إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

عقيدة المسلمين اليوم!!

التوحيد امر نسبي:


انّ حركة التحقيق في التوحيد حركة سرمدية، ليست لها نهاية لأنها حركة من المحدود الى المطلق، فهي لن تبلغ المطلق، لأن المطلق لا يبلغ، والاّ لأصبح محدوداً .. فالتوحيد امر نسبي دائماً .. وهو حركة من الباطل الى الحق، متطورة في مراقي الحق تطلب الحقيقة، تطلب ان تكونها، وهيهات!! ولذلك فانّ كل موِّحد مجوِّد للكلمة (لا إله الا الله) لا يزال له إله غير الله، ولن ينفك .. ذلك (الاله) هو تصوّره هو (لله) .. وما من تصوّر (لله) الاّ و (الله)، من حيث ذاته العلية بخلافه، فوقعت الشقّة بين التصور والحقيقة .. فتوحيد كل موِّحد مجوِّد مهما بلغ من الكمال، إذا ما قورن بشهادة الله لذاته بذاته، يكون قاصراً قصوراً مزرياً، وقد قال المعصوم: (اعلم العلماء بجانب الله أحمق من بعير) .. فالحركة في التوحيد إذا هي حركة متصلة في تصحيح باطل التصوّر لله، تتنقّل من باطل غليظ الى باطل ادق، وتستهدف ان ينطبق تصوّرنا للحقيقة على الحقيقة فيكون (الهنا) هو (الله)، وهيهات!! والى هذا المطلب الرفيع الاشارة بقوله تعالى: (واقيموا الوزن بالقسط، ولا تخسروا الميزان) .. فكأن في إحدى كفتي الميزان (الله) – (الحقيقة) وفي الكفّة الاخرى (الاله)، والمطلوب ان تتساوى الكفّتان فلا تشيل أحداهما وتهبط الاخرى .. وفكرة الاله كما ذكرنا فكرة متطورة، تبدأ من (الباطل) وتدخل مداخل (الحق) .. وانّما يطلب الحق (الحقيقة)، يطلب ان ينطبق عليها تماماً، وهيهات!! هيهات!!

التجريد:


حركة السلوك في تجويد التوحيد تبدأ من الشهادة المثنّية، وهي شهادة (لا إله الا الله، محمد رسول الله)، وهذه شهادة تصديق، وهي تجب مّرة في العمر، وتوجب الاتباع للنبي الكريم .. امّا شهادة التوحيد فهي (لا إله الا الله) .. وعن طريق تجويد التقليد النبوي يقع التجريد، وهو معرفة مكانة (الله)، من مكانة (محمد) .. والى هذا التجريد تشير الآية الكريمة: (وإذا ذكر الله وحده، اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون)..

التفريد:


والشهادة (المفردة)، (لا إله الا الله)، ليست بشهادة (توحيد) الا إذا وقع التفريد .. وذلك لأنها تقوم على نفي واثبات .. فهي حركة بين طرفين، يمر الفكر اثناءها بخط الاستقامة، وفي لحظة مروره تلك يتم له التوحيد، ذلك بأنه في خط الاستقامة يجد الله .. والتفريد هو معرفة مكانة (الاله) من مكانة (الله) وتلك معرفة محجبة، وممتنعة، يقع شميمها، و لا يتم تحقيقها .. وشهادة التوحيد، في شهادة التفريد، هي (الله) وحده، و الى ذلك الاشارة بقول المعصوم : (سبق المفردّون!! قالوا: من المفردّون يا رسول الله؟! قال: الذّاكرون الله كثيراً والذاكرات) واليه ايضاً الاشارة بقوله تعالى: (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) على ان يكون القول بلسان الحال، بحيث يتوحد الفكر، والقول، والعمل .. فكأن (قل الله) هنا هي (كن الله) .. وهذه كينونة في السرمد لا ينتهي الفراغ منها كما ذكرنا ..
وهذه النسبية في تحقيق التوحيد تجعل الموِّحد المجوِّد دائم الشعور بعجزه، وجهله، وتقصيره .. دائم التنزيه لله عن توحيده له، دائم السعي في تصحيح خطأ تصوره للاله .. وهذا ما يجعل التوحيد حركة في تجويد العبودية، تسعى سعياً متصلاً الى اعطاء الله حقه من الرّبوبية، بالتزام العبد واجبه في العبودية وادبها ..