إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

لا إله إلا الله

عند شهود الذات يرفع حجاب الفكر:


نبينا في المعراج حصلت ليه الحكاية دي، في المراقي، وهو حكى عنها، فالمعراج أولا كان في الأرض، وهذا هو الإسراء ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، دا سير في الأرض بالليل، دا إسراء.. بعدين من المسجد الأقصى، كان السير إلى السموات، وجاءت القصة بأن ينقر باب السموات (قيل من؟ قال جبريل.. قيل ومن معك؟ قال محمد.. قيل أو أرسل إليه؟ قال نعم.. ففتح لنا) وهكذا لغاية ما جاء في السماء السابع.. بعدها سار إلى سدرة المنتهى.. بعدها سار إلى درجات الإطلاق، في شهود الذات.. هنا في سدرة المنتهى، تخلف جبريل.. في الحديث أن نبينا قال له: (تقدم، أهذا مكان يترك فيه الخليل خليله؟ فقال جبريل: هذا مقامي، ولو تقدمت خطوة لاحترقت) فسار نبينا يزج به في أنوار القرب لغاية ما بلغ المقام الذي حكى عنه القرآن، حيث قال: (إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى).. (إذ يغشى السدرة ما يغشى) من التجلي الإلهي، و(ما زاغ البصر) الفكر من نبينا.. (ما زاغ) يعني ما فكر في الماضي.. ما اشتغل بما ترك في مكة.. و(وما طغى) يعني ما فكر في المستقبل.. اشتغل بما قد يحدث ليه، وإنما كان مستغرقا في اللحظة الكان فيها..
واللحظة الكان فيها يمكنك أن تصغرها لغاية ما تكون ما ها زمن.. يعني لو تصورت الزمن الثانية.. وفي الحقيقة في أصغر من الثانية.. في الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة.. وكل واحدة من هذه أصغر من التي فوقها ستين مرة.. فإذا تصورت وحدة زمنية من هذه الوحدات، وقسمتها لبليون جزء، أي صورة تتصورها من هذه الوحدة الزمنية، أو قل تعجز عن تصورها، دي هي موقف (ما زاغ البصر وما طغى) في الدقة.. كأنو نبينا لما سار في التجليات الإلهية عليه انشغل عن كل شيء إلا بما يشاهد.. والحقيقة دي الإنسان في معيشته اليومية يمكن أن يذوق طرف منها.. مثلا لو كنت من عشاق السينما.. أو الكرة.. ودخلت فيلم في السينما.. وكان الفيلم جيد جدا، بتشتغل أنت بالصور البتظهر ليك من الشاشة، والحركات والكلمات البتقال من الممثلين بصورة لا يمكن أن تنشغل معاها في اللحظة ديك بالماضي ولا بالمستقبل.. أنت مشدود لما ترى.. قد يكون الفلم ساعتين.. أو ثلاثة ساعات.. وينتهي وكأنه ربع ساعة أو كأنه ما هو زمن، حسب استغراقك في الوضع دا.. دي صورة تعطي قريب من المثل ولكن المثل لا يعطى كله.. ابلغ ما وصف به هذا المشهد هو وصف القرآن.. لكن نحن برضو يمكن نشوف في مشاهدنا اليومية أن الإنسان فكره زي بندول الساعة.. الساعة الدقاقة المعلقة في الحائط موش عندها قرص معلق يمشي كدي وكدي؟؟ كل واحد مننا فكره بالصورة دي.. لو أنت هسع تقوم تصلي، مجرد من تدخل في الصلاة.. مثلا جيت من الدكان.. اتوضيت للظهر.. وقبل ما يجيبو ليك الغداء، قمت تصلي حالا تلقى فكرك انشغل بالدكان عملت فيه شنو؟؟ يعني آخر حاجة وصلتك شنو؟؟ الفلوس ختيتم في الدرج أم ختيتم في الخزنة؟ مفتاح الخزنة ختيته وين؟ في كتابات وصلتك عن فواتير أو رسائل جاياك؟ بعدين مجرد من تظهر ليك حاجة معينة تشغل بالك، طوالي من الماضي فكرك ينحدف للمستقبل، تقول أنا لما انتهي من هنا، وآخذ راحتي، امشي أضرب تلفون لفلان، واتصل بفلان، وأسأل المحطة هل الرسالة وصلت؟ أو بتاع زي دا.. نلقى باستمرار دي الحالة.. أها دي نفيت عن النبي قال عنه (ما زاغ البصر، وما طغى) يعني ما اشتغل بالمرجحة دي.. والحقيقة صلاته فرضت ليه هناك.. هو لما قال: (الصلاة صلة بين العبد وربه).. يعني المقام دا.. صلاته فرضت هنا.. المقام دا جبريل ما حاضرو.. ما حاضرو ليه؟؟ لأن جبريل لا يطيق شهود ذات الله..