إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

المنشور الأول بمناسبة: عَام الطِّفْل العَالَمي
عام ١٩٧٦

مَرْحَلة الطفولة


إن مرحلة الطفولة، هي أهم مراحل نمو الفرد البشري، وأدقها، وأخطرها.. إذ أنها هي المرحلة التي يتلقى فيها الإنسان تكوينه الأول والأساسي.. والتي تنبني عليها، مراحل نموه المختلفة، سواء كان ذلك في الناحية العضوية، أو العقلية، أو النفسية.. والمؤثرات التي تؤثر على الإنسان في طفولته، تشكل شخصيته، وتستمر معه في بقية حياته، بصورة يصعب التخلص منها.
وفي الحقيقة، إن مرحلة الطفولة، لا تبدأ بالميلاد.. وإنما تمتد جذورها البعيدة، إلى بدايات الحياة.. وهذا ما تشير إليه الآيات الكريمات: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر، لم يكن شيئاً مذكوراً * إنا خلقنا الإنسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعاً بصيراً)).. فالنطفة الأمشاج هنا تعني الماء المخلوط بالطين.. ومن تلك البداية السحيقة، درجت الحياة، محتوشة، ومحفوزة، بالكثير من عوامل الخوف، التي رسبت في أعماق العقل الباطن الكبت الموروث.. هذا عن الجذور البعيدة للطفل.. أما الجذور القريبة له، فهي تمتد إلى الأبوين، وما ينشأ بينهما من علاقة الزواج.. والنطفة الأمشاج هنا، تعني ماء الرجل، المختلط ببويضة المرأة.. ومن خصائص الأبوين – خصوصاً الأم – ومن الأسس التي تنبني عليها العلاقة بينهما، يأخذ الطفل المقومات الأساسية لحياته، العضوية، والعقلية، والنفسية.. ويزيد من أهمية الوالدين للطفل، أن طفولة الفرد البشري، أطول من طفولة بقية الحيوانات، مما يجعل الإعتماد على الأبوين كبيراً.. وإلى مراحل
نمو الطفل البعيدة والقريبة تشير الآية الكريمة ((ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغةٍ مخلقةٍ وغير مخلقة، لنبين لكم، ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى، ثم نخرجكم طفلاً، ثم لتبلغوا أشدّكم)) وهي مراحل تنطوي في كل واحدة منها على مراحل كثيرة..

صعوبة معالجة قضايا الطفولة


هذه الجذور البعيدة للطفل الضاربة في أعماق الحياة، والتي صدرت من الله ثم أخذت تتقلب في الصور تطلبه، هي التي تجعل معالجة قضايا الطفولة من أشق الأمور، فهي قضايا متعلقة بالنفس البشرية، وعلى كثرة ما عرف الإنسان عن آيات الأفاق فإن جهله بنفسه يكاد يكون تاماً، ولذلك فإن العمل في هذا الميدان، وعلى كثرة ما كتب فيه في الغرب هو عمل في منطقة بكر، وسير في الطريق غير المطروق..
فالدراسات المبنية على العلوم الحديثة في هذا المجال، دراسات مبتدئة، تعالج الظواهر ولا تملك أن تنفذ إلى البواطن، ولا سبيل إلى معرفة دقائق قضايا الطفولة، إلا سبيل التوحيد، بالعمل في العبادة وفق منهاج السنّة الذي يعين الإنسان على معرفة نفسه..
ومما يزيد من صعوبة معالجة قضايا الطفولة، ان الإهتمام بها قليل، خصوصاً في مجتمعنا..