إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

خروج الفقه عن الديـن

بسم الله الرحمن الرحيم
((ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء..))
صدق الله العظيم

مقدمة


هذا كتاب فريد في بابه، يستهدف ازالة العقبات أمام الثورة الدينية الشاملة.. ذلك بأنه يتصدى، بجرأة، وبموضوعية، لتصحيح المفاهيم الخاطئة، الموروثة، عند المسلمين عن ((الفقه)).. تلك المفاهيم التي رسخت في أخلاد الناس أن ((الفقه)) هو الدين.. ولكنه ما هو بذاك..
ونحن نسوق هذا الحديث لجمهور المسلمين.. ولكننا نخصص طلاب الأزهر، وطلاب الجامعة الإسلامية، وطلاب المعاهد الدينية.. فإن هذا الكتاب هو لهم بصورة أشد تخصيصا..
إننا نقول لهؤلاء الطلاب، على مختلف مستوياتهم، أن الشريعة الإسلامية تقوم على البساطة، والوضوح.. ويكفي أن نعلم أن النبي الكريم قد كان يلقن تعاليمها السمحة للإعرابي البسيط في ساعة من نهار.. وليس وراء هذا إلا العمل، وفق هذا العلم البسيط فيجىء العلم كله على موعود الآية الكريمة: ((واتقوا الله ويعلمكم الله))..
أما "الفقه" فقد بدأ بالمذاهب الأربعة، وهو تفريع على الشريعة، يقوم على القياس بالرأي.. وفي أخريات الأيام لج الرأي بالفقهاء حتى ضلوا في متاهاته، فأخذوا يستنبطون، ويقيسون، ويجتهدون.. تاركين النصوص الصريحة وراء ظهورهم، حتى أسرفوا، على أنفسهم، وعلى الناس، وبعدوا بهم عن المعين المصفى.. ذلك بأنهم قد اهتموا بالقشور، وفرطوا في اللب.. ثم أنهم قد كانوا مسرفين في القول، تاركين للعمل، حتى لقد أصبح الدين، على أيديهم، صورا تحكي الدين، بلا دين.. ولعل الناظر البصير يرى أن الفقهاء، الورعين قد ندموا على الخوض في الدين بالرأي، وودوا لو أنهم يستطيعون تدارك ما فات، وجبر ما انكسر.. وقد أثر هذا عن مالك ابن أنس.. فهل بعد هذا يعتد ((بالفقه)) أحد؟!
لدى التحليل الأخير، ((الفقه)) ليس هو الا آراء الفقهاء.. وكما هو معلوم بداهة أن الرأي، في أحسن حالاته، يقصر عن شأو الشريعة.. فما بالكم ان كان الرأي سقيما، ومتحجرا؟؟ باختصار ((الفقه)) ليس هو الشريعة..
إن حركة التطور، فينا، وحولنا، قد خلفت آراء الفقهاء، لأنها دون طاقة، وحاجة، الانسان المعاصر، وبما لا يقاس.. أضف إلى هذا أن هذه الآراء، في كثير من صورها، بعيدة عن سماحة الدين.. كما أنها مخالفة لصريح نصوص الشريعة.. ونحن في هذا لا نظلم الفقهاء أبدا، ولا نحن نلقي الكلم على عواهنه.. فإنكم ستجدون في هذا السفر العابر كثيرا من الأمثلة التي تدعم صدق ما نقول.. وهذه انما هي مجرد أمثلة، والا فإن مزالق الرأي عند الفقهاء يكاد يخطئها العد.. ونحن، في ذلك، لسنا بمبالغين، فإن المجلدات الضخمة، بمتونها، وحواشيها، وحواشى حواشيها، خير شاهد على ما نقول..
وهذه الآراء - على ما هي عليه - هي مادة، ومناهج الدين التي تدرس في معاهدنا الدينية، وفي يوم الناس هذا.. ونحن نتهم هذه المناهج، بل ندينها، بأنها هي التي صرفت الشباب عن الدين، وزهدته فيه، وذلك بصورتها الشائهة، وبقصورها الشنيع.. نحن نطالب طلاب المعاهد الدينية بالثورة على هذه المناهج المعوقة، ونطالبهم بالاصرار على تطويرها، بما يدخلها في رحاب الدين، حتى تغدو ملائمة لعصرنا الحاضر، ذى الطاقات الهائلة.. اننا نريد لهم أن يعلموا أن هذه المناهج شديدة الضرر عليهم أنفسهم.. فإنها تورث عقولهم تحجرا، كما أنها تعود على قلوبهم ظلاما.. وبهذا تهدر ملكات الشباب، وتبدد طاقاته، مما يلحق بشعبنا أبلغ الضرر – هذا الشعب الذي ينفق بسخاء على هذه المؤسسات - فلكأنه يدفع ثمن تضليله، وتضليل شبابه، من حر ماله..
نحن نريد لطلاب المعاهد الدينية أن يعوا هذا جيدا.. ثم ليواجهوا به أساتذتهم معتمدين على نصوص الدين الواضحة، وعلى أدبه في الخطاب اللائق..
نحن نريد لطلاب المعاهد الدينية أن يهبوا لتصحيح هذه المناهج، فانهم ما زالوا فينا مرجوين..