لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (١٣)
خالد الحاج عبد المحمود
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ محمود محمد طه في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
(13)
المنهاج: الوسائل والغايات
موضوع المنهاج، مرتبط تماما بقضية الوسائل والغايات، وهي من أهم قضايا الفكر البشري، والحياة البشرية.. ويمكن أن يقال، بحق، أن أزمة الحضارة البشرية كلها، ترجع إلى عدم وضوح الرؤية في أمر الوسائل والغايات، خصوصا بالنسبة للغايات النهائية.. والمنهاج، أي منهاج، هو وسيلة لغاية، فإذا لم تكن الغاية واضحة، فلا يمكن للمنهاج أن يفضي إليها.. فالوسيلة دائما من جنس الغاية وهي طرف منها، فالاختلاف بين الوسائل والغايات اختلاف مقدار، وليس اختلاف نوع، ولذلك لا يمكن، لدى النظر السليم، التوسل إلى الغايات الصحاح بالوسائل المراض.. فالغاية لا تبرر الوسيلة، وإنما هي تحددها.. وفي الإسلام عدم التخليط بين الوسائل والغايات، هو معيار الذكاء، ومعيار التمدن الحقيقي.. فالرجل المتمدن لا تلتبس عليه الوسائل مع الغاية ولا هو يضحي بالغاية في سبيل الوسيلة.. وكذلك الحال بالنسبة للرجل الذكي، فهو يملك ميزان القيم ويعرف الوسائل والغايات وينسق بينها، فلا يصرف في سبيل الوسيلة من الجهد، ما ينبغي أن يصرف في تحصيل الغاية، هذا، في حين أن غير الذكي (الشاطر)، قد يقضي حياته كلها، في سبيل الوسيلة، لأنه لا يملك التمييز الدقيق بين الوسائل والغايات.. وعدم التمييز هذا، ليس أمرا عارضا، وإنما هو الأمر الذي تقوم عليه معظم حياة البشر اليوم.. وهذا ينطبق بصورة خاصة، بالنسبة للغاية الأساسية لحياة البشر.. فمعظم البشر اليوم، في إطار الحضارة الغربية السائدة، لا يعرفون غاية نهائية لوجودهم، ولا معنى كليا لحياتهم، وغياب هذه الغاية النهائية، والمعنى الكلي، هو السر، في التعاسة البشرية، والخواء الروحي الذي يكتنف حياة معظم الناس.. وبسبب غياب الغاية النهائية، أصبحت الحياة الدنيا، عند معظم الناس هي الغاية، فهم يفنون حياتهم كلها في سبيلها، وبذلك يجعلون من الوسيلة غاية، بل الغاية الوحيدة، والكلية!!
وقد آن لهذا الخلل الخطير أن يصحح بصورة جذرية.. ولكي يتم ذلك، لابد من إعادة الاعتبار (للمطلق)، بالصورة التي تجعل هنالك أساس لمفهوم الغاية النهائية، والمعنى الكلي للحياة، وتعين على تحديد الوسائل والغايات، والتنسيق بينها.