إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

إصطلحوا مع إسرائيل

الفصل الرابع

الحل الآجل – بعث الإسلام



أشرنا، فيما سلف، الى الحل الآجل لمشكلة الشرق الاوسط الذي يجب أن يتفرّغ له العرب بعد أن يتم لهم الحل السياسي العاجل على النحو المرضي.. وقلنا إنه يتلخّص في بعث الإسلام في مستوى مقدرات وتطلعات الإنسان المعاصر. إن أساس مشكلة الشرق الاوسط هو انعدام المذهبية التي توّحد العرب، فتعصمهم من الدخول في حلبة الحرب الباردة الناشبة بين الكتلتين. وقيام دولة إسرائيل بين ظهراني العرب إنما هو بمثابة التحدي المصيري للعرب، فهم، إنما يواجهون، في واقع الأمر، الحضارة المادية الغربية، بمنجزاتها الهائلة، التي تمثلها إسرائيل أحسن تمثيل.. ورسالتهم المقدسة هي لا أن يدخلوا في صراع حضاري بحت مع إسرائيل، وإنما هي أن يلّقحوا هذه الحضارة المادية بالمدنية (المادية الروحية) التي يملكون مقوماتها بما هم ورثة المصحف الشريف، وعترة النبي الكريم. رسالتهم المقدسة هي تتويج هذه الحضارة المادية، كبناء تحتي، بالمدنية (المادية الروحية) كبناء فوقي..
والتحدي الذي يواجه العرب، اليوم، هو الصورة الصارخة للتحدي الذي يواجه البشرية المعاصرة جمعاء.. ذلك بأن البيئة الكوكبية، اليوم، قد حققت الوحدة الجغرافية، بفضل الله، ثم بفضل تقدّم وسائل الإتصال الحديثة، فصارت هذه البيئة الجديدة محتاجة الى العيش في سلام حقيقي كالذي ينبغي أن يقوم بين الجيران. ولذلك فقد صارت محتاجة الى الوحدة الفكرية بين أفرادها حتى يستطيعوا أن يعيشوا في سلام مع اختلاف ألوانهم، ولغاتهم، وعاداتهم، وعقائدهم..
وقد عجزت الحضارة المادية الغربية، بشقيها الشيوعي والرأسمالي، عن تحقيق هذه الوحدة الفكرية، وذلك لقيامها، بشقيها، أساسا، على القيمة المادية، لا على القيمة الفكرية.. كما عجزت هذه الحضارة، بشقيها، عن الجمع، في جهاز حكومي واحد، بين الإشتراكية والديمقراطية. وأصبحت البشرية، اليوم، محتاجة الى مدنية جديدة توّفق بين حاجة الفرد الى الحرية الفردية الكاملة وحاجة الجماعة الي العدالة الاجتماعية الشاملة، واضعة حاجة الفرد في مركز التنظيم، ثم تفرع تشريعها في الاشتراكية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية على إعتبار يجعل المجتمع البشري الوالد الشرعي للفرد البشري الكامل.. المستمتع بكمال حياة الفكر، وكمال حياة الشعور.. وليس الى هذه المدنية من سبيل في غير الإسلام ولهذا فإن بعث الإسلام إنما هو مسألة حياة أو موت بالنسبة لجميع البشرية..