إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الأخوان الجمهويون في جريدة الأخبار المصرية(الكتاب الأول)

مقالة الدكتور وصفي الثانية


جريدة الأخبار المصرية
1/6/1976


تعقيب على تعقيب:
الفتنة.. نائمة!!


كتب الأستاذ عبد اللطيف عمر حسب الله بصفحة الرأي للشعب بجريدة الأخبار يوم 18/5/1976 معقباً على ما ذكرناه عن محمود طه الذي صدر حكم قضائي نهائي بارتداده، مبيناً أنني لجأت إلى التجريح الذي يأباه الحوار العلمي والنقاش الموضوعي وأن قولي كان مضللاً يفتقر للأمانة العلمية والمسئولية الدينية.
فأما عن الموضوعية: فإن هذه الواقعة ليست موضوعية بطبيعتها بل هي "ذاتية" لتعلقها بواقعة معينة وبشخص معين. والمسائل "الموضوعية" هي التي تتعلق بالأمور النظرية المجردة، والتي تناقش "بصفاتها وليس بذواتها".
وأما عن العلمية: فإن طبيعة الحوار في المسائل الذاتية يعتمد أولاً على تحديد الوقائع، وعلى التزام الأمانة والصدق والصحة في نقل الوقائع..
والحق والصدق بأمانة: أنه صدر حكم نهائي من القضاء باعتبار محمود طه مرتداً. وهذا الحكم أصدرته المحكمة الشرعية العليا بالخرطوم في 18/11/1968 برياسة القاضي توفيق أحمد صديق.
وقد اعترف الأستاذ حسب الله بصدور هذا الحكم. ولكنه يقرر أن هذا الحكم كان مهزلة ذات خلفيات سياسية. ولكن الأصول العلمية تقرر أنه لا يجوز إلقاء التهم السياسية الجزافية، كما تقرر أن الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة ويتضمن قرينة لا تقبل إثبات العكس على صحة ما جاء فيه ولا يمكن تجريدها من قوتها وحجيتها لأي سبب.
ومن ذلك فمن الواضح أنني أستند في هذه القصة إلى وقائع ثابتة ولا يمكن لأحد أن يعيب علي ما ذكرت. بل على العكس لا يصح لأحد من المسلمين أن يتخذ من حُكِم بارتداده إماماً ولا أن يستشهد بأقواله في الدين..

هذه الوقائع


وتتلخص الوقائع التي أعرفها، في أن أحد تابعي السيد طه واسمه عوض الكريم موسى ـ كتب مقالاً في جريدة السودان الجديد يوم 21/11/1968 أوضح فيه رسالة محمود طه، وهي تتلخص في أن للإسلام رسالتين: الأولى أظهرها النبي صلى الله عليه وسلم على أساس من "آيات الفروع"؟ التي كانت تناسب الحالة وقتها والثانية يظهرها محمود طه على أساس "آيات الأصول؟" التي تناسب القرن العشرين!!
وقد ذكرت تفصيل هذه الآيات في مقالة لي بمجلة لواء الإسلام بالعدد قبل الأخير كما ذكرت أنني رددت على مقال عوض الكريم بناءً على طلب جريدة الرأي العام السودانية مبيناً أن هذا القول يؤدي إلى نسخ رسالة النبي صلى الله عليه وسلم واحلال رسالة أخرى محلها وأن هذه الرسالة الجديدة ـ بتحليل كلامه تتلاقى مع التعاليم الشيوعية بإرساء مبدأ السلام العالمي على أساس قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" وإلغاء الحكومات على أساس قوله "لست عليهم بمسيطر" وإلغاء الزكاة والملكية الخاصة بأدلة ذكروها وغير ذلك.. وفي هذه الأثناء كان قد قام اثنان لا أعرفهما برفع دعوى حسبة ضد محمود طه لإثبات ردته عن الإسلام فصدر الحكم بها في 18/11/1968 كما ذكرنا..

نقاش قانوني


وعلى أثر ذلك نشر نقيب المحامين هناك ـ وكان من قبل نائبا عمومياً مقالاً حاداً ساخناً قال فيه: إن هذا الحكم مخالف للدستور فيما قرره من حرية العقيدة وأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وأنه يخالف قانون العقوبات لأنه لا ينص على قتل المرتد.. ويخالف القانون المدني لأنه لا يقرر إبطال تصرفات المرتد وتوعد بأنه سيطعن في هذا الحكم أمام المحكمة العليا بعدم الدستورية وبعدم اخصاص القاضي الشرعي.
فرددت عليه "بناء على طلب جريدة الرأي العام" بأن قاضي الأحوال الشخصية يختص بإثبات الردة لأنها تؤثر في الحالة الزوجية، وإن عمل القاضي هنا يقتصر على ـ إثبات مركزه القانوني كمرتد. وأما اتخاذ التدابير الجنائية والدستورية فتكون طبقاً لأوضاع تلك القوانين.
وقد أخبرني قاضي القضاة عبد الماجد أبو قصيصة رئيس المحكمة العليا بأن هذا الحكم لم يُطعن فيه بسبب هذا الرد وأنه قد أصبح نهائياً. وقد قابلت سيادته هذا العام بمكة المكرمة وتذاكرنا هذه الواقعة..

طريق الاشتراكية


وعلى أية حال فأنا لم أذكر هذه القصة لذاتها.. وإنما ذكرتها دفاعاً عن الدين هنا، لدرء خطر احتمالي لم يتحقق والحمد لله: وهو أن يخطئ البعض في فهم قول بعضهم: "أن الاشتراكية امتداد طبيعي لتطوير الإسلام".. فيتمادى القول إلى مثل ادعاء رسالة أولى ورسالة ثانية..
وقد تبين لي أن القول بتطوير إسلامي اشتراكي يقبله كثيرون من أخلص المؤمنين عندنا، وأنهم كانوا يرون بحسن نية أنه لا مانع من التطور الإسلامي التقدمي عن طريق الاشتراكية.. وامتدت ندواتنا واستطالت حتى انكشفت الشبهة تماماً..
ومعاذ الله أن يرمي بعضنا بعضاً بالردة.. أو أن أتشكك في إيمان إخواني المسلمين بالظنون.. وخاصة أن بعض من أسهموا في هذا الرأي من أعز الناس عندي.. ورد أحدهم في هذه الجريدة 25/2/1976 بقوله "إنني لم أقل برسالة أولى وثانية".. وانتهى الأمر تماماً بذلك..

وهذا أمر مختلف تماماً عن حالة محمود طه الذي صدر في شأنه حكم قضائي نهائي باعتباره مرتداً والذي نُسبت له أقوال محددة توجب الردة بلا جدال..

الفتنة نائمة


فنحن لم نتجن عليه.. وإنما عندي ملف كامل بالموضوع به هذه المقالات التي ذكرتها.. وعندهم فضيلة المفتي ليفصل فيما إذا كانت مثل هذه الأقوال موجبة للردة أم لا!
ولكن ليس معنى ذلك أن نفتح هذه السيرة من جديد في الصحف.. فقد طلب بعض أتباع السيد محمود طه أن يقابلوني ورحبت بذلك وكنت سأنصحهم بما قلت.
ومحمود طه بدوره.. يستطيع أن يعلن توبته أمام القاضي بالصيغة الخاصة المحددة للتوبة من الردة وينتهي أمر هذه الدعوى الغريبة التي تقلق بال كل من اطلع عليها من المسلمين..
فلندع الفتنة نائمة.. لعن الله من أيقظها..
وإنما يعنينا حسن بناء هذا العمل الثوري الصاعد: وهل يمكن تطويره طبقاً للضوابط الاشتراكية، أم طبقاً لضوابط إسلامية خاصة!؟
هذه هي المسألة بكل تكاتف وتعاون ولن نتفرق فيها أبداً عن وحدتنا الوطنية مهما اختلفت آراؤنا في ظاهرها.