فإذا اتضح للسامعين أنه نحن فيما نتحدث عن تصفية المحاكم الشرعية، لا نصدر عن ضغينة إطلاقا، يبقى الطريق انفتح للموضوعية اللي نحن بسبيلها.
الموضوعية بتقع في حيّزين.. واحد من الحيزين يمكنك أن تسميه سلبي، هو عيوب المحاكم الشرعية بصورة يجعل حلّها وتصفيتها هو الطريق.. الناحية الثانية هو الجانب الإيجابي، وهو الكلام عن الدستور لأنه المشكلة الحاضرة هي في الحقيقة مشكلة محاولة تمرير الدستور الإسلامي.
فيما يخص جانب المحاكم وأنها لا تصلح إلا بالتصفية، ده يرجع إلى سلسلة من أعمالها.. سلسلة طويلة من أعمالها، بمعنى أنها كانت دائما عون للاستعمار.. كانت دائما أداة طيّعة في إيد اللي بيحكم.. في وقت الإنجليز، في وقت الحكم الوطني الأول، في وقت الحكم العسكري، في وقت الحكم الوطني الأخير.. ونحن نؤكد لكم أنه قضية الردة ما قضية دينية، ولا غرض لها في الدين بالمرة.. لكن تدخل من المصريين، وتدخل من السودانيين، لأنه الحزب الجمهوري هو الوحيد في الميدان في الوقت الحاضر اللي بيهاجم الزعماء الكبار.. موقفنا من جمال عبد الناصر معروف، موقفنا من السيد إسماعيل الأزهري معروف.. والقضاة كانوا أداة طيعة.. ولو كنتم بتتبعوا الصحف السودانية.. الأساتذة المصريين اللي جاوا ليكونوا أساتذة في الجامعة الإسلامية، عندهم تدخل صارخ في مسألة المسائل الداخلية، استغلوا فيها قضية الردة ليكون عندهم التدخل ده.. خاصة واحد اسمه الدكتور مصطفى كمال وصفي.. كتابات في نهاية الرداءة والغرض فيها ظاهر.. في جماعة منهم بالصورة دي.. يجوز ما كثير من السودانيين بيعرف أن نحن مواقفنا من الحركة المصرية، من أولها من سنة ٥٢، بعد أقل من شهر من قيام الثورة المصرية، أو قول حركة الجيش المصري.. نحن عارضناها معارضة لغاية ما جاءت في كتاب الشرق الأوسط.. كتاب الشرق الأوسط فيه مواجهة لجمال شديدة.. الحاجة المعروفة بطبيعة الحال أن الأساتذة المصريين حيث مشوا في أي بلد، بيحاولوا إرضاء جمال بالتدخل في أمور السياسة لمصلحته.. وبيكونوا بيكتبوا تقارير، وبيكونوا جزء من الجهاز التجسّسي على البلد.
الناحية الثانية خضعوا لها ناس أبو قصيصة في الناحية دي، أفتكر برضه ظاهرة في محاولة منع محاضرة الحزب الجمهوري في معهد المعلمين العالي، وما تبع ذلك.
فالقضاة الشرعيين ما في يوم من الأيام كان عندهم موقف يمكن أن يحسب لحسناتهم.. الحقيقة نحن الواحد يشوف أن التعميم دائما بيكون معرّض للخطأ.. لمّاً أنت تعمم في قضية، الشواذ بيكونوا موجودين، ولذلك في خوف من أن تعميمك يرميك في خطأ.. في مسألة القضاة الشرعيين التعميم صاح.. إطلاقا ما لقينا واحد بيشذ منهم.. مسائل يمكنك أنت أن تقول أنه العهد الوطني عهد ماشي ليعطي القضاة الفرصة ليصححوا.. يعني نحن ما حقنا نيأس منهم، يمكنك أن تقول الكلام ده، وجايز يكون عندك فيه وجه.. ويمكنك أن تقول أنت: طيب القضاة الشرعيين يعملوا شنو في مناهضة الاستعمار؟ إذا كان الاستعمار جاء هزم الحكومة الشرعية، حكومة المهدية.. أصبح القضاة الشرعيين لا حول لهم ولا قوة، وما ممكن أنت تطالبهم بمناصرة الشريعة الإسلامية.. يجوز يكون ليك وجه هنا.. الوجه الأخير ده نحن بنرد عليه بأنه، نحن ما بنلوم القضاة الشرعيين لأنهم ما ناصروا الشريعة الإسلامية والدين.. يجوز أنا واياك مواطنين عندنا غيرة على الدين، مغلوبين من العهد الاستعماري، اللي جاء في أواخر القرن الماضي، واستمر معنا زي ٥٥ - ٦٠ سنة.. لكن ممكنك أنت ما تتولّى القضاء الشرعي.. لأنه بتوليك للقضاء الشرعي بتعين الاستعمار على أن يظهر للشعب تزييف الحقائق.. ما ضروري أنت تكون قاضي شرعي، كون مواطن عادي ساخط.. ده يكفيك.. لكن أن تكون مواطن - تكون قاضي شرعي لتدعوا به الإنجليز ليظهروا بك أمام الشعب أن القضاء الشرعي موجود.. الشريعة في.. والحقيقة أنا عندي مقابلة مع واحد كان قاضي القضاة هنا.. لمّاً تكلمنا عن المسألة دي قال لي: الناس ما هم في لبس من أمر دينهم.. وفي الوقت داك كان أبو رنات موجود، وقاضي القضاة خاضع لأبو رنات.. قال: الناس ما هم في لبس من أمر دينهم.
آ مثل الكلام ده هو بيعتقده، وبيجوز على الناس، أنه الشريعة قائمة.. لكن الحقيقة أن ما في محاكم شرعية.. المحاكم دي اسمها الحقيقي محاكم ملية.. المحاكم الملية ما معروفة في الدين الإسلامي.. في الدين المسيحي فيه.. المسيحيين ما عندهم في دينهم شريعة زمنية.. ما عندهم شريعة لتنظيم الدولة.. يمكن أن يعيشوا في أي دولة، لكن أحوالهم الشخصية وكنيستهم عندها محاكم ملية.. نحن شريعتنا إذا كانت قائمة بطرف واحد، حتى الطرف ده لو كان ٩٠% أو ٩٥% من شريعتنا قائم، و٥% فقط معطّل.. المعطّل ده أهم من القائم.. بل الحقيقة أن ٩٩% من الشريعة قائم و١% ما هو قائم، الشريعة ما قائمة.. ولذلك التسمية بأنها محاكم شرعية، ده ما رضوا به هم، وما وسعوه باستمرار، لغاية ما بقت في الوقت الأخير أنهم يساووا مع القضاة المدنيين في المرتبات، مع مسؤوليتهم القديمة واختصاصهم القديم.. ده كله بيوهم الناس أنهم هم على شيء.. نحن بنلومهم على ده، ما بنلومهم على أنهم ما نصروا الشريعة الإسلامية.
نلومهم ثاني أنهم كمواطنين عاديين ما بذلوا المجهود الكافي اللي بذلوه الأفندية.. والحقيقة قضيتهم قديمة في الوضع ده.. شوقي لمّاً كان بيتكلم عن الأساتذة - عن الشيوخ في تركيا - لمّاً كانوا ناس أتاتورك هم اللي بيحاربوا لتحرير تركيا، شوقي قال لها: أنقذوك بمالهم ودمائهم حين الشيوخ بجبة باعوك.. ده في كلامه عن الأفندية.. الصورة دي تنطبق هنا.. حركتنا الوطنية قاموا بها الأفندية.. ما قاموا بها الشيوخ.. ده يمكنك الأوضاع اللي بتلومنا عليها هي في الحيز ده.
في الجانب الثاني يمكنك أنت تشوف أنه الناس ديل ما ممكن يصلحوا من أنفسهم.. إذا كان ده وضعهم.. أنت بتقول أن جايز الحكم الوطني يديهم فرصة ليصلحوا.. إذا كان في فرصة لأن يصلحوا من الأمر ده ويطوروا محاكمهم.. حجتك دي بتمشي معاهم.. لكن الحقيقة غير كده.. نحن عندنا منشور هنا، يمكن ألخصّه لكم، مش ضروري أقرأه.. المنشور بيعالج أقوال قالها قاضي القضاة، بعد ما نحن أصدرنا منشورنا الأولاني والثاني في الهجوم عليهم.. هو قال: "أن الإساءة اللي صدرت من محمود محمد طه للقضاة تعتبر إساءة بالغة لأكبر هيئة قضائية في البلاد".. بعدين مشى يقول أنه قضية الردة ما هي القضية الأولى من نوعها.. بيسموها هم قضية الحسبة.. والحسبة أنه واحد يقدم القضية دي، احتساب لوجه الله ينتظر من وراها أجر.. قال: "قضية الحسبة من النوع ده مش أول واحدة من نوعها.. كثير من قضايا الردة صدرت من المحاكم الشرعية، بالحكم على ناس يسبّوا الدين.. ويُحكم عليهم بالردة ويستتابوا ويتوبوا".. فنحن النقطة دي في المنشور حاولنا أن نبرز حقيقة تفكير القاضي فيها.. مسألة سبّ الدين، قرنها بقضية فكرية قايم عليها فريق من المواطنين.. قايم عليها حزب.. دعا عليها ما يقرب ما يزيد على ال٢٠ سنة.. أصدر فيها كتب ونشرات وطول الوقت ده آراءه مستعلنة في المسائل الزي دي.. إذا كان رجل كقاضي القضاة بيقرن بين القضية الفكرية دي وقضية سب الدين.. أنا أفتكر تستطيع أن تشوفوا أي نوع من الفكر بيتمتع به هذا الرجل.. مثل المستوى ده، لا يمكن أن تنتظر منه أنت أن يصحح وضعه بتطوير الأحوال المحاكم الشرعية.
الناحية الثانية صدرت منه هو برضه، قال أنه الناس اللي تكلموا عن عدم اختصاص المحاكم الشرعية بالنظر في قضية الردة مخطئين.. منهم محمد إبراهيم خليل.. محمد إبراهيم خليل محامي كبير وكان عميد كلية الحقوق في الجامعة، وكان قام بأعمال النائب العام مدة، وكان وزير العدل فترة برضه.. لمّاً كتب هو أن المحاكم الشرعية ما بتختص بالناحية دي.. قام أبو قصبة قال أنه الناس اللي كتبوا في عدم اختصاص المحاكم الشرعية في الأمر ده مخطئين.. ليه؟ قال لأنه اختصاص المحاكم في الأحوال الشخصية في الميراث وفي النفقة وفي الطلاق وفي الزواج، بيوجب عليها أن تعرف عقيدة المواطن.. ولذلك مع اختصاصها في الأحوال الشخصية، بيجب عليها أن تتدخل في عقيدة المواطن هل هو مرتد ولا مسلم.. ليستقيم لها أن تحكم في الميراث.. المفارقة برضه هنا في التفكير بتجي من أنه الدستور اللي نحن بنحكم به في الوقت الحاضر.. الدستور الديمقراطي اللي بنحكم به في الوقت الحاضر، ما بدي أي محكمة في البلاد حق.
الدستور ما بدي أي محكمة الحق في تقويض الحق الأساسي لمواطن.. يعني سحب حرية العقيدة أو حرية الرأي ما بتملكه أي محكمة.. هذا الرجل يعرف أن اختصاصه دون المحكمة المدنية.. يعرف دي هو.. ثم يعتقد أنه هذا الاختصاص، اللي هو دون المحكمة المدنية، يعطيه حق محكمة الاستئناف المدنية العليا لا تملكه.. أنا بفتكر ده برضه يجي من نوع تفكيره.. ولذلك نحن بنعتقد، من الناحية القضائية، إذا كان ما تصفى المحاكم الشرعية، لا يمكن الناس أن يصلوا إلى قضاء نزيه فيه سعة أفق وفيه إدراك وفيه إنسانية وفيه محاولة لاستيعاب مشكلة صاحب المشكلة.. لأنه ما من مجرم في الحقيقة إلا وهو مريض.. ما من مجرم إلا يجب عندما يعاقب، أن يعاقب من موقف عطف عليه، ليكون العقاب له مش انتقام منه، وإنما دواء له.. أنت عايز من النوع ده قاضي واسع الأفق، واسع الإنسانية، ملم، مثقف، مدرك.. المسائل اللي نحن ذكرناها لكم بتدل على نوع الإدراك اللي عندنا عند الجماعة ديل.