إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الغـرابة فى الدعوة الإسلامية الجديدة

بسم الله الرحمن الرحيم
(وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ، وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا؟؟ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ!!)
صدق الله العظيم

مدخل


ان الدعوة الإسلامية الجديدة، التي تبشر بالرسالة الثانية من الاسلام، هي دعوة عالمية، وكوكبية، ولكن وطنها الأم هو السودان، ثم سائر بلاد المسلمين، ثم باقي بلدان العالم.. ولقد كان ما جاءت به هذه الدعوة هو من الجدّة بحيث أصبحت به دعوة غريبة في وطنها، وبين أهلها.. ولقد يكفي أن نعلم أن ما تدعو اليه هذه الدعوة هو الإسلام، في مستواه العلمي، حيث تلتقي جميع الأديان، وحيث تنتهي العقيدة التي تفرّق الناس على قاعدة ((كل حزب بما لديهم فرحون))... وهذه الدعوة للإسلام، في مستواه العلمي، تقع لأول مرة في وقتها.. فلقد بُدئ بالدعوة للإسلام في مستواه العلمي في مكة في القرن السابع الميلادي... ولما ظهر عمليا عجز بشرية ذلك الوقت عن النهوض بذلك المستوى من الإسلام، استبدل بالمستوى العقيدي من الإسلام الذي كان ملائما وكافيا لحاجات ذلك الوقت..
وعاش المستوى العقيدي من الإسلام شرّته، ثم أقبلت فترته، وطالت حتى أصبح الناس في جاهلية ثانية، فرّطت في اللباب، وتمسّكت بالقشور... وهذه الجاهلية الثانية أرفع من الجاهلية الأولى بما لا يقاس من حيث الإنجازات الحضارية والمادية.. ولكن تخلّف القيّم في هذه الجاهلية جعل من هذه الإنجازات خطرا يهدد أمن وسلامة الأفراد والجماعات، مما جعل السعي الى إيجاد المدنية التي تشيع السلام في الأرض وفى كل نفس بشرية ضرورة حياة أو موت.. ولما تقدّم الجمهوريون بالدعوة الإسلامية الجديدة التي تمكن من إقامة مدنية السلام وذلك بالدعوة الى المستوى العلمي من الإسلام، استغربها الناس، واستنكروها، وحسبوها ليست من الإسلام في شيء.. فما هو مصدر هذه الغرابة ومبعثها؟؟ وما هي مظاهرها في محتوى الدعوة الإسلامية الجديدة؟؟ هذا ما سنحاول ان نجيب عليه..

التوحيد مصدر الغرابة


إن "الكلمة"، "لا إله الاّ الله"، هي المحور الذي لفت، ودارت حوله جميع الرسالات، من لدن آدم، عليه السلام، والى محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. بقول النبي الكريم: ((خير ما جئت به، أنا والنبيون من قبلي، لا إله الا الله..)).. وهذا الحديث في معنى قوله تعالى: ((شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا، وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَىٰ، وَعِيسَىٰ، أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ، وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ.. كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.. اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ، وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ..))..
ولقد كانت "لا إله الاّ الله" هي "خير" ما جاء به نبينا، والنبيون من قبله، لأنها هي شهادة "التوحيد" التي تسوق، وتوّصل، الى "الله"، وهو "أعظم" ما بشرت به جميع رسالات السماء، وفى قمتها القرآن.. ولما كان الوصول الى الله يعنى تقريب صفات العبد من صفات الرب لتكمل للعبد الحياة، ولما كان كمال الحياة ليست له نهاية فيبلغها الحي، وانما هو السير السرمدي في مراقي القرب من الله، فإن "لا إله الاّ الله" لن تنفك تقال في جميع أكوان وجود الإنسان، في الدنيا، وفى البرزخ، وفى الآخرة.. وقول "لا إله الاّ الله" يعنى تحقيقها في الواقع المعاش، وتجسيدها في اللحم والدم.. وتحقيقها في الواقع المعاش، يعنى تغييرها، وتثويرها، وتطويرها للواقع الذي تنزل عليه، حتى يتم تجسيدها في اللحم والدم، وهو يعنى إبراز الكمالات الفردية في كل نفس بشرية، وذلك بتوحيد القوى المودعة في كل بنية بشرية – بتوحيد الجسد، والعقل، والقلب.. ولقد صحبت الغرابة تحقيق "لا إله الاّ الله" وتجسيدها، عبر العصور، وما ذاك الا لأن "لا إله الاّ الله" هي كلمة "التوحيد"، و"الغرابة إنما تكون في التوحيد، دائما، لأن النفس البشرية لا حظّ لها، في التوحيد.. فهي، حين تدرك، فإنما تدرك بالحواس، والحواس متعددة، وتعطى التعدد، ولا تعطى الوحدة..