إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الإسلام والفنون

الفنون تسير الناس إلى الله:


أما إذا استوى ، فمن الممكن لهذا الإنسان أن يتخذ كل وسائل التعبير لتسيره إلى الله .. الإنسان الاستطاع أن يجد فرصة لتوجيه ، ورياضة نفسه ، حتى أصبحت عندو فلسفة حياة ، عندو نظرة للأشياء ، عندو اتقان للتوحيد – مافي شئ بالمرة يقطعه ، أو يوقفه عن الله .. النحت يوديهو لي الله ، يسيرو لي الله – الموسيقى تسيرو لى الله ، الرقص يسيرو لي الله ، وكل وسائل التعبير تسيرو لي الله .. في المرحلة الأولانية – في شريعة الإسلام – المسائل دي حرمت .. هي محرمة بنص الحديث القريتو ليكم ، وذلك لأنها بتوشك أن تخلي الإنسان يحن للعبادة - عبادة الأوثان – وتلك عبادة هو قد كان قريب عهد بيها .. أما في الوقت الحاضر ، في المرحلة الحاضرة ، فما أحب أن أقوله هو أن وسائل الفنون كلها ، راح تسير الناس لي الله .. هسع ، في الوقت الحاضر ، كل المطلوب من الناس هو أن يتوخوا ، في أول مرة ، كيف يسيروا ، بطريق العبادة ، ليوجدوا نوع من التماسك الداخلي ، نوع من النظرة الموسعة .. بعدين كل أنواع الفنون راح تكون مسيرة إلى الله.

المبتدئ يضيق عليه:


بإيجاز !! التحريم في النهج البدائي للإسلام مؤكد .. فهو ضد الموسيقى للمبتدئ ، ضد النحت ، ضد التصوير ، ضد الرقص ، ضد كل مسألة من المسائل البتوزع المبتدئ .. إذا كان الإنسان استطاع أن يحصر نفسه في نهج واحد ، اللي هو العبادة ، ثم في محاولة احراز التوسع "بإتقان التوحيد" في المسائل الأخرى ، من أساليب التعبير المختلفة ، والفنون أقدمها والكلمة أسلمها ، افتكر بيكون في سعة فيما بعد .. لكن قبل ما تكون في سعة ، القاعدة عندهم أنو المبتدئ ، زي ما بترد العبارة الدارجية: "المبتدئ ابرته ما بتشيل خيطين" .. المبتدئ يجب أن يكون عنده اتجاه في الإنحصار ، فهو لا يمكن أن يسمح ليهو ، في مسألة الارتفاق بالفنون ، إلا بالكلمة ، وموش الموسيقى ، لأن الموسيقى لا تعطي معنى محدد ، عندما انت يكون عندك استعداد لتدرك عن الوجود كله ، فإن الموسيقى أبلغ من الكلمة ، لأن الموسيقى تقول لك كل شئ عجزت الكلمة عن أن تقوله ، لكن عند المبتدئ الموسيقى بتشوش عليهو ، وأما الكلمة فإنها محددة ، ولذلك تلقى ان القرآن يتخذ موسيقاه من الكلمات أولاً ، ثم هو ينطلق في موسيقى علوية ، كأنما هي موسيقى الوجود كله .. عند الكمال ، للمكتمل ، القرآن بيخرج عن كونو عبارات محددة ، ومضبوطة ، وبالصورة دي يبقى وحي علوي ، يعلمك كل شئ ، بدون أن يعلمك شئ بعينه ، خصوصا المتشابه من القرآن ، فإذا كان أنا شخصياً سئلت عن النهج اللي حقو يتجه ليه المسلمون كلهم ، في الأمر دا ، أنا اعتقد أنهم كلهم يجب أن يتجهو للعبادة ، بالانحصار فيها ، ثم في تفتق الذهن ، في اثناء العبادة ، في معاني الكلمات من القرآن ، وفي الشعر الجيد ، من الشعر العرفاني ، وباستمرار يكون في توسع ، وكلما أنت اتقنت التوحيد ، كلما قلت دائرة المحرمات عليك ، إلى أن تكون أنت الإنسان العندو الملكة التي تتلقى العلم بالله عن كل شئ ، مافي في الوجود شئ ما بيدعو إلى الله ، إبليس زي جبريل ، داعي إلى الله ، .. الله ، في الحقيقة ، ما عندو عدو .. لكن ، في مرحلة الشريعة ، الوجود مقسوم إلى داعي لغير الله ، وإلى داعي لي الله .. مما يدعو ، في المرحلة لغير الله ، كل أدوات اللهو ، ومنها الفنون ، إذا كان انت استويت على الغاية ، بتسمع وترى الوجود كله جنود لي الله ، ودعاه إلى الله ، ورسل من الله إليك ، تسوقك إلى الله .. فإذا كنت انت فنان موهوب ولكن ما وجدت الفرصة لتنحصر في العبادة ، لتعرف ، لتخرج من الثنائية دي بتجويد مستوى من التوحيد ، من المؤكد أن الفنون قد تسيرك درجة ولكنها راح تقطعك ، ما بتوديك لقدام .. إذا كان في شئ ، من العلوم المدنية ، بسير الناس إلى سماحة الخلق ، إلى مستوى من التنغيم الداخلي ، إلى نوع من العلاقة الحسنة مع الحياة ، نوع من السعة ، فإن ذلك الشئ لهو الفنون ، مافي ذلك شك ، ولكن وسيلة الفنون قاصرة إلا إذا تم لها التتويج بوسيلة الدين .. فكأنو ، إذن ، الإسلام في أوله ، وفي آخره ، أعني في دعوته الأولانية ، وفي دعوته الثانية بيحرم هذا المستوى من الفنون ، لكن داك على التعميم ، أعني شريعة عمومية ، ودا لكل فرد شريعته ، أعني شريعة خصوصية ، الحاجة السليمة هي انك انت تتوجه ، وتنحصر ..

كل الفنون حلال اليوم:


أنا شخصياً ما راح أكون من البوصوا أن يجئ تشريع يقول الفنون حرام .. لكن يجب أن يجئ تفهيم للناس يقول لكل واحد: إذا كنت أنت ما استويت ، في التوحيد ، على درجة معينة من الاستواء ، فإن الفنون بتصرفك ، وبتوزع جمعيتك ، وبتقطعك .. الفنون هي خير أساليب التسيير إلى الله، ولكن بعد ما أنت توجد نوع من التنغيم الداخلي، بتجويد التوحيد، بالانحصار في العبادة، بالخروج من الدوامة بتاعة المجتمع، وبتاعة التغيرات المختلفة، في الفنون المختلفة.. لغاية ما أنت توجد نوع من القالب البتصب فيهو نفسك، وتصوغ أخلاقياتك، وتجد فلسفتك.. فإن أنت وجدت فلسفتك في الحياة، فإنك خليق ان تنفتح على كل الفنون.. وكلها بتسيرك لى الله، وسيكون عندك حظ موفور من إدراكها.. وقد يكون عندك حظ من تجويدها، إذا كنت فنان، بكل وسائل التعبير فيها، بأكثر مما يكون عندك قبل أن توجد هذا النوع من التربية الداخلية.. من أجل دا، أنا افتكر، العبارات الكثيرة الواردة في الدعوة إلى تنزيه القرآن، وإنه ما هو شعر.. القرآن يشبه الشعر، وماهو بالشعر (وما علمناه الشعر، وما ينبغي له!!) وأنت إذا جيت لدقائق القرآن، فإنه الشعر!! وأكثر من الشعر.. ولكن ملابسات الشعر في عدم الالتزام، وعدم الصدق، هي ما نفاهو الله عن القرآن.

الأخلاق والفنان:


أنا أفتكر برضو الفنان ، كائناً من كان ، سواء كان نحات ، أو موسيقار ، أو مصوراتي ، أو راقص ، أو ممثل ، بتلقاهو ماهو ملتزم ، ما عندو خلقية معينة ، اللهم إلا خلقية بيعتقد أن الفن بيستلزمها ، الخلقية الأنا بقصدها إنما هي الصدق في مستوى الفعل ، القبيل أنا قلته – الصدق الذي يتحد فيه الفكر ، والقول والفعل ، أنا ما بعتقد ان الفنان ما عندو قيمة خلقية في نفسه يلتزمها ، لكن ، مامن شك: أنو موش في مستوى الانضباط اللي نحن بنقصده .. لعل الفنان ، الموزع بالصورة دي ، بتلقاه يظهر بمظهر البهدلة كدا .. يرسل لحيته بصورة بدون تهذيب ، ولا تنظيم ، أو يلبس ملابس مهزأة ، أو يكون ماسائل في النظام ، أو في رأي المجتمع ، قد يكون أنا أفتكر ، أنه هو بيبحث عن قيمة ، أنا بحب أن اهديه للقيمة دي ، هي في العبادة والقرآن .. سيجدها حاضرة حين يتجه للالتزام بأدب القرآن – ادب شريعته وأدب حقيقته.
هنا اقف ، وأترك لكم الفرصة للنقاش .. أكثر من كدا كثير عندنا مما يمكن أن يقال ، ولكن ، ما من شك ، أنكم بتعينوا كثير بمشاركتكم في النقاش لإجلاء القضية دي .. شكراً.