إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

تطوير شريعة الأحوال الشخصية

آيات الأصول، وآيات الفـروع:-


قلنا: أن الآيات المكية هي آيات الأصول، وأن الآيات المدنية هي آيات الفروع.. وقلنا، أن نزول آيات الأصول قد تواتر خلال ثلاث عشرة سنة، أثناء العهد المكي.. فلم يستجب لها الجاهليون.. فظهر ظهوراً عمليا، أنها أكبر من مستواهم.. فنزل إلى مستواهم، بعد الهجرة إلى المدينة، وبعد إفتتاح العهد المدني.. فنزلت آيات الفروع.. واعتبرت صاحبة الوقت، لمناسبتها لمستوى الناس.. ونسخت آيات الفروع، آيات الأصول..
فآيات الأصول هي قمة الدين.. وكانت تقوم على تقرير كرامة الإنسان - على الحرية - ومن هاهنا كانت آيات إسماح.. ومنعت الإكراه منعا تاماً.. وهي كثيرة جداً.. ومن أمثالها قوله تعالى: ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن.. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين)).. ومنها: ((وقل الحق من ربكم!! فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر..)).. ومنها قوله: ((فـذكر!! إنما أنت مذكـر * لسـت عليـهم بمسيطر!!))..
وعند نهاية الفترة المكية التي بها ظهر القصور العملي عن شأو آيات الأصول، بدأ عهد التحول، ليجيء التنزيل في مستوى الأمة يومئذ.. وأول ما بدئ به التحول قوله تعالى: ((أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا.. وإن الله على نصرهم لقدير..)) هذا إذن، بعد أن لم يكن إذن بالقتال.. بل بعد أن قد كان نهي عنه.. ثم جاء في طريق التحول بنقلة أخرى، فقال: ((وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا.. إن الله لا يحب المعتدين)).. ثم جاء بخاتمة العهد القديم، فنسخ آيات الإسماح جميعها، وذلك حيث قال: ((وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله.. فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين)).. فهو ها هنا قد جاء بالحكمة وراء القتال، وهي إنهاء الشرك، وتوطيد عبادة الله وحده، لا شريك له.. ((حتى لا تكون فتنة))..، أي شرك.. ((ويكون الدين لله))، خالصاً، من غير شريك.. قوله: ((فإن انتهـوا)) يعني عن الشرك.. ((فلا عدوان إلا على الظالمين)).. يعني لا يكون قتال بالسيف، وإنما تكون إقامة الشريعة على الخارجين عليها من المؤمنين بالمعصية.. وفي هذا المستوى جاءت آية ((التوبة)) التي سميت: ((آية السيف)) واعتبرت ناسخة لجميع آيات الإسماح.. قال تعالى فيها: ((فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم، واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد.. فإن تابوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم.. إن الله غفور رحيم..)).. هذه الآية توجت الصورة التي بدأت منذ حين.. وقال المعصوم، في بدايتها: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ((لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة.. فإذا فعلوا، عصموا مني أموالهم، ودماءهم، إلا بحقها.. وأمرهم إلى الله)).. فلكأن العهد الذي بدأ بعرض الحرية، وحمايتها، والحرص على توفيرها، إلى الحد الذي ينهى فيه النبي، على كمال خلقه، عن السيطرة على الأفراد: ((فذكر!! إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر))، قد انتهى.. وقد بدأت مصادرة حرية من يسئ التصرف في الحرية.. وهذا حق، وعدل، لا يأتيه الباطل، ولا الظلم، لا من بين يديه، ولا من خلفه.. فإنـه، في أصل الإسلام، أن الناس أحرار، على شرط أن يحسنوا التصرف في الحرية.. وحسن التصرف في الحرية معناه: إفراد الله بالعبادة، لأن الله، تبارك، وتعالى، يقول: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) فهو تعالى قد خلق الناس ليعبدوه، وحده، لا شريك له.. ووفر لهم من نعمة العقل، ونعمة البدن، ونعمة الرزق، ما يعينهم على حسن عبادته.. ثم إنهم انصرفوا عنها، وعكفوا على عبادة أصنام ينحتونها بأيديهم فأرسل لهم رسوله، وهيأه بكمال الصفات، وحلاوة الشمائل، وأنزل معه قرآنا معجزاً، يتلى، وأيده بكل البينات، ليذكرهم، بأيام الله ويدعوهم إلى عبادته.. ثم إن الرسول اجتهد في ذلك، لا يألو.. ومكث بين ظهرانيهم ثلاث عشرة سنة يبغيهم الخير.. يحتمل أذاهم، ويكف عنهم كل الأذى.. فلم يستجيبوا.. بل بلغ طغيانهم أن تآمروا على حياته، فظهر، من كل أولئك، أنهم قصر، وأنهم دون مستوى مسئولية الحرية، فسحبت منهم الحرية.. وجعل أمرهم إلى النبي، وصياً عليهم، (شأن القصر دائما)، وأمر أن يرشدهم، وأن يحملهم على مصلحتهم، بالإكراه، إن اقتضى الأمر.. وكذلك جاء الأمر بالجهاد.. وجاء حديثه الآنف الذكر.. وكانت مصادرة الحرية، للمشركين عن طريق السيف، وللمؤمنين عن طريق الشريعة.. والتشريع عادة لا يصادر الحرية، وإنما ينظمها.. ولكن التشريع في مرحلة الوصاية يشكل قدراً من المصادرة، فهو يصادر الحرية التي لا يطيق تحمل مسئولية حسن التصرف فيها القاصر.. ومن هذا الباب آية الشورى التي يعتبرها علماء المسلمين آية ديمقراطية، وما هي بذاك، وإنما هي آية حكم الفرد الرشيد الذي جعل وصياً على القصر، وأمر بترشيدهم حتى يكونوا أهلا للديمقراطية، بنهوضهم إلى مستوى حسن التصرف في الحرية الفردية.. وآية الشورى تقول: ((فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا، غليظ القلب، لانفضوا من حولك.. فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر.. فإذا عزمت فتوكل على الله.. إن الله يحب المتوكلين)).. هذه آية الشورى.. وهي، كما قررنا، ليست بآية ديمقراطية.. أكثر من هذا!! أنها ناسخة لآية الديمقراطية.. ناسخة لقوله تعالى: ((فذكر!! إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر)) هاتان الآيتان هما آيتا الديمقراطية.. وهما منسوختان على مستويين.. فأما في مستوى المشركين، فمنسوختان بآية السيف.. وأما في مستوى المؤمنين، فمنسوختان بهذه الآية - آية الشورى- وما دمنا في ذكر الديمقراطية فمن الخير أن نستطرد يسيراً إلى ذكر توأمتها - الاشتراكية.. فإن الاشتراكية في أصول الإسلام، وليست، في فروعه - أعني أنها ليست في شريعته.. فآية الاشتراكية ((ويسألونك ماذا ينفـقون!! قل العفو!!)) وهذه هي آية الزكاة الكبرى، آية زكاة النبي.. وهي، في حق الشريعة، للأمة، غير ملزمة، وإنما هي منسوخة بالآية الفرعية، آية الزكاة الصغرى:
((خذ من أموالهم صدقة، تطهرهم، وتزكيهم بها.. وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم.. والله سميع عليم)).. ونختم هذا الاستطراد القصير بكلمة أخيرة يجب أن تكون مفهومة، فإن من يتحدث عن الديمقراطية، والاشتراكية، في الإسلام، من غير أن يتحدث عن تطوير الشريعة السلفية من مستوى آيات الفروع، إلى مستوى آيات الأصـول إنما يدلي بباطل، ويتحـدث فيما لا يعلم..

الوصــاية:-


بينا أن الشريعة الإسلامية، حيث قامت على آيات الفروع، فقد قامت على عهد الوصاية ((وهو عهد لا بد أن يكون مرحلياً فإنه، إلا يكن كذلك، تكن آيات الأصول، وهي قمة ديننا منسوخة، وإلى الأبد بآيات الفروع، وهي دونها بما لا يقاس.. ومعنى هذا أن يقدم المفضول على الفاضل، وهذا ما لا يكون لأنه يتنافى مع الحكمة.. فلم يبق إلا أن نسخ الفاضل بالمفضول هو نسخ مؤقت.. والحكمة وراءه إنما هي نقل المجتمع المتخلف، في المراقي، ليستعد ليستأهل آيات الأصول.. وحيث كانت الأمة قاصرة، وكان النبي وصياً حتى على الرجال، فإن الرجال، بدورهم، وعلى قصورهم قد جعلوا أوصياء على النساء.. وذلك لمكان قصورهن الكبير، الذي ورثنه من العهد الجاهلي.. والآية التي تقوم عليها وصاية النبي على الرجال، هي آية الشورى وقد أوردناها من قبل ونصها: ((فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا، غليظ القلب، لانفضوا من حولك.. فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر.. فإذا عزمت فتوكل على الله.. إن الله يحب المتوكلين)).. قوله: ((فإذا عزمت فتوكل على الله)) هو الذي يحمل سر الوصاية.. فكأن الشورى مأمور بها، ولكن رأي المستشارين غير ملزم.. فلكأنه قال: شاورهم في الأمر، لتطيب خواطرهم، ولتصحح، عندهم، احترام بشريتهم، ولتجعل لهم مشاركة في أمورهم، ولتعدهم ليخرجوا من دور القصر إلى دور الراشدين.. فإذا كان رأيهم موافقاً لرأيك، أو لم يكن لك رأي عتيد فيما شاورتهم فيه، وعزمت على تنفيذ ما أشاروا به.. فتوكل على الله، ونفذ.. أما إذا كان ما أشاروا به لا يتفق مع ما ترى، وعزمت على تنفيذ ما تراه صواباً، فاطرح رأيهم.. فإنه غير ملزم لك، وتوكل على الله في تنفيذ ما ترى.. هذا شأن الأوصياء الراشدين، مع القصر الذين جعلوا تحت وصايتهم.. هذا الفهم لطبيعة الشورى لا يحتاج منا إلى طويل تفصيل، فإنه، في التجارب المعاشة عندنا الآن، صاحب الأمر غير ملزم باستشارة المستشار، هذا في المكان الأول، ثم هو، إن استشاره، فإنه، على التحقيق، غير ملزم بالأخذ بمشورته، وإنما هو يستشير ليستأنس برأي المستشار.. هذا إذا كان المستشار صاحب اختصاص، فما ظنك به إذا كان قاصرا؟؟ أليس من الغريب أن توهم هذه الآية أحدا بأنها آية ديمقراطية؟؟ والآية التي تقوم عليها وصاية الرجال على النساء، هي آية: ((الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات، حافظات للغيب، بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن.. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا.. إن الله كان عليا كبيرا)).. قوله: ((الرجال قوامون على النساء)).. يعني أوصياء عليهن، لهم عليهن حق الطاعة.. السبب؟؟ ((بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم..)).. والفضيلة، ههنا، هي، في المكان الأول، فضيلة جسدية.. هي قوة الساعد، وقوة الاحتمال، والمقدرة على الانتصار في مآزق الحروب، أو مضانك كسب العيش.. فإن الفضائل تختلف اختلافا كبيرا من مجتمع لآخر، فما هو فضيلة في مجتمع بعينه، قد لا يكون فضيلة في مجتمع آخر.. فإنك أنت اليوم في مدينة أم درمان، حيث حكومة القانون قائمة، وحيث رجال الأمن ساهرون، فليس من الفضيلة أن تسير في الشوارع وأنت تحمل سلاحا، سيفا كان، أو حربة، أو بندقية، ابتغاء أن تعتدي على من قد يعتدي عليك.. ولكن الفضيلة في أن تطمئن إلى القانون وأن تحترم القانون فلا تأخذه في يدك، وإنما تحرك دولابه ليقتص هو لك ممن اعتدى عليك.. ثم أن صنيعك هذا الذي اعتبر فضيلة في مدينة أم درمان لا يعتبر فضيلة في بادية الكبابيش، أو في جبال البحر الأحمر، أو في أحراش الجنوب، وإنما تكون الفضيلة في هذه المواطن أن تسير وأنت تحمل من السلاح ما تردع به من عسى تحدثه نفسه بالتعـرض لك بالمكروه، أو، على أيسر تقدير، ما ترهبه به.. هذا هو اختلاف الفضيلة بين مجتمع المدينة مثلا ومجتمع الغابة.. وعلى نحو من هذا الأساس تقاس الفضيلة في قوله: ((بما فضل الله بعضهم على بعض)).. وبسبيل من هذا تجيء المقدرة على كسب الأرزاق، وإحراز الأموال.. ومن ثم: ((وبما أنفقوا من أموالهم)).. فكأن المرأة، لمكان ضعفها الجسدي، وضعفها الوظيفي، في معترك الفضيلة فيه، في أغلب الأحيان، لقوة الساعد، ولفرصة الخلو من الموانع التي تعوق الكدح، والسعي، قد أصبحت محتاجة إلى من يغذوها، ومن يحميها.. ومن ثم، فقد اضطرت، فدفعت قسطا كبيرا من حريتها ثمناً تحرز به حمايتها، وغذاءها.. لعمري!! ليس الأمر بهذه الغلظة، ولا هو بهذا الجفاف!! ولكن، لا ضير! فإن ما ذكر يعطي صورة، عن قاعدة التعـامل، في بداياتها، على وجه العموم..
يتضح من هذا الاستقراء اليسير، أن قانون الإنسان كلما أديل من قانون الغابة، تصبح المرأة مستغنية عن حماية الرجل.. فلا تكون مضطرة، من أجل الحماية، أن تنزل عن قسط كبير جدا من حريتها كثمن لها.. ذلك بأن الحماية - حماية الرجل، وحماية المرأة - ستحال على القانون، كما رأينا في المثل الذي ضربناه.. ويومئذ تنتقل الفضيلة، من قوة العضل، إلى قوة العقل، وقوة الخلق، ولن يكون حظ المرأة، في هذا الميدان، حظا منقوصا، وإنما هي فيه مؤهلـة لتبز كثيراً من الرجال.. وما يقال عن الحماية يقال عن النفقة التي هي سبب القوامة الثاني: ((وبما أنفقوا من أموالهم)).. فإنه، في المجتمع الذي تكون فيه الفضيلة لقوة العقل، وقـوة الخلق، تتيسر المكاسب للضعاف، كما تتيسر للأقوياءـ، أو تكاد.. وفي القرآن آيـة عتيدة، هي أس الرجاء لمستقبل المرأة.. ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة.. والله عزيز حكيم))..
ولقد أسلفنا القول بأن المعروف هو ما تواضع عليه الناس، نتيـجة لتمرسهم بمشاكل الحياة، ونتيجة، تبعا لذلك، لتطورهم في مراقيها، بشرط واحد، هو ألا يكون هذا المعروف الذي تواضعوا عليه معوقا لغرض من أغراض الدين.. وجماع أغراض الدين كرامة الإنسان.. فنحن المسلمين، اليوم، بعد أن أنفقنا أربعة عشر قرنا من ممارسة الحياة، ومن التطور معها، أصبح عندنا من ((المعروف)) أن نعلم الفتاة في أساليب العلوم الغربية، وإلى أعلى المراحل، حتى لقـد أصبح عندنا الطبيبة، والقاضية، والمحامية، والمعلمة في أعلى المستويات، والمهندسة، والزراعية، والبيطرية، والإدارية.. ولقد أنجزت فتياتنا، في كل أولئك، إنجازات تشرح الصدر، وتقر العين.. ولا يمكن لعاقل، أو لغير عاقل، أن يزعم أن صنيعنا هذا بالفتاة من المنكر، وليس من المعروف، وبالطبع فإن نهوض الفتاة بهذا المستوى من الواجب يعطيها الفرصة في التمتع بحق مساو له.. هذا هو معنى قوله تعالى: ((لهن مثل الذي عليهن بالمعروف)).. حقوقهن لقاء واجباتهن، ((حذوك النعل بالنعل)).. هذا هو الحق والعدل وأما قوله: ((وللرجال عليهن درجة)) فهو لا يعني في هذا المستوى، درجة التفضيل في المساواة أمام القانون، وإن وقع التفضيل بالدرجة في منطقة الأخلاق.. ومهما يكن من الأمر، فليس مطلق رجل أفضل من مطلق امرأة.. هذا ما لا ينبغي، ولا يكون، والواقع المعاش يرفضه..
والآن فإنا، بفضل الله، ثم بفضل هذا ((المعروف)) الذي تواضعنا عليه، والذي أملته علينا طبيعة الحياة المعاصرة، حيث أخذنا بتعليم الفتاة في أعلى المراحل، قد أصبحنا نعيش تناقضا واضحا مع شريعتنا السلفية.. لدينا اليوم، في الخرطوم، قاضية شرعية، تخرجت من كلية الحقوق، بجامعة الخرطوم.. وهذا يعني أنها تمارس، أو من حقها أن تمارس حقها في تطبيق الشريعة الإسلامية على المتحاكمين إليها، على قدم المساواة مع زميلها الذي تخرج معها.. ولكن هذه الشريعة تقول أن شهادة هذه القاضية إنما هي على النصف من شهادة زميلها هذا.. أكثر من هذا!! فإن شهادتها إنما هي على النصف من شهادة رجل الشارع!! فهل هذا قول سليم؟؟ لعمري!! إن الخلل ليس في الدين، ولكنه إنما هو في العقول التي لا يحركها مثل هذا التناقض لتدرك أن في الأمر سرا.. هذا السر هو ببساطة شديدة، أن شريعتنا السلفية مرحلية.. وأنها لا تستقيم مع قامة الحياة المعاصرة.. وأنها، لتستطيع استيعاب هذه الحياة، وتوجيه طاقتها الكبيرة، لا بد لها من أن تتفتق، وتتطور، وترتفع من فروع القرآن إلى أصوله.. هذا ما تعطيه بدائه العقول، بله حكمة الدين.. فإنه، إلا يكن هذا الأمر الذي نزعمه صحيحا، يكن الدين قد استنفد أغراضه، وأصبح عاجزا عن التصدي لتحديات الحياة المعاصرة.. وهذا ما لا يقول به رجل أوتي أبسط الإلمام بأصول الدين..