إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الأخوان المسلمون
الجزء الأول

الفصل السابع

الإنصراف عن التربية عند الأخوان المسلمين


خصائص الداعية الإسلامي


إن على الداعية الإسلامي، المرشد، الذي يدعو إلى البعث الإسلامي، ويربي، ويرشد، تلاميذه ليكونوا دعاة إلى هذا البعث، أن عليه لأن يكون على نسق عال من التأسي بالسنّة النبوية، بحيث يكون محييا لها بعد إندثارها، فيكون له بذلك قدم عال في العبودية، يتحقّق له بـ "الإسلام" – وهو، في سبحاته العليا، الإستسلام الراضي بالإرادة الإلهية، من غير إعتراض عليها، لا في السر، ولا في العلن.. فيتنضّح هذا "الإسلام" على أخلاقه ليكون عزوفا عن شهوة السيطرة على الآخرين، وعزوفا عن شهوة التملّك.. فهو لا يسعى إلى السلطان، ولا يتخضّع، ويتملّق السلاطين، وهو على معيشة الكفاف التي يقتنع فيها بسد حاجته الماثلة.. ثم تنعكس هذه الحرية الداخلية على فكره صفاء، وعلى قلبه سلاما، فينفذ، بفضل الله، ثم بفضل كل أولئك، إلى معرفة حقائق الدين، فيستنبط منها من الحلول لمشاكل الحياة المعاصرة، عن وعي عميق بهذه المشاكل، ما يبرز فضيلة الإسلام على سائر الأديان، وعلى سائر الفلسفات.. وذلك في صورة "فكرة" متكاملة، مصبوغة بصبغة التوحيد التي تتحلّى بها نفس الداعية المرشد.. ثم هو كلف بتربية أتباعه على منهاج السنّة النبوية هذا، في العبادة، وفي العادة، بوعي شديد، وبتجويد دقيق.. وهو المنهاج الذي يوّسع حرياتهم، ويبرز شخصياتهم، ويفجّر طاقاتهم.. فيحمل الأتباع على تطبيق منهاج السنّة النبوية، في أنفسهم، قبل مباشرتهم إليه، وذلك حتى يقيموا الحجة على صدق دعوتهم بلسان الحال قبل لسان المقال، فإذا استقامت نفوسهم على الجادة أذن لهم في دعوة الناس، ثم هم، في هذا الصدد، من سعة الصدر بحيث لا ينكرون على الآخرين حقهم في الرأي، ومن حلاوة الشمائل بحيث يألفون، ويؤلفون حتى من الذين يخالفونهم في الرأي!!
هذا ما نرى أن تكون عليه صفات الداعية الراشد، والداعية السالك.. وهو ما نلتزمه، نحن الجمهوريين، في الدعوة الإسلامية الجديدة!!

الأخوان المسلمون والإنصراف عن التربية


ونقص التربية، والترشيد، في تنظيم الأخوان المسلمين، إنما مرده إلى غلبة روح التنظيم على العمل التربوي.. وذلك بأن حركة الأخوان المسلمين قد نشأت على أساس المواجهات السياسية، والمصادمات الدموية، والتصفيات الجسدية، فصار الإهتمام عندهم يولي بما يقوم به عضو التنظيم من عمل خارجي في إتجاه العنف، أكثر من العناية بالتربية الداخلية.. وحتى ما يتلقاه عضو التنظيم من "تربية" إنما ليجعله على درجة عالية من المقدرة والحماسة لخدمة أغراض التنظيم "العنيفة"!!
والتعاليم التي يتلقاها الأخوان المسلمون من مرشديهم إنما لتعمق فيهم روح الوصاية، والإستعلاء، على كافة الناس ممن لا ينضوون تحت لواء تنظيمهم – فالأخ المسلم، ولو كان عمره في التنظيم لا يعدو الأيام القليلة، إنما يوجه ليشعر بكمال دينه، وبنقصان دين الآخرين، ومن ثمّ بروح الإستعلاء عليهم.. ويسمى الأستاذ سيد قطب ذلك: ((إستعلاء الإيمان))، ويفرد له بابا كاملا بهذا الإسم في كتابه: ((معالم في الطريق)).. وهذه التوجيهات إنما لها آثار تربوية سيئة، وسلبية في نفوس النشء، والشباب، بما تبذره في نفوسهم من الإستخفاف بقيم المجتمع، والجرأة على الكبار.. وبما تصرف عنه النظر إلى العيوب الذاتية، وذلك حيث يكون إهتمام الفرد منصبا على عدوه الخارجي!!
وليست مظاهر التعصب، والتشنّج، والميل إلى العنف، والإرهاب، والإثارة، التي عرف بها الأخوان المسلمون، في جميع الأوساط، إلاّ أثرا طبيعيا لضعف قيمة التربية في هذا التنظيم.. ونورد هنا أحد توجيهات وإرشادات، الشيخ حسن البنا إلى الأخوان المسلمين: ((نحن أيها الناس، ولا فخر، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملة رايته من بعده، ورافعو لوائه كما رفعوه، وناشرو لوائه كما نشروه، وحافظو قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا، ورحمة الله للعالمين، "ولتعلمّن نبأه بعد حين".. أيها الأخوان المسلمون: هذه منزلتكم، فلا تصغروا من أنفسكم، فتقيسوا أنفسكم بغيركم!!))!!
هكذا يضع الشيخ حسن البنا أعضاء تنظيمه في منزلة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي!! وهو، بدلا من ان يدعوهم إلى النظر إلى دخيلتهم لإصلاح عيوب السلوك، يشغلهم بإدّعاء مقامات الصحابة، وبالفضيلة على كل أحد خارج تنظيمهم!!
وعند الأخوان المسلمين السلطة مقدمة على التربية، فهم يرون أن تفاصيل الفكرة الإسلامية أمر يجيء الإهتمام به بعد الإستيلاء على السلطة، معتمدين في ذلك على فهم خاطيء لهذه القولة الحكيمة: ((إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن))، وفاتهم أن السلطان المعني، هنا، إنما هو "السلطان" الذي جسّد القرآن، وتأدب بأدبه، وتربى بتربيته، وليس مجرد "السلطان" كما يسعون هم لإقامته بكل سبيل.. وإنما كان ذلك كذلك لأن القرآن العظيم شرفه في الصدور بأكثر مما هو في السطور!! قال تعالي: ((بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، وما يجحد بآياتنا إلاّ الظالمون..)).. فالسلطان، بهذا الفهم الجلي، يعني تطبيق الشريعة الجماعية ممن تخلّق، وتحقّق، بظاهرها، وباطنها.. وهذا يعني أن التربية بأدب العبادة والمعاملة أساس، وسابقة، على التطبيق الجماعي.. والمجتمع المطبّقة عليه الشريعة الجماعية وسيلة، ومعين، على التربية الفردية.. والعكس غير صحيح تماما..