوا "وفي طنطا قالوا صلاتي تركتها ولم يعلموا أني أصلي بمكةِ". أهنا هنا إنتو تسمعوا قالوا يقولوا مثلاً فلان بصلي في مكة، العامة يفتكروا إنه هو بيطير يمشي في مكة يصلي ويجي. هم قالوا في المعاريض مندوحة عن الكذب. هو قال إنه بصلي في مكة، هو من جانبه صاح، مش بالتفصيل العند ذهن السامع، لكنه ما هو كاذب، حتى عند السامع، لأنه عرض لي قضية، دا إفتكر إنه بصلي في مكة، إنتهت المسألة. لكن حقيقته أنه هو لمان يصل لمقام الفردية، بيجد الله في نفسه، دا مقام الفردية معناهو، لمن يكون التوحيد صفتك، بتشوف الواحد بالتوحيد. الله ما بيرى بعيني الرأس "لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار"، لكن إذا التوحيد حقق ليك الوحدة، مش بقيت صاحب عينين، أصبح، زي الحكاية الحصلت لي نبينا، أصبح وحدة، زي ما قال عنو "ما زاغ البصر وما طغى"، بالوحدة يرى الواحد. في الوقت داك إنت تعرف مكتك هي شنو. لكن هم لمن قالوا المسألة دي، وما ذهبوا في الشرح فيها، أسكتوا ألسنة الناس. نحنا لأننا دعاة الفكر الإسلامي لقمته، ليصل لمرحلة ما بيجارى فيها، أصبحنا بنعرض رأينا على الناس. الشوشرة دي كلها قايمة، لأنه نحنا لابد أن نكون واضحين. يعني نحن ما بيغنينا أن نقول مثلاً أن نستر حالنا وأن نقول أنا بصلي في مكة مثلاً، أو أن ندس المسألة دي من الناس، نحنا واجهنا بيها الناس لأنه فعلاً الإسلام لولا أنه بيرتفع إلى مقام الفردية، بيحقق الفردية الناضجة ما بكون عنده امتياز واضح على الفلسفات الأخرى. لو إنت قلت الإسلام اشتراكي، الاشتراكية في، لو قلت الإسلام ديمقراطي، الديمقراطية في.. لكن بتنقطع حيل الناس لمن تجي للقمة في أنه الإسلام بحقق الفردية المطلقة. والعبارة في تحقق الفردية المطلقة "تخلقوا بأخلاق الله"، "تخلقوا بأخلاق الله" أو الكلام القبيل قلناهو من تقريب صفات العبد من صفات الرب اللهي الوحدانية، الفيها "ليس كمثله شيء"، دي كلها صفات يتصف بيها العبد لمن يحقق التوحيد. فالأصالة أصل في ديننا، ولولا أنه المقدار دا منها ضروري للدعوة للدستور الإسلامي، ضروري للدعوة لبعث الإسلام، ضروري لي أن يكون الإسلام هو الفلسفة اللي ما بتقارن بيها الماركسية أو الوجودية، أو غيرها من الفلسفات، لما أحوجنا أنفسنا لأن نشرحه. فالإجابة على: هل حصل لي ناس قبل كدا؟ حصل، لكن ستروا حالهم بالمعاريض وظنوها الناس ظن، وهي عندهم ظن آخر.