إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الإسلام

ما هي الإرادة البشرية؟


ويمكن القول إذن، بأن موضوع العلم التجريبي الروحي هو الإرادة البشرية.. فما هي هذه الإرادة البشرية؟؟ سنرجئ الإجابة على هذا السؤال إلى وقت قريب، ونعالج في إيجاز الإجابة على تساؤل العالم الكبير أينشتين، - ما هي هذه القدرة العاقلة المهيمنة، وما مدى هيمنتها؟ فأما السؤال الأول فإن القرآن يخبرنا بأنها ذات الله ((أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتـفيـؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله، وهـم داخرون؟؟))
وأما السؤال الثاني فإن القرآن يجيبنا عليه ((إني توكلت على الله، ربي وربكم، ما من دابة إلا هـو آخـذ بناصيتـها، إن ربي على سـراط مستقيم)) وهكـذا فإن هيمنتـه تعالى على الوجـود هيمنة تامـة، لا يخـرج عنـها صغيـر، ولا كبيـر، من الخلائـق، في دقيـق، ولا جليل، من حركاته، وسكونه..

إرادة الحياة دون إرادة الحرية


ولكن الله تعالى سير الجمادات، والغازات، والسوائل، تسييرا قاهرا ومباشرا، ثم خلق الحياة في مراتب النبات، والحيوان، فسيّرها ((بإرادة الحياة))، وهي إرادة تعمل بدوافـع البقاء للاحتفاظ بالحياة.. وقانونها اجتلاب اللـذة، ودفـع الألم، وأصبح تسيير الله تعالى للمخلوقات في هذا المستوى من وراء حجاب ((إرادة الحياة)) التي تتمتع بما يسمى الحركة التلقائية، لأن دوافع حركتها، وقوى حركتها مودعة فيـها.. ثـم لما ارتـقى الله تعـالى بالحيـاة إلى مرتبـة الإنسان زاد عنصـر جديـد على ((إرادة الحياة))، هذا العنصر هو ((إرادة الحرية))، وهـو عنصر يختلف عن إرادة الحياة اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع.. ثم سيّر الله تعالى البشر بإرادة الحياة، وإرادة الحرية معا، وأصبح بذلك تسييره إيانا غير مباشر، وتدخله في أمرنا، هـو من اللطف والدقة، بحيث تورطنا في الوهم الأكبـر، وذلك باعتقادنا أننا نملك إرادة حرة، مستقلة بالترك أو العمل.. وإليكم آية هي آية في الدلالة على لطف تدخل إرادة الله في توجيه إرادتنا: ((إذ يريكهم الله في منامك قليلا، ولو أراكهم كثيرا لفشلتم، ولتنازعتم في الأمر، ولكن الله سلم، إنه عليم بذات الصدور * وإذ يريكموهم، إذ التقيتم، في أعينكم قليلا، ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور)) فانظروا إلى هذا اللطف اللطيف من جانب الإرادة الإلهية القديمة، إذ تتدخل في تسيير الإرادة البشرية المحدثة!!

الإرادة البشرية هي إرادة الحرية


فالنبي يرى أعداءه في منامه قليلين، فيصمم على مقاتلتهم، ولو رآهم غير ذلك ما قاتلهم، ثم، عند اللقاء، يرى فريق المؤمنين فريق المشركين قليلا، فيصمموا على قتالهم، ويرى فريق المشركين فريق المؤمنين قليلا، فيصمموا، بـدورهم، على قتالهم.. والله هو الذي يُري النبي أعداءه، في منامه، قليلا، والله هو الذي يُري كل فريق من الفريقين أعداءه قليلا، ليقضي الله أمرا كان مفعولا.. كل ذلك من غير أن تنزعج الإرادة البشرية، ومن غير أن تشعر بتدخل خارجي في أمر من أمورها، فالإرادة البشرية هي ((إرادة الحرية)) هذه، وبها تميز الإنسان عن الحيوان، وهي الإرادة التي بممارستها عصى آدم ربه، إذ نهاه عن أكل الشجرة، فقال الله تعالى فيه ((فأكلا منها، فبدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعصى آدم ربه فغوى)) وقال تعالى عنه محذرا رسوله من استعمال هـذه الإرادة الخادعة، استعمالا مخدوعا، كما اتفق لأبيه من قبل، ((فتعالى الله الملك الحق، ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه، وقل رب زدني علما * ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي، ولم نجد له عزما..)) بدأ الآية بقوله ((فتعالى الله الملك الحق))، تذكيرا بأن الله متفرد بالإرادة الكاملة، وأن الإرادة البشرية يجب أن تذعن لإرادته، وتنقاد، عن استسلام، وعن رضا، فلا تعجل أمرا قبل أن يجئ وقته، لأن ((الله لا يعجل بعجلة أحدكم)) كما قال المعصوم.. والإرادة البشرية، أو ((إرادة الحرية))، قبس من الله العظيم، وإليها الإشارة بقوله تعالى ((إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين، فإذا سويته، ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدين)) فكلمة ((سويته)) إشارة إلى ((إرادة الحياة)) وعبارة ((ونفخت فيه من روحي)) إشارة إلى ((إرادة الحرية))..