إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بنك فيصل الإسلامي!؟

بسم الله الرحمن الرحيم
(لِيَمِيزَ اللَّـهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ، فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا، فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ.. أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
صدق الله العظيم


المقدمة


هذا كتاب نصدره عن بنك فيصل الإسلامي السوداني لنقوّم محاولته بميزان الشريعة، والدين، ولنضعه في مكانه الحقيقى، وأين هو من محاولة تقديم الإقتصاد الإسلامي لعالم اليوم؟؟ إن عالم اليوم، بكل إنجازاته العلمية، وتطوراته المادية، قد أصبح يعاني عجزا حادا في التواؤم مع بيئته الحاضرة .. وهو عجز خطير، يهدد الإنسانية جميعها بالإنقراض، إن لم تسعفها مدنية جديدة تواكب، وتوّجه، وتتوّج، هذا التطوّر المادي العملاق..
ونحن نرّشح الإسلام – في مستوى أصوله – لينهض بمسئولية هذا التحدى، ولذا فإن الحاجة اليه هى حاجة حياة أو موت.. ومن هذا المنطلق فان أى محاولة لإقحام الإسلام في التجارب الفاشلة التي تشوّهه، وتعوّق بعثه، إنما هى جريمة كبرى في حق الإنسانية الضاربة في التيه، المتحرّقة للخلاص، وجريمة عظمى في حق الإسلام نفسه، وإن تّسمت هذه المحاولات بإسمه، وتدّثرت بقداسته .. ويكفينا في ذلك مثلا تجربة إيران .. هذا من الجانب الأساسي المبدئي .. ومن الجانب الآخر فإن أنبل عواطف شعبنا، وأس الرجاء في مستقبله العظيم، إنما هى عاطفته الدينية، ومحبته للإسلام .. فحتى لا يشوّه الإسلام، ويعوّق بعثه، وتصرف عنه الإنسانية، وهى أحوج ما تكون اليه، وحتى لا تستغل، وتشوّه، عاطفة شعبنا الدينية، وتمسخ فطرته، فإنا كنا، ولا نزال، نقوم بكشف كل الدعوات الزائفة، الجاهلة، وكل المحاولات الفاشلة، والمتهوّسة، حتى نبرىء الإسلام من تخلّف المتخلفين، ومن طمع الطامعين، ليعود قويا، خلاّقا، في صدور الرجال والنساء، وحتى نبقى لشعبنا محبته للدين، الى أن يشتعل فيه الدين الحق، بالثورة الفكرية، والثورة الثقافية، التي هى واجبنا، وقدرنا. ومن ذلك كان موقفنا من الطائفية بكشف جهالاتها، وخداعها، وهى تحاول تزييف الدستور الاسلامي.. وكان موقفنا في وجه كل الجماعات السلفية المتخّلفة وكشف دعاويها الزائفة، التي آخرها دعاوى تعديل القوانين لتتمشي مع الشريعة وها نحن نواصل مسيرتنا في التوعية الدينية، والتوعية السياسية .. وقياما بمسئوليتنا الدينية، وبمسئوليتنا الوطنية، ها نحن نقوّم تجربة بنك فيصل الإسلامي السوداني بميزان الشريعة والدين ..
نحن نعلم يقينا تصدقه التجارب دائما ان أى محاولة لتطبيق الإسلام في غياب الروح الديني، وفي غياب الفهم الإسلامي الدقيق، وفي غياب التربية الإسلامية، وفي غياب حاكمية الإسلام الشاملة بهيمنته على كل الحياة، إنما هى تجزئة للإسلام، وإقحام له في حياة معقدة لا يمسك بمصائرها، ومن ثم تكون النتيجة المحتومة هى مسخ الإسلام نفسه، بالتحايل على نصوصه، وبسوق التبريرات لمخالفته، ولتطويعه للحياة المعقّدة، مما يباعد بين الناس وبين جوهر الإسلام .. وما تجربة البنوك الإسلامية التي نحن بصددها الا واحدا من أبرز الشواهد على ما نقول ..
إن هدف البنوك الإسلامية، على حد قول مؤسسيها، ومنظريها، إنما هو تقديم إقتصاد إسلامي حديث، خال من الربا.. ولكن الحقائق العلمية، والعملية، تثبت ان الربا لازمة من لوازم النظام الرأسمالي .. ولذلك لا يمكن تجاوز الربا الاّ بتجاوز النظام الرأسمالي برمته، بالتحول للإشتراكية الإسلامية، التي بها وحدها يمكن الخلاص من النظام الربوى.. وما تغليظ الإسلام في تحريم الربا الاّ إشارة لرفضه لنظام الفائدة - النظام الرأسمالي ... وهو، من ثمّ، دعوة دائمة لتجاوز الرأسمالية الى الإشتراكية، حيث ينعدم الربا.. ومن هنا فإن محاولة البنوك الإسلامية لمحاربة الربا، داخل النظام الرأسمالي، وفي وقت تهيأ للإشتراكية، حتى أصبحت ضرورة، إنما هى محاولة لمد عمر الرأسمالية الآفلة، وتعويق لبعث الإقتصاد الإسلامي الإنساني الذى، عن طريقه وحده، ستوّدع الإنسانية الربا الى غير رجعة ..
والأمر المؤكد ان أى محاولة لمحاربة الربا دون الإشتراكية إنما هى محاولة فاشلة حتما .. ويكفي أن البنوك الإسلامية نفسها، وبإعتراف مؤسسيها، قد توّرطت في النظام الرأسمالي القائم، فأصبح بقاؤها متوقفا على التعامل بالربا .. ومع كل ذلك فهى تزعم أنها تقدم نظاما خاليا من الربا، بدعوى أنها تستعيض عن الربا بالمعاملات الإقتصادية الشرعية، مثل المضاربة والمرابحة، والمشاركة، بينما هى في واقع الحال، تزيف هذه المعاملات، وتطففها، فتنحرف بها الى الربح، على حساب الشريعة نفسها .. وقد جاء في الحديث (إذا باع الرجل الدرهم بدرهمين، والدينار بالدينارين، فقد أربى فإذا عمل شيئا من الحيلة فقد أربى .. وخادع الله، عزّ وجلّ، وأتخذ آيات الله هزوّا) كتاب المعاملات الأدبية والمادية الجزء الأول صفحة 80
وبنك فيصل، وهو على هذه الحالة التي سنبرهنها في أصل الكتاب، فإنه باسم الشريعة وتشجيعا منا نحن للتجربة الإسلامية الرائدة، قد ظفر بالإمتيازات، والإعفاءآت، والتشجيعات، التي مكنته في بلادنا، ووضعته هذا الوضع الذي بلغ فيه ان أصبح يضارب في أقواتنا، وضروريات حياتنا ..
وما كان لمثل هذا البنك، وهو بنك أجنبي ب 60% من رؤوس أمواله أن تطلق يده في بلادنا الى هذا الحد، لولا الإسم الديني، ولولا العاطفة الدينية التي تسيطر علينا، بالقدر الذي يلقى ظلا من الإرهاب الديني على كل من يناهض عملا يتمسّح بإسم الإسلام، ومهما كان خطل هذا العمل، وخطره ..
إننا، حرصا منا على توعية شعبنا، وحفاظا منا على عاطفته الدينية بعيدا عن التشويه، وحماية لإقتصادنا الوطنى، الذي يقوم عليه استقلالنا السياسي، وسيادتنا، وحماية لسلعنا الإستراتيجية التي يتوقف عليها استقرارنا، وتحسبا لجماعات الهوس الديني التي تهدد أمن بلدنا، وأمن شعبنا المحب للدين، والتى يمكن أن يمولها هذا البنك، من أموال الزكاة حسب فتوى هيئته الشرعية، لكل ذلك فإن واجبنا الديني، والوطنى، يلزمنا بمواجهة هذا البنك، مواجهة موضوعية، تبرىء الإسلام من كل زيف، وتفتح الطريق للبعث الإسلامي الصحيح، وتؤمن بلدنا، وشعبنا..
ونحن، حين ننتقد بنك فيصل السوداني، نحب للمسئولين، ولسائر القراء، ان يعتبروا بتجربة بنك فيصل الإسلامي المصري، حيث أثير الحوار حوله، من داخله، ومن خارجه، وحيث تناولته وسائل الإعلام بالنقد حتى تكشفت صور مفارقته، فاستقال أربعة من أعضاء مجلس إدارته من السعوديين، منهم الأمير سعود بن فهد بن عبد العزيز.. وكتبوا عن استقالتهم (لكل هذه الأسباب ولأسباب أخرى، لم تذكر، فان هذه الإنتخابات تعتبر غير قانونية، وعمليات غير إسلامية، ولا يمكن إقرارها من جانبنا كمساهمين، أو أعضاء مجلس إدارة) الإهرام الإقتصادي العدد 689، 29 مارس 1982.. فهذا النفر من أعضاء مجلس الإدارة ظهر لهم أن بنك فيصل الإسلامي انتخاباتاته ليست قانونية، ويقوم ب (عمليات غير إسلامية)، لا يمكنهم إقرارها.. فلماذا لا نعتبر بهذه التجربة، ونقف عند بنك فيصل الإسلامي السوداني لنتدارس أمره، ونطرح فكرته، وممارساته للحوار المفتوح، لا سيما وهو يقوم على نفس فكرة البنك المصري، وتحت إشراف نفس رئيس مجلس الإدارة؟؟
والآن الى الكتاب الذي يتناول بالتحليل الفهم الديني، والأثر الإقتصادي، والأثر السياسي، لبنك فيصل الإسلامي السوداني، اعتمادا على آراء مفكريه، ومؤسسيه، وعلى وثائق البنك، ومؤلفاته..
رعى الله هذا البلد الطيب، وحفظه كما عوّده، حتى يقوم بدوره الإسلامي والإنساني الرائد .. فإنه أسرع مجيب، وأكرم مسئول..