الدستور لربط العلاقة بين الفرد وبين الدولة.. ولذلك هو سمي القانون الأساسي.. لأنه بينصص على الحقوق الأساسية لي وليك، اللي لا يمكن ولا يكون من حق الدولة ديمقراطيًا أن تتغول عليها.. الحقوق الأساسية سميت أساسية لأنها بتُستمد من طبيعة الأشياء.. الحقوق الأساسية هي حق الحياة وحق الحرية.. ودي الإنسان بيولد بها ما في شرع العدل أن تسلب حياته أو حريته، إلا بحقها.. لذلك جاءت العبارة البليغة بتاعة عمر بن الخطاب لمّاً قال لعمرو بن العاص: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟".. الدستور لأنه بنص على الحرية دي الـ ولدنا بها، الحياة والحرية سمي القانون الأساسي لأنها دي حقوق أساسية.. والهيئة الـ بتضعه هي الهيئة التأسيسية، اللي هي فوق الهيئة التشريعية.. عندما تكون الهيئة التشريعية مقابلة للهيئتين القضائية والتنفيذية، الهيئة التأسيسية فوق لهن.. والهيئة التأسيسية قد لا تكون في البلد إلا مرة في في العمر.. نحن انتخبناها مرتين لأنها المرة الأولانية ما وضعت القانون الأساسي، ما وضعت الدستور.
فهنا السيادة للدستور، والقول بأن السيادة للشريعة عند الترابي ما ممكن يجي من جهله بالقانون، لكن يجي من جهله بالشريعة والدين.. ودي أفتكر نقطة نحن بنحتاج لأن نعيها.. الحاجة الشائعة والحاجة الـ بتقراها في الكتب، والحاجة الـ بتتعلمها في المعاهد، أنه الشريعة والدين حاجة واحدة.. الشريعة ما هي الدين.. الشريعة طرف الدين القريب لأرض الناس.. يمكنك أن تتصور أنه الدين الحبل النازل من السماء، من الله في عليائه لأرض الناس.. طرف الحبل ده اللي لامس الأرض هو الشريعة.. الدين سرمدي، ما بيتطور، الدين لا يتطور.. الناس يتطوروا في فهم الدين كلما ترقت عقولهم.. لكن الشريعة يطوروها.. ودي نفس العبارة النبوية اللي قال عنها: "خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي (لا إله إلا الله)".. الدين هي (لا إله إلا الله).. آدم جاء به، كل المرسلين جاءوا به إلى محمد.. دي أصلها ما بتتغير، يتغير التحصيل فيها.. آدم قالها، محمد قالها.. محمد حققها بقدر أكبر بما لا يقاس من ما حقق به آدم.. التفاوت في التحقيق.. لكن الشريعة شريعة آدم وشريعة موسى وشريعة نوح وشريعة إبراهيم وشريعة محمد، كل واحدة تختلف، لأن الشرائع بتنزل لمستويات الأفراد في العبادة ولمستويات الجماعة في المعاملات.. الشرائع مشدودة لأرض الناس وهي تختلف كل حين.
فالشريعة مدخل على الدين ما هي الدين.. والشريعة نحن نطورها كل ما فهمنا ديننا أكثر وحاجتنا اقتضت أن نطورها.. الدين ما بنطوره.. ومن أجل ده القول بأن السيادة للشريعة تجي من الخطأ الشايع القائم في الفهم الديني في وقتنا الحاضر، ونحن نحبه أن نصححه بالصورة دي.
شريعتنا فرع.. في حقيقة أنها فرع قائمة على فروع القرآن.. عندنا القرآن اللي هو مشتمل على الدين، القرآن أصول وفروع.. والكلام ده قلناه عندكم مرات وبنقوله باستمرار.
ديننا نازل في القرآن على أصول وفروع.. نحن بنسميه القرآن المكي والقرآن المدني، لكن ما بنقيف كثير لنعرف هل في فرق فعلًا غير الفرق المكان والزمان.. الفرق هو أن القرآن المكي أصول، والقرآن المدني فروع.. والقرآن المدني هو اللي كان له الوقت في القرن السابع وقامت عليه الشريعة.. والفروع الـ فيه اعتبرت ناسخة للأصول.
مثلًا في مسألة المال، وفي مسألة السياسة، الأصول في المال: "يسألونك ماذا ينفقون قل العفو".. العفو كل ما زاد عن الحاجة الحاضرة، دي ما كانت شريعة للأمة، لكنها كانت سنة للنبي، شريعة خاصة بالنبي.. عندما جاء ليشرع لأمته نزل من الأصل ده فرع.. ربنا قال له: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم".. جاءت شريعته في مستوى الفرع للأمة في مستوى الأصل لخاصة نفسه.. ولذلك، زكاتنا ذات المقادير ما هي الكلمة الأخيرة الـ عايزها الدين، وإنما هي تنزل لحالة المجتمع، ودي قابلة للتطور.. تتطور، مثلًا الزاوية المنفرجة الكثيرة الانفراج، اللي نزلت لأرض الناس في القرن السابع، يمكنك أن تقول أقل انفراج مما كانت زمان لتسير نحو الأصول خطوة، لأن المجتمع في القرن العشرين اقتضى حلول في مستويات ومشاكل أرفع مما كان في القرن السابع.. آية الفرع كانت ناسخة لآية الأصل، لأنه آية الأصل كانت أكبر من المجتمع في القرن السابع.. لقدام تُنسخ آية الفرع لأنها خدمت غرضها واستنفدته، أصبحت أضيق من أن تخدم حاجة مجتمع القرن العشرين.
في مسألة السياسة أيضًا: "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" أصل.. ودي من الآيات المكية وهي في القمة في الديمقراطية.. ثم نسخت بآية الفرع اللي هي الاستثناء الـ بعدها، اللي هي آية السيف اللي اطلع عليها: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم".. والنبي قال مما قال له الأمر ده في الأمر بالقتال، مما بدأ بـ: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا" ويجي: "وقاتلوا الذين يقاتلونكم".. إلى أن جاء قال له: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم".. التدرج ده نسخ الآيات الأصلية، ونبينا قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن (لا إله إلا الله) وأن محمدًا رسول الله فإذا فعلوا عصموا مني أموالهم ودماءهم إلا بحقها وأمرهم إلى الله".
فالديمقراطية في قرآننا فيه، الديمقراطية في ديننا فيه، في شريعتنا ما فيه.. والاشتراكية في ديننا فيه، في شريعتنا ما فيه.