إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

تطوير شريعة الأحوال الشخصية

بســم الله الرحمـن الرحيـم
((من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد))
صدق الله العظيم

مقـدمة الطبعة الثـانية


هذه مقدمة الطبعة الثانية من كتاب ((تطوير شريعة الأحوال الشخصية))، وكانت الطبعة الأولى منه قد صدرت في شهر ذي القعدة من عام 1391- ديسمبر من عام 1971.. ولقد لقيت إقبالا كبيرا من القراء الكرام، مما شجع على إعادة طبعه..
صدرنا هذه الطبعة بالآية الكريمة: ((من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد)).. ذلك بأنها آية تقرر مبدأ المسئولية.. والمسئولية هي الخط الفاصل بين القاصر والرشيد.. فالقاصر حظه منقوص، والرشيد حقه كامل - القاصر عليه وصي، والرشيد وصي نفسه تحت ظل القانون.. وليس في شريعة الله ظلم، فما هو إلا العدل.. والعدل هو وضع الأشياء في مواضعها.. العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه.. فليس من العدل معاملة القاصر معاملة الرشيد، فإنه لا يستحقها.. وليس من العدل أيضا معاملة الرشيد معاملة القاصر، فإنه يستحق أفضل منها.. ولقد جاء في شرع الله أن المرأة على النصف من الرجل.. قال تبـارك وتعـالى: ((يوصيكم الله في أولادكم، للذكر مثل حظ الأنثيين)).. وقال جل من قائل: ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم.. فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، ممن ترضون من الشهـداء، أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)).. وليس هذا ظلما، وإنما هو عدل، ولكنه العدل الذي يناسب القاصر.. هو العدل الذي يبرره حكم الوقت.. فقد كانت المرأة في القرن السابـع قاصرة عن شأو الرجل، وليس القصور ضربة لازب عليها، وإنما هو مرحلة تقطع مع الزمن والصيرورة إلى الرشـد حتم، مقضي، بحتمية ملاقاة الله: ((يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا، فملاقيه)) وليست ملاقاة الله بقطع المسافات، وإنما هي بتقريب صفات العبد من صفات الرب.. وليس الإنسان الوارد ذكره هنا هو الرجل وحده، وإنما هو الرجل أو هو المرأة.. والصيرورة المحتومة من القصور إلى الرشد إنما تنفذ في الزمن، وبنفاذها يقـع ما يسمى بحكم الوقت.. فللقـرن السابـع ((حكم وقت)) هو الذي جعل العدل بين الرجال والنساء على الصورة التي جاءت بها شريعة الله، وللقرن العشرين ((حكم وقت)) يجعل صورة العدل في القرن السابع ظلما يبرأ الله منه.. وتنتقل صورة العدل إلى المستوى الجديد الذي ضمنـه دين الله، حين قصرت عنه شريعة الله للقرن السابـع، نزولا على مقتضى الحكمة التي أقام الله عليها ((حكم الوقت))..
وفي حين جاء في شرع الله أن المرأة على النصف من الرجل، جاء في دينه أن المرأة مساوية للرجل، أمام القانون.. قال جل من قائل: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة.. والله عزيز حكيم)).. والمعروف هو ما تواضع عليه الناس، بحسب حكم وقتهـم، بشرط ألا يخل بغرض من أغراض الدين.. وأغراض الدين محورها تحقيق كرامة الإنسان، من رجل أو امرأة.. والمعروف، عندنا في القرن العشرين، هو أن نعلم المرأة لأعلى الدرجات، وقد أصبح لدينا منهن الآن الطبيبة، والقاضية، والمحامية، والمهندسة، والزراعية، والإدارية الخ الخ.. وهذا العرف، بما يحقق من كرامة الإنسان، فإنه لا يعوق أغراض الدين، وإنما يحققها، ولكنه، في نفس الوقت، ولنفس السبب الذي ذكرنا، يوجب تحولا جذريا في أمر الحقوق والواجبات التي قام عليها ((حكم الوقت)) في القرن السابع.. فجاء من ههنا قوله تعالى: ((ولهن مثل الذي عليهن)).. يعني لهن من الحقوق مثل الذي عليهن من الواجبات.. فإذا كانت الواجبات التي عليهن، وينهضن بها، مساوية للواجبات التي على الرجال، وينهضون بها، فقد أصبح لهن من الحق مثل ما لهم، لا وكس ولا شطط..
أحب لبناتنا أن يعلمن هذا، وأن يجودن فهمه، وألا يترددن في وصف قصور شريعة القرن السابع (وبخاصة في أمر الأسرة) عن شأو القرن العشرين وليكن واضحا في أذهانهن أنهـن، حين يفعلن ذلك، لا ينسبن الظلم، ولا القصور، إلى الله، تعالى الله عن ذلك، وإنما ينسبنه((لرجال الدين)) الذين يطيب لهم أن يتحدثوا باسم الله، وهم لا يكادون يفهمون عنه شيئا، وإنما يتحدثون فيما لا يعلمون، حين يريدون للناس أن يعتقدوا أن كلمة الإسلام الأخيرة في أمر التشريع قد قيلت في القرن السابع..
أحب لبناتنا أن يدافعن عن حقوقهن في تشريع الدين، لا أن يبحثن عن الإنصاف في شرائع الغربيين، فإنها لا تحوي لمشاكلهن حلولا، ولا لمشاكل الرجال.. وأحب لهن أن يستيقن أنهن أولى بالدين ممن يسمون أنفسهم ((برجال الدين)) ممن جمدوا الدين، وجعلوه قضايا فقهية متحجرة، لا روح فيها ولا حياة..
هذا الكتاب - كتاب ((تطوير شريعة الأحوال الشخصية)) يهدي من جديد لبناتنا، علهن يجدن فيه قبلة حلول مشاكل المرأة، ومشاكل الرجل، على سواء.