الشريعة هي طرف الدين
الذّي تنزّل الى أرض الناس
والخطأ الشنيع الذي توّرط فيه الفقهاء، منذ صدر الإسلام، والى اليوم، والذّي جعلهم منكرين لكل ما يجهلون من دقائق حقائق الدين، انّما هو اعتقادهم، في أنّ الشريعة، هي الدين، وبما انّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قد بيّن الشريعة، فهو قد بيّن الدين، ولذلك فانه لا حاجة بهم لأي معرفة فوق الشريعة.. وهذا ظن بيّن البطلان وهو الذّي اقعدهم عن تحصيل المعارف الإلهية، وأبقى عليهم حبيسي القشور، واضاع عليهم فرصة الإنتفاع من المنهاج التعبّدي .. ولقد تفطّن الصوفية، منذ وقت طويل الى حرمان الفقهاء هذا من المعرفة، فقال النابلسي:
فيا علماء الرّسم هل من معيننا؟؟
مذاهبكم نرفو بها بعض ديننا!!
ومذهبنا عميّ عليكم وما قلنا!!
وقال ابن الفارض:
وعن مذهبي لما استحبوا العمى على الهدى
حسدا من عند أنفسهم ضلّوا
فهم في السرى لم يبرحوا من مكانهم
وما ظعنوا في السير عنه وقد كلّوا
والظن بأنّ الشريعة هي الدين، ظنّ خاطيء للغاية، فلا الفهم السليم يعطيه، ولا النصوص تعطيه. فعندما يقول جلّ من قائل: (واتقوا الله، ويعلمّكم الله، والله بكل شيء عليم) انّما يعني بـ (واتقوا الله) أي اعملوا بالأوامر واجتنبوا النواهي أي اعملوا بالشريعة وقوله (ويعلمكم الله) انّما يعني ويعلمكم الله الحقيقة. وهذا المعنى ذاته هو ما جاء في الحديث النبوي (من عمل بما علم اورثه الله علم ما لم يعلم) .. وهو انما يعني من عمل بالشريعة أورثه الله علم ما لم يعلم من الحقيقة.. والنصوص في هذا الصدد كثيرة فمنها قول النبي الكريم (الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعرفهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه ولعرضه) فقوله (الحلال بيّن والحرام بيّن)، انما يعني الشريعة الظاهرة، وقوله، (وبينهما أمور مشتبهات لا يعرفهن كثير من الناس) انما تعني، انّ هناك علما وراء الشريعة.. وعندما قال: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه ولعرضه) انّما اشار الى اننا بالتقوى نجد القدرة على التمييز في منطقة الأمور المشتبهة، وهذا هو معنى قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) اي نورا تفرقون به بين الأمور المشتبهات.. وهذا هو معنى قوله: (واتقوا الله، ويعلّمكم الله) .. فهل يريد الناس وضوحا في النصوص أكثر من هذا؟!
انّ معرفة الأمر على هذا النحو هي التي تجعل من العبادة عملا مثمرا ومفيدا.. ولمّا جهل الفقهاء، وغيرهم، هذا الأمر ظلّوا حبيسي القشور، كما قلنا، ولم يجدوا أمامهم غير الإنكار من سبيل، والعياذ بالله!!