خاتمة
صلوا!! فإنكم لا تصلون.. هذا الحديث يساق إلى كل ا
لمس
لمين.. ويساق، بصورة خاصة، إلى الذين يعمرون
منهم ا
لمساجد، اليوم، ويستشعرون الرضا عن أنفسهم.. صلوا!! فإنكم الآن لا تصلون.. ولا تغرنكم هذه الحركات الآلية التي تؤدونها، فإنها لا روح فيها.. إنها
((جثة بلا روح
))، بدليل أن أخلاقكم ليست أخلاق ا
لمس
لمين.. و
لم يقل النبي الكريم:
((الدين العبادة
)).. وإنما قال:
((الدين ا
لمعاملة..
)).. وفي ا
لمعاملة الحسنة ـــ ا
لمعاملة الإسلامية ـــ العبادة موجودة.. لأن
((الأخلاق الإسلامية
)) إنما هي ثمرة
((العبادة الإسلامية
)).. ولكن قد تكون هناك عبادة بلا معاملة.. وهذه إنما تعتبر عبادة باطلة.. إن صلاة ا
لمس
لمين، اليوم، هي الصلاة التي قال عنها القرآن:
((فويل لل
مصلين * الذين هم عن
صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * وي
منعون ا
لماعون..
))، سماهم
((مصلين
)) لأن هيئتهم هيئة الصلاة، وحركاتهم حركات الصلاة.. وتوعدهم
((بالويل
)) لأن
((صلاتهم
)) بلا محتوى،
صلاتهم بلا روح.. والذي هم عنه ساهون فإنما هي روح الصلاة في الصلاة ـــ إنما هي صلاة
((الصلة
)) في صلاة
((ا
لمعراج
)) ــــ وقد شرحنا ذلك.. هم عن هذه ساهون.. ثم قال:
((وي
منعون ا
لماعون
))، أشار
((با
لماعون
)) هنا إلى
((القلوب
)).. وعنى بقوله
((وي
منعون
)) ا
لماعون أنهم قد ملأوا القلوب بأصنام الدنيا، ومطامعها، ف
لم يتركوا فيها مكاناً لله.. و
من هذه الآيات جاء حديثان كريمان.. أما أحدهما فيكاد يكون في مستوى وعيد الآية، وهو:
((رب مصل لم تزده
صلاته من الله إلا بعدا
)).. وهذا ينطبق على صلاة بعض ال
مصلين
من الناس اليوم.. وأما ثانيهما فهو:
((رب مصل لم يقم الصلاة
)).. وهذا ينطبق على صلاة سائر الناس، في يو
منا الحاضر..
والحقيقة التي يحسن با
لمس
لمين ألا يذهلوا عنها، هي: أن الإسلام، اليوم، إنما هو في ا
لمصحف فقط، وأنه قد مات في صدور الرجال، والنساء، ويحتاج إلى بعث.. وهناك حديثان، أنذر بهما ا
لمعصوم هذه الأمة في أخريات أيامها، قال في أحدهما:
((يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كتداعي الأكلة على القصعة.. قالوا: أو
من قلة نحن، يومئذ، يا رسول
الله؟؟ قال: بل أنتم، يومئذ، كثير، ولكنكم غثاء، كغثاء السيل، لا يبالي
الله بكم!!
)).. والغثاء هو
((الدفيس
)) الذي يحمله السيل.. وأشار بقوله:
((لا يبالي
الله بكم
))، إلى أنكم لا وزن لكم، كالغثاء.. والناس لا يكون لهم وزن عند
الله عندما تكون قلوبهم خالية
من لا إله
إلا الله)) لأن حديث النبي يقول: (مثقال ذرةٍ
من ((لا إله
إلا الله)) أثقل
من جبل أحد) وحديثه الآخر: (لا يدخل النار
من كان في قلبه مثقال ذرةٍ
من ((لا إله
إلا الله))).. وحديث الإنذار الآخر هو قوله:
((لتتبعن سنن
من كان قبلكم، شبراً، بشبرٍ، وذراعاً، بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ خ
رب لدخلتموه!! قالوا: أأليهود، والنصارى؟؟ قال: ف
من؟
)).. واتباعنا لسنن هؤلاء ظاهر لا يحتاج إلى إشارة.. فكأننا نحن ا
لمس
لمين، اليوم، نذهب لله في ا
لمسجد، في الأوقات، ونصلي، ولكننا لا نشعر بوجوده حين نتعامل في السوق.. حين نتعامل بال
ربا، ونكسب بوجوه الكسب ا
لمحظورة، ونغش، ونكذب، وندلس..
والحوادث، والعبر، التي تؤكد ل
لمس
لمين أنهم ليسوا على شيء كثيرة، ولكن أهمها مشكلة الشرق الأوسط مع إسرائيل، فقد انهزم ا
لمس
لمون فيها عام 1948، وعام 1956، وعام 1967، ولا يزال شبح الهزيمة يتابعهم.. يقول
الله تعالى:
((الذين يتخذون الكافرين أولياء
من دون ا
لمؤ
منين، أيبتغون عندهم العزة؟؟ فإن العزة لله جميعاً
)).. ويقول تعالى، عن ا
لمنافقين:
((يقولون: لئن رجعنا إلى ا
لمدينة ليخرجن الأعز
منها الأذل.. ولله العزة، ولرسوله، ول
لمؤ
منين.. ولكن ا
لمنافقين لا يع
لمون
)) ويقول تعالى:
((يا أيها الذين آ
منوا!! إن تنصروا
الله ينصركم، ويثبت أقدامكم
)).. ويقول تعالى:
((ولن يجعل
الله للكافرين على ا
لمؤ
منين سبيلا
)).. ذلك وعد
الله، وهو وعد غير مكذوب.. ومع ذلك فقد جعل
الله لليهود على ا
لمس
لمين سبيلا، بل أكثر
من سبيل.. ف
لم يبق
إلا أن ا
لمس
لمين ليسوا على شيء
((تحسبهم جميعاً، وقلوبهم شتى..
))
وفي حين أن النبي أنذر الأمة، في أخريات الأيام، فإنه أيضاً قد بشرها، وذلك حيث قال:
((بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً، كما بدأ.. فطوبى للغ
رباء!! قالوا:
من الغ
رباء يا رسول
الله؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها..
)) وفي رواية أخرى، عندما سألوه عن الغ
رباء، فقالوا:
من الغ
رباء يا رسول
الله؟؟ قال:
((فئةٌ قليلة مهتدية، في فئة كبيرة ضالة
))..
الصلاة ماتت!
إن الصلاة ميتة اليوم.. هي، كما يؤديها الناس، اليوم، جثة بلا روح. والدعوة التي يقوم بها الجمهوريون، اليوم، ويلقون في سبيلها ما يلقون، إنما هي
من أجل بعث الصلاة..
من أجل بعث:
((لا إله
إلا الله))، لتكون دافئة، حية، خلاقة، في قلوب الرجال، والنساء، كعهدنا بها حين خرجت
من منجمها، وانطلقت، في شعاب مكة، في مستهل القرن السابع ا
لميلادي.. ولن تعود الصلاة حية
إلا إذا دخل فيها الفكر، فجددها.. وإنما بدخول الفكر على العبادة يكون بعث
((السنة
)).. وذلك ما عناه ا
لمعصوم حين قال:
((الذين يحيون سنتي بعد اندثارها
)).. ولقد بينا في هذا الكتاب: كيف أن
((السنة
)) فكر يحا
رب العادة.. هي فكر يأخذ بداياته في بساطة شديدة، وذلك بتقديم ا
لميا
من على ا
لمياسر، في العبادة، وفي العادة.. وعودة الفكر إلى الحياة، وإلى الصلاة، في وقتنا الحاضر، يمكن أن تكون في مثل هذه البساطة وأول ما نبدأ به، هو أن نقرر أن الصلاة وسيلة، وليست غاية.. وتقرير كون الصلاة وسيلة لا يحتاج
منا إلى تخريج، أو تأويل.. ذلك بأن ظاهر نص القرآن صريح فيها.. ولقد تحدثنا عن ذلك في موضع آخر
من هذا الكتاب.. فإذا كانت
((وسيلة
)) فإن أدنى الذكاء يطالبنا بأن ننظر في عملنا: هل نحن متقدمون
((بالوسيلة
)) نحو
((الغاية
))، أم هل نحن نقف بها في أول مراحلها؟؟ إن ا
لمعصوم قد قال:
((الصلاة معراج العبد إلى
ربه
)).. و
((ا
لمعراج
)) معناه
((الس
لم)).. وأنت، إذا كنت ذاهباً، لغرض يخصك، إلى مكتب يقع في الدور الثاني،
من عمارة، مثلاً، فإنك، بداهةً، لا تقف في الدرجة الأولى،
من درجات
((الس
لم)) الصاعد إلى الدور الثاني.. هذا أمر لا يحتاج
منك إلى تفكير، وإنما تنطلق رجلاك، انطلاقاً تلقائياً، تصعد درجات
((الس
لم)).. يجري
منك هذا، لأنك تعرف إلى أين أنت ذاهب، ولا يمكن، بحال
من الأحوال، أن تقف عند الدرجة الأولى
من الس
لم.. ومع ذلك، فإن ا
لمس
لمين، اليوم،
من الناحية الروحية، يقفون عند أول
((الس
لم)) ولا ينطلقون في درجاته..
لماذا؟؟ الجواب قريب!! لأنهم، روحياً، لا يعرفون إلى أين هم ذاهبون!! فأصبحوا يتحركون في حلقة مفرغة، كجمل العصارة، يسير مغمض العينين.. يسير،
من غير أن يقطع مسافة:
وعن مذهبي، لما استحبوا العمى، على * الهدى، حسداً، من عند أنفسهم، ضلوا،
وهم في السرى.. لم يبرحوا من مكانهم.. * وما ظعنوا في السير عنه.. وقد كلوا..
((الصلاة معراج العبد إلى
ربه
)) توجب علينا أن نصلي، وأن نقيس صلاتنا.. هل نعرج بها كل لحظة إلى
الله؟؟ وقياسنا هو مبلغ رضانا ب
الله.. هل نحن، بعد أن صلينا ركعتين، مثلاً، قد صرنا أرضى ب
الله منا قبل أن نصلي؟؟ هل نحن أسخى يداً، وأطيب نفساً، وأس
لم قلباً، وأصفى فكراً، بعد الصلاة،
منا، قبل الصلاة؟؟ فإن كنا كذلك فإن صلاتنا مؤدية توسيلها إلى
الله.. وكون الصلاة وسيلة إلى الرضا ب
الله فقد ورد في ظاهر النص في قوله تعالى:
((فاصبر على ما يقولون، وسبح بحمد
ربك، قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، و
من آناء الليل، فسبح، وأطراف النهار.. لعلك ترضى
)).. قوله، هنا،
((وسبح
)) معناها
((وصل
)).. وقد جاء، في هذه الآية، بأوقات الصلاة الخمسة..
((لعلك ترضى
))..
((الرضا
)) هو
((العلة
)) وراء الصلاة.. و
((الرضا
)) هو
((العبودية
)) لله.. تكون له عبداً، وترضى به
رباً، لا تعترض على تدبيره إياك.. وهذا هو ا
لمعني بالحديث:
((الصلاة معراج العبد إلى
ربه
)) لأن العروج إلى ال
رب لا يكون بقطع ا
لمسافة، وإنما هو بالع
لم.. فإذا استعملت الصلاة حتى عرفت
ربك، وحتى تأدبت معه بما يليق له، فقد عرجت بالصلاة إليه.. ويجب أن يكون واضحاً فإن حكم
((الوقت
)) قد جعل آيات
((النفوس
)) أهم
من آيات
((الآفاق
)).. ويجب أن يكون واضحاً أيضاً فإن بركة الصلاة، إن
لم تشعر بها: رضا بال، وطمأنينة نفس، وصفاء فكر، فإنها صلاة باطلة.. ولقد قال العارفون: إن
الله أكرم
من أن تعامله حاضراً ويعاملك نسيئة ـ تصلي له الآن ويأجرك في الآخرة!! إنه هو تبارك وتعالى، يأمرنا في شرعه، أن ندفع للأجير أجره، قبل أن يجف عرقه، فكيف لا ننتظره أن يفعل بنا مثل هذا الصنيع، على أيسر تقدير؟؟ أ
لم يقل
الله:
((ادعوني أستجب لكم؟؟
)) بلى!! إنه قد قال.. أجر
الله على الصلاة
((هاك بهاك
)).. فإن
لم يكن الأمر، بالنسبة إليك كذلك، فأع
لم، إنك م
من يصلون و
لم يقيموا الصلاة:
((رب مصل لم يقم الصلاة
)).. وأنت، إن كنت
من العارفين بقدر نفسك، ا
لمتواضعين، فلا تستبعد أن تكون
من الوارد في حقهم الوعيد:
((رب مصل لم تزده
صلاته،
من الله،
إلا بعداً)).. يقول، جل
من قائل:
((وكل إنسان ألز
مناه طائره في عنقه، ونخرج له، يوم القيامة، كتاباً يلقاه
منشورا * اقرأ كتابك.. كفى بنفسك، اليوم، عليك حسيبا
)).. كتابك هذا هو قلبك.. وكل خير تعمله يكتب فيه، لتوه.. وكل شر تعمله يكتب فيه، لتوه.. والقاعدة قول
الله تعالى:
((ف
من يعمل مثقال ذرةٍ خيراً، يره * و
من يعمل مثقال ذرةٍ شراً، يره
)) فإن أنت صليت ركعتين، مثلاً، نفلاً، ثم انصرفت
من مصلاك، وأنت لا تجد، في قلبك، شيئاً
من ((الرضا
)) أورثتك إياه هاتان الركعتان فلا يقو
من ببالك أنهما مكتوبتان في مكان آخر، وتجد أجرك عليهما يوم القيامة.. إن الكتاب عندك، ففتش نفسك، ولا تكن
من الغافلين.. أ
لم يقل ا
لمعصوم:
((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا؟؟
))
إن صلاة
((ا
لمعراج
)) ــــ الصلاة الشرعية ــــ وسيلة إلى صلاة
((الصلة
)).. فنحن إنما لنا صلاتان: صلاة كبرى، وهذه
لم يكن جبريل حاضراً فرضيتها، وإنما فرضت على النبي وقد سقطت،
من بينه وبين
ربه، وساطة جبريل.. وأخبرنا عنها النبي فقال:
((الصلاة صلة بين العبد و
ربه
)).. وصلاة صغرى، وهذه قد جاء جبريل بكيفيتها، وأوقاتها.. وأخبرنا عنها النبي فقال:
((الصلاة معراج العبد إلى
ربه
)) ولقد أمر تعالى النبي أن يعرج بصلاة
((ا
لمعراج
)) إلى صلاة
((الصلة
)).. قال تعالى في حقه:
((و
من الليل فتهجد به نافلة لك.. عسى أن يبعثك
ربك مقاماً محمودا!!
)) فصلى النبي صلاة معراجه يرتقي بها، كل يوم، إلى صلاة الصلة.. وندبنا نحن لنصلي صلاة معراجنا، لنسير بها، كل يوم، إلى صلاة صلتنا.. وصلاة ا
لمعراج هي شريعته الخاصة به، كنبي.. وهي شريعته لأمته، كرسول.. يجيء
من هذا الوضع أننا نصلي صلاة ا
لمعراج،
من حيث الهيئة، كما يصليها، غير أنه هو أصيل، ونحن مقلدون.. ولقد جاءت عبارته لنا في التقليد هكذا:
((صلوا كما رأيتموني أصلي
)).. فإذا نحن استعملنا صلاة ا
لمعراج في تقليد النبي بإتقان ـ حركة أجسادنا، وحالة قلوبنا ـ فإننا نعرج بها إلى صلاة الصلة.. وبصلاة الصلة تتم العبودية.. وعند العبودية تسقط الواسطة، ويقوم العبد في مواجهة ال
رب..
إن الذي نحن عليه اليوم هو أصل الدين، وبفضل
الله، ثم بفضل حكم الوقت الحاضر ــ
((القرن العشرين
)) ــ ليس هناك دين
إلا إياه.. ذلك بأن عودة الإسلام لا تكون
إلا في مستوى حل مشكلة ا
لمجتمع الكوكبي ا
لمعاصر.. وقد ظهر عجز الفلسفات الاجتماعيات ا
لمعاصرة عن حل هذه ا
لمشكلة.. ومشكلة ا
لمجتمع الكوكبي ا
لمعاصر إنما تتمثل في إحلال السلام في الأرض.. ولا يحل السلام في الأرض
إلا إذا حل في كل نفس بشرية.. وإنما يستطيع الإسلام وحده أن يحل السلام، في كل نفس بشرية، لأن توكيده، في ا
لمكان الأول، على كل فرد بشري.. في الإسلام، الفرد البشري هو مدار التكليف، ومدار ا
لمسئولية، وكل شيء عداه وسيلة إليه، وبخاصة ا
لمجتمع.. وإنما جاءته هذه ا
لمقدرة على التنسيق بين الفرد والجماعة ـــ الفرد غاية، وا
لمجتمع وسيلة ــ
من كون تشريعه يقع على مستويين: مستوى الفرد ـ تشريع العبادة ـ ومستوى الجماعة ـ تشريع العادة
((ا
لمعاملة
)) ـ وا
لمحك الذي تقصر عنه جميع الفلسفات، وجميع الأديان، إنما هو هذا ا
لمحك.. هو ا
لمقدرة على التوفيق بين حاجة الفرد، وحاجة الجماعة...
لما كنا نحن، بفضل
الله علينا ندعو إلى عودة الإسلام، فقد التز
منا بإظهار هذه الحقيقة الكبرى.. وهي أن السالك، ا
لمجود لتقليد النبي، يبرز
من مستوى الشريعة الجماعية، إلى مستوى الشريعة الفردية.. ويكون بذلك قد أفضى به التقليد إلى الأصالة.. ويعطى شريعته الفردية
من الله، كفاحاً، بلا واسطة النبي.. وقد بينا، في هذا الكتاب، وفي غيره
من كتبنا، كيف أن النبي
((وسيلة
)) الشريعة، و
الله هو الذي
((يع
لم)) الحقيقة..
إن هذا الذي نقول به غريب على الناس.. ولكن، أ
لم يكن
((الإسلام
)) نفسه، حين جاء للناس، وهم في غفلتهم، غريباً عليهم.. أ
لم يطلع النبي الكريم عليهم، يوماً، وهم في فناء الكعبة، فقال:
((يا أيها الناس!! قولوا
((لا إله
إلا الله)) تفلحوا..؟؟ فنفروا
منه، واستغ
ربوا قوله، حتى لقد جاء القرآن يحكي عنهم، أنهم قالوا:
((أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟؟ إن هذا لشيء عجاب!!
)) أي شيء عجيب.. أي شيء غريب.. وإلى هذه أشار النبي الكريم حين قال:
((بدأ الإسلامُ غريباً، وسيعودُ غريباً، كما بدأ فطوبى للغ
رباء!! قالوا:
من الغ
رباء يا رسول
الله؟؟ قال: فئة قليلة مهتدية، في فئة كبيرة ضالة
)).. وأنتم، اليوم، إنما تستغ
ربون قولنا لأنه يستمد
من التوحيد، في مستوى جديد، يليق بقامة ا
لمجتمع الكوكبي ا
لمعاصر.. وأنتم قد أصبح التوحيد غريباً عليكم، حتى في مستواه السلفي.. فاتقوا
الله.. ولا تعجلوا أنفسكم عن
((الحق
)).. وكونوا أذكياء فاتهموا أنفسكم، قبل أن تتهموا الآخرين.. واع
لموا: أن الأرض اليوم تنتظر عودة الإسلام.. وليس لها
من سبيل إلى
((السلام
)) إلا ((الإسلام
)) عائداً في مستواه الذي ظلت جميع ا
لمجهودات البشرية، حين كانت تستلهم الأرض، وحين كانت تتصل بالسماء، ظلت، في جميع حالاتها، تعمل
لمجيئه.. لا تكونوا عقبة في سبيل
((الإسلام
))، كما تفعلون، اليوم، بمعارضة دعوة
((الخير
))، و
((الحق
)).. إنما أنتم، اليوم، أعداء في ثياب أصدقاء.. ولكن لا ضير!! فإن الإسلام لا يعادى.. هو أكبر
من الأعداء وقد تكفل
الله بنصرته.. أ
لم يقل، جل
من قائل:
((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.. وكفى ب
الله شهيدا
))؟؟ قوله: -
((وكفى ب
الله شهيدا
))، هو مصدر راحتنا وطمأنينة بالنا.. فلا تهتموا
إلا بأنفسكم!! فإنها، إن كانت تهمكم حقاً، فكونوا أعواناً
((للع
لم))، ولا تكونوا له أعداء، كما تفعلون اليوم..
اسمعوا قولي هذا!! فإن
((شريعة الإسلام
))، في أصلها، إنما هي شريعة فردية.. وكل ا
لمسئولية إنما هي دائماً فردية.. والقرآن يركز على الفردية، تركيزاً مستفيضاً.. ولقد مثلنا لهذه الفردية في العديد
من كتبنا، مما يغني عن الإعادة هنا.. فإننا نحن
لم نقل ما قلناه بالرأي الفطير، غير ا
لمؤدب بأدب الشريعة، وأدب الحقيقة.. و
لم نقل ما قلناه عن ظن، ولا عن شك.. وإنما هو الع
لم الصراح.. فإن ا
لمعصوم قد قال:
((إن
من الع
لم كهيئة ا
لمكنون، لا يع
لمه
إلا أهل الع
لم ب
الله.. فإذا تحدثوا به لا ينكره
إلا أهل الغرة ب
الله)).. وإني لأعيذكم ب
الله أن تكونوا
من أهل الغرة ب
الله.. وفي حين كانت شريعة الإسلام، في أصله،
((فردية
)) كانت شريعته، في الفرع،
((جماعية
)).. وما الشريعة الجماعية
إلا ((وسيلة
)) إلى الشريعة الفردية، وبقريب
من ا
لمستوى الذي به الجماعة
((وسيلة
)) لإنجاب الفرد الكامل.. والذي يذهل الناس عن هذه الحقيقة هو ظنهم أن الفردية التي يتحدث عنها القرآن لا تكون
إلا يوم القيامة، أخذاً
من مثل قوله، جل
من قائل:
((إن كل
من في السموات، والأرض،
إلا آتي الرح
من عبدا * لقد أحصاهم، وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا..
)).. فعندهم،
من ههنا، أن الفردية إنما هي يوم القيامة.. ولكن أع
لموا!! فإن أسرار التوحيد تقول:
((ما
من شيء كان، أو يكون،
إلا وهو كائن اليوم
)).. فالقيامة قائمة اليوم.. ولكنا نحن مذهولون عنها بجهلنا، وبتوزعنا في الز
من.. ونحن، ك
لما ع
لمنا، وك
لما جودنا التوحيد، ك
لما وحدنا الز
من.. ولقد تحدثنا عن هذا، في هذا الكتاب، وذلك حين ذكرنا أن تحقيق العبودية إنما هو محاولة انتصار على الز
من، حتى إننا لنبلغ، في لحظة التوقف الفكري، في مقام:
((ما زاغ البصر وما طغى
))، أن ننتصر على الزمان تماماً.. ولقد قال، جل
من قائل، في عجزنا عن رؤية
((يوم القيامة
))، اليوم:
((ألهاكم التكاثر * حتى زرتم ا
لمقابر * كلا!! سوف تع
لمون * ثم كلا!! سوف تع
لمون * كلا!! لو تع
لمون ع
لم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين * ثم لتسألن، يومئذ، عن النعيم
)).. قوله
((كلا!! لو تع
لمون ع
لم اليقين * لترون الجحيم
)) يعني أنه ما يحجبنا عن الرؤية
إلا جهلنا، وع
لمنا الناقص.. و
لما كان الع
لم إنما يبدأ في الدنيا، بالعبادة، وما ترفع
من الحجب، ويزيد في الآخرة، با
لموت، وما يرفع
من الحجب، فإنه قد قال:
((ثم لترونها عين اليقين
)) فنحن نحصل
((بالعبادة
))، و
((با
لموت ا
لمعنوي
))، الذي قال عنه ا
لمعصوم:
((موتوا قبل أن تموتوا
))، نحصل علوم اليقين، في مستوى ع
لم اليقين، ومستوى ع
لم عين اليقين، ومستوى ع
لم حق اليقين.. ف
من الناس
من يحصل هذه با
لموت ا
لمعنوي، حتى أنه لا يفاجأ بشيء غريب عليه تماماً، حين ي
لم به ا
لموت الحسي.. ولقد قيل أن الإمام علياً بن أبي طالب، قال مرة:
((لو رفع الحجاب ما ازددت يقينا
)) يقول هذا لفرط إتقانه ل
لموت ا
لمعنوي..
نحن، بشرية القرن العشرين!! نحن بشرية الثلث الأخير
من ليل الدنيا!! ومعلومة قيمة الثلث الأخير
من ليل اليوم:
((إن ناشئة الليل هي أشد وطءاً، وأقوم قيلا
)).. بنفس هذا القدر يجب أن نع
لم قيمة الثلث الأخير
من ليل الدنيا، وقيمة البشرية التي تعيشه.. فهذه البشرية هي ا
لموعودة بأن تملأ الأرض عدلاً، في وقتها، كما ملئت جوراً.. وهي ا
لموعودة بتحقيق جنة الأرض، في الأرض..
((وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض، نتبوأ
من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين
)).. هذه البشرية ا
لمعاصرة هي بشرية
((اليوم الآخر
)) الذي
من أجل تحقيقه أرسل الرسل، وأنزلت الكتب، وشرعت الشرائع، في جميع حقب هذه الحياة الدنيا.. والذي وارد ذكره في القرآن كثيراً:
((إن الذين آ
منوا، والذين هادوا، والنصارى، والصابئين،
من آ
من ب
الله، واليوم الآخر، وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند
ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون
)).. هذه البشرية هي في جاهلية، اليوم.. ولكن جاهليتها هذه أع
لم، وأرفع، وأكثر إنسانية، ولطافة،
من جاهلية القرن السابع،
من جاهلية الأصحاب، بما لا يحتمل القياس، ولا ا
لمقارنة.. فإذا عادت فيهم:
((لا إله
إلا الله))، جديدة، دافئة، قوية، خلاقة، كما كانت على عهد الأصحاب، فإن مستوى جديداً
من البشرية سيظهر على هذه الأرض، وإنما بظهوره تملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً.. وهذه البشرية التي ستظهر، في هذا ا
لمستوى الإنساني الكبير، بمحض فضل
الله، إنما هم
((أخوان النبي
)) الذين اشتاق إليهم، حين قال، وهو بين أصحابه:
((وا شوقاه لإخواني الذين
لما يأتوا بعد!! قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول
الله؟؟ قال: بل أنتم أصحابي!! وا شوقاه لإخواني الذين
لما يأتوا بعد!! قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول
الله؟؟ قال: بل أنتم أصحابي!! وا شوقاه لإخواني الذين
لما يأتوا بعد!! قالوا:
من إخوانك؟؟ قال: قوم يجيئون في آخر الزمان، للعامل
منهم أجر سبعين
منكم.. قالوا:
منا، أم
منهم؟؟ قال: بل
منكم!! قالوا: و
لماذا؟؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانا، ولا يجدون على الخير أعوانا
)).. هذه البشرية التي سيجيئ
منها
((الإخوان
))، رسولها
((محمد
)) وكتابها القرآن، ودينها الإسلام.. وهي إنما تبلغ هذا ا
لمبلغ
من الرفعة، وكرامة ا
لمقام، بمحض الفضل.. يقول تعالى، في كل أولئك:
((يسبح لله ما في السموات، وما في الأرض، ا
لملك، القدوس، العزيز، الحكيم * هو الذي بعث في الأميين رسولاً
منهم، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويع
لمهم الكتاب، والحكمة، وإن كانوا
من قبل لفي ضلال مبين * وآخرين
منهم
لما يلحقوا بهم.. وهو العزيز الحكيم * ذلك فضل
الله، يؤتيه
من يشاء، و
الله ذو الفضل العظيم
)).. ولقد تحدثنا عن كل أولئك بتفصيل شامل في كتبنا وبخاصة في:
((الرسالة الثانية
من الإسلام
)).. فليراجع في موضعه.. ولكن الذي يه
منا هنا، في ختام هذا الكتاب، هو أننا نحن دعاة الصلاة.. ونحن دعاة بعث السنة.. وا
لمبشرون بعودة الإسلام.. ونحن، بفضل
الله علينا، نعرف طريقنا إلى ما نقول.. فليس قولنا ظناً، ولا هو اعتسافاً بالرأي، وإنما هو صريح الع
لم.. ونحن لا نقول هذا افتخاراً، وإنما نقوله لتوكيد حقيقة الناس في حاجة إلى توكيدها.. فنحن نريد للناس أن يصلوا.. وإننا لعلى يقين تام أنهم، اليوم، لا يصلون..