الإسلام ما هو؟؟
إذا كان دا هو المجتمع بصورته دي، يمكن إذن أن نرجع للإسلام هنا، لنقول كلمتين برضه عنه.. الإسلام مش هو مجرد الدين المعروف عندنا، نحن المسلمين، اللي ابتدأ بمجيء نبينا، وبنزول الوحي عليهو في مكة.. دي طبعا حكاية بتكون معروفة لأن حديث النبي: „خير ما جئت به أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله“.. فأصبح يمكنك أن تقول أن الإسلام هو دعوة الأنبياء كلهم، من لدن آدم وإلى محمد.. والإسلام بهذا المعنى كأنما نزل على مقادير، في شريعته، وفي توحيده.. يعني أبونا آدم كان مأمورا بأن يوحد الله، وأن يدعو لتوحيده، في المستوى الممكن.. وأن يشرع لجماعته، كرسول، في المستوى البتحتاج ليهو، والبطيقه.. ثم كلما تطورت البشرية لىقدام، أرسل الله رسول جديد، نبأه، وعلمه، وأدبه، وشرع ليه لينقل المجتمع مرحلة.. وأصبحت المجتمعات، في الناحية الدينية، تتنقل.. في الناحية الدينية، التوحيدية، البنعنيها نحن، أصبحت المجتمعات تتنقل مرحلة مرحلة.. كل ما نزل من السماء إلى الأرض في صور النبوءآت المختلفات، من لدن آدم، وإلى محمد، إنما هو مقادير تختلف حسب حكم الوقت، مما جاء بيه المصحف أخيرا.. يمكنك أن تقول المصحف بدأ تنزله، في المعنى الممكن تقول بيه عن الأديان الكتابية، بدأ تنزله من لدن آدم.. لكن إذا تعمقت المسألة، لتمشي للأصول القبل نشأة الإنسان، تجد أن الإسلام كان موجودا.. وفي القرآن: „أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات والأرض، طوعا وكرها، وإليه يرجعون؟؟“.. دا المعنى البيهو الإسلام أعم من العقيدة التي نشأت بإرسال الرسل.. الإسلام هو طاعة الإرادة الإلهية التي لا يشذ عنها شاذ.. المملكة، مملكة ربنا، في العوالم كلها، البنعرفها، والما بنعرفها، البنراها، والما بنراها، كلها سايرة في اتجاه واحد، سايرة في طاعة ربها: „وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم“.. فالإسلام إذن أعمق، وأعرق، وأسبق، من العقل البشري.. لكن الإسلام بالمعنى البيهو نهضت شريعة الحرام والحلال، هو اللي جدّ. وكأنما إرادة ربنا سايرة، ومسيرة الخلائق، لكن حصل دخول العقل البشري في الصورة ليسير ربنا البشر بواسطة عقولهم، ليسيروا في اتجاه رضاه، ليسيروا في الرضا بإرادته.. فبالمعنى دا الإسلام شامل لكل شئ.. لكن الإسلام، في مرحلة الحرام والحلال، هو الذي يمكن أن نهتم بيهو في حديثنا دا.. وهو قد بدأ مع النبوءآت اللي اتصل بيها ملك الوحي - جبريل، ليوحي معارف عن الله للنبي، وقد يأمره الله بأن يبلغ شرعا لأمته فيكون بذلك نبيا مرسلا.. في المراحل دي، جاء الإسلام، وانتهت إلمامة السماء بالأرض، انتهت ببعث نبينا، وإنزال القرآن ليهو، وبذلك فقد ختمت النبوة: „ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين“ ودا إيذان من الله، بأنه ما في بشر ثاني بيتصل بيهو جبريل ليوحي ليهو أمرا من أمور الدين.. كل ما أراد الله أن يوحيه، من لدن آدم وإلى محمد، قد استقر اليوم بين دفتي المصحف..
الإسلام بين مكة والمدينة:
الإسلام نزل في مكة بصورة سامية، وكبيرة.. نزل بصورته الأساسية الفيها الإنسان القبيل بيبحث عن الحرية، وجد مجالها.. لكن على شرط أن يدفع ثمنها.. وثمنها أصبح، بالنسبة لما كان عليه في القرون الأولانية، البدائية، أصبح، في القرن السابع، في مكة، لدى نزول القرآن، ثمنها أصبح أقل بكثير مما كان عليهو في نشأة المجتمع..
خاطب القرآن الناس في مكة بأنهم أحرار، على شرط واحد، هو أن يحسنوا التصرف في الحرية.. لأنه، زي ما قلنا، مما نشأ المجتمع الحرية مورست قبل ما تعرف.. أنت الآن تعرف أن حريتك تنتهي حيث تبتدئ حرية جارك.. معنى الكلام دا انك أنت يمكن أن تكون حر تماما، اذا أحسنت التصرف في الحرية.. وعند اساءة التصرف في الحرية تصادر الحرية بالقانون.. دا معنى انه حريتك تنتهي حيث تبتدئ حرية جارك.. الحرية ثمنها حسن التصرف فيها.. اذا كان الحرية ما يكون عندها ثمن، بالصورة دي، تصبح فوضى.. وعلى الفوضى لا تقوم المجتمعات.. فجات العبارة في القرآن بالصورة التقول للناس: انتم أحرار، على شرط أن تحسنوا التصرف في الحرية: „وقل الحق من ربكم!! فمن شاء فليؤمن.. ومن شاء فليكفر..“ أو „فذكر انما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر“.. لمعزة الحرية عند الله كان ينهى نبيه، على كماله، من أن يسيطر على المشركين، البيعبدوا الوثن، البيعبدوا الحجر الأصم: „فذكر انما أنت مذكر“ دا كلام يقال للنبي: „لست عليهم بمسيطر“ على المشركين، دا لمعزة الحرية عند الله.. لكن شرطها قائم، هو أن تحسن التصرف فيها.. أنت حر أن تمارس، أن تعمل كما تشاء، على شرط أن تكون حَسُن التصرف.. حسن التصرف هنا قال ربنا عنه „وما خلقت الجن، والأنس، الا ليعبدون“.. نحن ربنا خلقنا وكملنا، في أجسادنا، وفي عقولنا بالقدر الكافي لتعرف، ولتمارس الشكر، والعبادة، وقال: أنتم أحرار، لكن دا هو الشرط: حسن التصرف في الحرية.. وحسن التصرف في الحرية هو أن تعبدوني، ولا تشركوا بي شيئا.. عندما نزل القرآن بالصورة دي، وجد المشركين في مكة بيعبدوا الحجر، ويقطعوا الرحم، ويئدوا البنت، النبي أرسل ليهم بكمالات بشرية كان معترف بيها في الجاهلية، وبقرآن معجز، وبتربية نماذج منهم بلغت مستوى من الكمال، كأنها طفرة، بالنسبة ليهم، ثم هم، بعد كل هذا، أصروا على عبادة الوثن، وعلى قطع الرحم، وعلى وأد البنت.. وأصروا على المعاداة، وبالغوا في الاصرار في أن يمضوا في سبيلهم بالصورة دي، فظهر عمليا ان الناس دون مستوى تحمل مسئولية الحرية.. وثمن الحرية المطلوب برضو بالنسبة ليهم كان باهظ، لأن المجتمع كان لا يزال مجتمع قاصر يجوز أنه كان في أوائل عهد المدينة، لكن من المؤكد انه قد كان عنده مخلفات الغابة ظاهرة، حتى ان العرب قد قالوا „من غلب سلب“.. القرآن دا ظل ثلاث عشرة سنة في أهل مكة الى أن أعذر الله اليهم „لئلا يكون للناس على الله حجة“.. فلما ظهر قصور الناس سحب القرآن، في المستوى دا – نسخ القرآن المكي – النزل ثلاث عشرة سنة من مستوى: „وقل الحق من ربكم! فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر..“ أو : „فذكر، إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر“ أو : „ادع إلى سبيل ربك بالحكمة، والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن“.. القرآن دا، وهو ما نسميه نحن الآن بقرآن الإسماح، سُحب، نُسخ، استبدل بما يناسب الوقت.. وكان معروف عند الله سلفا، أن دا أكبر من الوقت، لكن، لحكمة كبيرة في ختم النبوة، نزل القرآن في مستويين: مستوى الحرية، والمسئولية، ودي الحاجة الطبيعية، كون الإنسان يخاطب بالتي هي أحسن، إلى أن يظهر أنه عاجز عنها لتلزمه الحجة.. لما ظهر العجز سُحب القرآن دا، وأمر نبينا بالهجرة، وبدأ نزول القرآن المدني، وبدأ عهد التحول من عهد المسئولية، والحرية، إلى عهد الوصاية.. الناس ظهر أنهم قاصرين عن تحمل عبء مسئولية الحرية.. بدل المسئولية جات الوصاية.. والمسئولية، والوصاية، هما البيجعلوا الفارق الحقيقي بين الطفل والرجل.. تذكروا أننا قلنا أن المجتمع البشري قد قطع مرحلة الطفولة، وهو اليوم في مرحلة المراهقة، وماشي للرجولة.. الرجل يتحمل مسئولية فكره، وقوله، وعمله.. الطفل عايز من يتحمل عنه هذه المسئولية.. الشاهد لقد سُحبت آيات المسئولية، وجات آيات الوصاية.. ومن الوصاية جاء الجهاد.. ومن الوصاية القتال القلنا أن المجتمع البشري الآن وصل إلى حقيقة تجريبية في أن القتال ما عاد بيحل مشكلة.. ما كان دا!! القتال كان زمان بيحل مشكلة، حتى لقد قال شاعرهم:-
السيف أصدق أنباء من الكتب * في حده الحد بين الجد واللعب
دا أبو تمام.. كان عندهم كدا، وإلى عهد قريب، زي ما قلنا، الحرب الأولانية مثلا، كانت الحرب بتحل المشاكل، لكن في الحرب الأخيرة، ظهر أن الحرب ما بتحل مشكلة.. هنا جاء في القرن السابع الأمر بالقتال، لأن القاصر، هو في ذمة الرشيد، ليحمله على مصلحته ولو بالإكراه.. وسحب آيات الإسماح، أو النهي عن الحرب، جاء برضه في تدريج، متنزل لغاية ما استقر في الأمر بالقتال.. بدأ بـ : „أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا.. وإن الله على نصرهم لقدير“ ثم خطوة لقدام: „وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا..“ ثم خطوة: „وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله.. فإن انتهوا، فلا عدوان إلا على الظالمين“.. من هنا جاء الحديث: „أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وأمرهم إلى الله“.. „وأمرهم إلى الله“ فيها دقيقة هي أن الناس ما بيحملوا على العقيدة بالإكراه، لكن بيحملوا على الإسلام بالإكراه، بيحملوا على الإذعان للدولة الجديدة بالإكراه.. ودا الأمر الحصل فعلا.. ونحن، إلى اليوم، شريعتنا قائمة على آيات الفروع.. آيات المسئولية، إلى اليوم، لم يشرع فيها، إلا ما كان من أمر النبي.. النبي كان يعيش على آيات الأصول.. كان يعيش على مستوى الآيات المكية، لأنه هو الرجل، هو الرشيد، هو الوصي على القصر، ولذا فقد كانت شريعته في مستوى رشاده، وكانت شريعة الأمة في مستوى قصورها، وهو الوصي عليها..