إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

عقيدة المسلمين اليوم!!

الفصل الثاني
العقيدة في مستوى السنّة



تصحيح عقيدة المسلمين:


لقد بينّا في مقدمة هذا الكتاب انّ العقيدة تقع في مستويين: مستوى الاصول – مستوى السنّة .. ومستوى الفروع – مستوى الشريعة، وبينهما اختلاف مقدار .. وقد بينّا انّ ما يناسب وقتنا الحاضر هو مستوى الاصول – مستوى السنّة .. فالعقيدة في مستوى الفروع – مستوى الشريعة، حتى في أحسن صورها الصحيحة، لا تناسب وقتنا الحاضر، ولا تستطيع ان تقدم الاساس، العلمي، والعملي للقيم التربوية التي يحتاجها .. وقد رأينا كيف أن المسلمين اليوم قد نصلوا حتى عن مستوى العقيدة في الشريعة، ووصل الامر ببعضهم الى حد المجاهرة بما يدخل في باب سوء الادب مع النبي الكريم .. واليوم، فان مشاكل البشرية المعاصرة قد تعقدت، وتفاقمت، بصورة لا يمكن معها الخروج من دوامة هذه المشاكل، الاّ إذا تم رد الناس الى اصول الاخلاق، بصورة تؤدي الى قيام مدنية جديدة، تحل محل المدنية الغربية، المادية، السائدة اليوم، والتي فشلت في استيعاب، وتوجيه، طاقات، الحياة المعاصرة .. وهذه المدنية الجديدة، التي ترد الناس الى اصول الاخلاق، لا تتوفّر الا في الإسلام في مستوى اصوله .. وهذا ما يلقي على المسلمين اليوم واجباً كبيراً، في بعث الإسلام في مستوى اصوله، وتقديمه للإنسانية التي أصبحت تحتاجه حاجة حياة أو موت .. والمسلون لن يستطيعوا ان يضطلعوا بهذا الواجب الا إذا قاموا بتصحيح فساد العقيدة عندهم، في مستوى السنّة، بالصورة التي تعينهم على تربية أنفسهم، وحل مشكلاتهم، وتقديم النموذج للمدنية التي تتطلّع اليها الانسانية المعاصرة .. والعقيدة في مستوى السنّة، تتضمّن العقيدة في مستوى الشريعة، الا انها تذهب بها الى مستويات من التصوّر ومن العمل، أدق، وتدخل بها مداخل العلم – مداخل اليقين .. وكما ذكرنا فانّ الايمان يظل ملازماً للعلم، ولن ينفك .. فكل مرحلة من مراحل العلم، كانت، قبل تحقيقها، مرحلة ايمان .. وكلّما حقق السالك مستوى جديداً من العلم بالله، انفتحت امامه آفاق جديدة، لا يسعه فيها الا الايمان ريثما تدخل في نطاق العلم .. فالامر الذي يهمنا في هذا الكتاب، هو تصحيح العقيدة، بالصورة التي تعين على تصحيح العمل وفق منهاج السنّة، بما يؤدي الى تحقيق قيم التربية الدقيقة المنشودة، ويؤدي الى بعث الإسلام، كمدنية جديدة، تستوعب، وتوجه، طاقات الحياة المعاصرة .. فالتربية السليمة المطلوبة اليوم لا تتأتى الا عن طريق العمل في تقليد النبي المعصوم، في اسلوب عبادته، وفيما يطاق من أسلوب عادته، بالصورة التي تعين كل فرد على خلق الصلة الصحيحة بالغيب، بالله، وتعين كل فرد على مراعاة جانب الله، فيما يعمل وما يدع، في كل تفاصيل حياته اليومية، توجد عنده الدافع للتفاني في خدمة الآخرين وتعطيه العلم الذي عن طريقه يستطيع ان يقدّم هذه الخدمة للآخرين، على أحسن وجوهها ،ثم هو في كل ذلك، لا يشعر بالمنّة على أحد، وانما يشعر بفضل الله عليه .. فهو يعلم انّه في جميع صور عمله من اجل الآخرين، انّما يعمل، في المكان الاول من اجل نفسه .. بل انّه ليجد مصلحته الذاتية محققه بالفعل في نفس الوقت الذي يخدم فيه مصالح الآخرين .. هذا هو المستوى التربوي المطلوب اليوم، وهو لا سبيل الى تحقيقه، الا سبيل الاخذ بنهج السنّة .. والعمل في نهج السنّة لا يؤدي الى التغيير المطلوب في سلوك الافراد والجماعات الا إذا قام على العقيدة الصحيحة التى تناسبه، وتناسب الوقت ، وتناسب دقائق التربية المطلوبة .. فالتربية، في هذا المستوى المطلوب، لابد لها ان تقوم على دقائق التوحيد، بالصورة التي تعين كل فرد على تحقيق التواؤم مع بيئته الداخلية، وبيئته الخارجية الاجتماعية، وبيئته الخارجية الطبيعية، وذلك يجعل حياته تسير بوعي وفق القانون الذي يسير البيئة في جميع مستوياتها، وهو قانون الارادة الالهية المتفردة، قانون كلمة (لا إله الا الله) ..
من كل ذلك يتضح ان تصحيح العقيدة، في المستوى الذي نتحدث عنه، هو الشرط الاساسي لبعث الإسلام، وتحقيق التربية المنشودة .. وهو الشرط الاساسي لحل مشكلات الانسانية المعاصرة، وتحقيق السلام على الارض .. فمن هنا يجئ اهتمامنا الكبير بتصحيح العقيدة عند المسلمين .. فالامر بهذه الاهمية وبهذه الدقّة، وبهذه الخطورة ..