إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

ساووا السودانيين فى الفقر
الى أن يتساووا فى الغنى

المقترحات العمليــــة



ضرورة معالجة المرحلة الثانية من التقويــم:


كنا قد أشرنا، فى منشورنا الأول، الى الظروف السياسية، والإقتصادية، الحرجة التى تمر بها البلاد.. هذه الظروف التى تفاقمت أخيرا من جرّاء ضغوط المطالب الفئوية، المتزايدة على الموارد المحلية الشحيحة، تلك الضغوط التى تمثلت أخيرا فى المطالب العمالية الملّحة بصرف المرحلة الثانية من التقويم الوظيفى، والتى يقدر لها أن تبلغ، فى جملتها، وبالنسبة لكل الفئات، 150 مليون جنيه.
ولما كنا قد أشرنا فى ذلك المنشور الى أنه من الحكمة السياسية، فى هذه اللحظة الحرجة التى تهدد بمزيد من التدهور السياسى، ومن التدهور الإقتصادى، أن تستجيب السلطة إستجابة مبدئية لمطلب العمال، فإننا، فى ذات الوقت، كنا نرى ضرورة إتخاذ التدابير المالية، والإقتصادية، الحكيمة التى توفق بين هذه الإستجابة وبين الحيلولة دون ما قد تؤدى اليه من آثار سلبية خطيرة على الإقتصاد الوطنى، وعلى المجتمع السودانى، والتى ستتمثل فى المزيد من التضخم المالى الذى سيصعّد من تكاليف المعيشة، ومن كلفة التنمية، بصورة تحفز العمال الى المزيد من المطالبة بالزيادة فى الأجور، مما يضيّق فرص توفير الموارد المحلية الفعلية لمقابلة إحتياجات التنمية التى حددها برنامج الإستثمار الثلاثى، فى إطار سياسة التركيز المالى والإصلاح الإقتصادى، كما يضاعف من معاناة العمال، والشعب عامة.

اصرفوا النصف الثانى من التقويم لتقطعوا الطريق على المعارضة:


وإذا تصورنا مبلغ الخطورة التى تنتظر هذه البلاد، والدمار الإقتصادى الذى تتعرّض له، إذا لم تعالج مشاكل العاملين، وتفوت الفرصة على الذين، يريدون إستغلالهم لإسقاط هذا النظام، وإشاعة الفوضى، لأصبح واضحا أن السلبيات التى ستصاحب هذه الإستجابة، وتترتب عليها، مهما بلغت، فإنها ليست بشىء فى مقابل الخسائر المتوقعة.. ذلك بأن عدم صرف النصف الثانى من التقويم الوظيفى، سينطوى على مخاطر إقتصادية، ومالية أكبر من تلك التى ستترتب على صرفه، حيث أن الخيار، فى حالة عدم الإستجابة، هو الفوضى السياسية، والفوضى السياسية تقوّض أركان البناء الإقتصادى بحيث لا يمكن إعادته الاّ بباهظ التكاليف..

لا بد من اسلوب ثوري لمعالجة الموقف المالى:


وبما أن صرف التقويم الوظيفى بمرحلتيه، الأولى، والثانية قد أضاف وسيضيف على الموارد العامة عبئا هو من الضخامة بحيث لم يسبق أن واجهته حكومة من قبل، وفى وقت بلغت فيه إستثمارات التنمية، والتزاماتها المالية، معدّلا لم يسبق للبلاد به عهد، فإننا نرى أن هذا الموقف، الذى جدّ بتمويل التقويم والترتيب الوظيفى فى مرحلتيه، يقتضى أُسلوبا من المواجهة جديدا وثوريا، بل تحولا حقيقيا عن الأسلوب التقليدى الذى جرى عليه العمل فى معالجة المشاكل المالية.
وقد كنا نتابع بإهتمام كبير، الصراع الذى كان يدور، فى مجلس الشعب بين الحكومة، وهى تقدم مشروع الميزانية العامة، وبين أعضاء مجلس الشعب الذين كانوا يعارضون بعض الزيادات الضريبية التى أوجبتها الإلتزامات المالية المترتبة على صرف المرحلة الأولى من التقويم الوظيفى.. ولقد استوجبت هذه التبعات الجديدة التى شملت مشروعات أخرى هامة، بجانب مشروع التقويم، أن يقفز نمو الإيرادات المقدّرة من 23% كمعدل للسنين السابقة، الى 32% خلال العام المالى الجديد!! هذا ولمّا كنا نعلم أن أقصى رقم للإيرادات الفعلية حصلته الدولة من مصادر الإيرادات المختلفة، لم يتجاوز ال500 مليون جنيه، فإن الربط المقدر لإيرادات الميزانية العامة لهذا العام، والذى بلغ حسب التقديرات حوالى 908 مليون جنيه، لا يتوقع تحقيقه ما لم تواجه الدولة الموقف بأسلوب ثوري جديد، وذلك لأن عليها أن ترفع التحصيل الفعلى، للإيرادات العامة، بأكثر من 400 مليون جنيه، أى بنسبة 80% لتقابل به النصف الأول من التقويم الوظيفى، وجزءا من النصف الثانى، بالإضافة لأوجه الصرف الأخرى الهامة التى شملتها الميزانية، وبخاصة الفائض الموّجه للتنمية..

واجب السلطة وواجب العمال:


ونحن إذ نطلب من السلطة الإستجابة لمطلب العمال، تحملا منها لمسؤوليتها فى مشروع التقويم الوظيفى، وتفاديا لما سيترتب على عدم الإستجابة من خطر عظيم على سلامة البلاد، نهيب، فى نفس الوقت، بفئة العمال، أن تتفّهم، وتقدّر، ما يواجه البلاد الآن من ظروف مالية حرجة، تكاد الموارد فيها تضيق حتى عن مقابلة تكاليف النصف الأول من التقويم الوظيفى، دع عنك النصف الثانى منه، حتى يستطيع الطرفان المعنيان – السلطة والعمال – بفضل هذا التفهم والتقدير المتبادل، التوصل الى حل وسط يوفق بين مطالب العمال وبين الإلتزامات الأخرى التى تواجه السلطة، والتى على رأسها التنمية، فى الإطار المحدود للموارد، الذى ظلّ يعكسه واقع التحصيل الفعلى، فى السنين المختلفة، والذى أشرنا الى مثال منه آنفا، حيث قلنا أن الإيرادات العامة، المطلوب تحقيقها من مصادرها المختلفة لتقابل أوجه الصرف المختلفة، تبلغ 908 مليون جنيه، بينما لم يحدث أن تجاوزت الحصيلة الفعلية للإيرادات، فى أى عام مضى الـ 500 مليون جنيه. هذا، وتحت إلحاح، وضغوط الفئات على السلطة، من أجل زيادات عالية فى الأجور، وفى ظروف مالية تعانى فيها الميزانيات عجزا مستمرا، فإن السلطة لا محالة تلجأ الى الإستدانة من النظام المصرفى، وذلك يعنى مزيدا من التصعيد للغلاء، وهذا يعنى بدوره مزيدا من المعاناة فى جانب الشعب عامة، والعمال خاصة. لذلك فالموقف يتطلّب التعاون بين السلطة والعمال لمعالجة هذا الأمر بالحكمة الكافية التى تنتهى الى التوفيق بين مطالب العمال وبين المصلحة العليا للبلاد..