لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

menu search
تصفية المحاكم الشرعية - المحاضرة السادسة

الخرطوم - داخليات المعهد الفني - ٨ يناير ١٩٦٩

الجزء العاشر

والشريعة نزلت لحكم الوصي.. في المرحلة الأولانية الفرع قام على الوصاية اللي هو آية الشورى.. آية الشورى لبست على الناس كثير.. افتكروا أنها دي الديمقراطية.. لكن في الحقيقة، حتى لو جئت أنت للبداهة المعاشة، أنه ما في هيئة استشارية شورتها مُلزمة للمستشير.. أي هيئة استشارية هي مستشارة لأغراض ماها فيها إلزام.. قال له: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله".. نحن نحب أن تكون المسألة دي واضحة بالصورة دي، أنه إذا كان نبينا استشار أصحابه، وجب عليه أن يستشيرهم، لأنه ده شريعته، أُمره بأن يشاورهم.. إذا كان رأيهم مع رأيه، بقى بينفذ يتوكل على الله.. إذا كان عندهم رأي وهو ما عنده رأي يعارض رأيهم، يأخذ رأيهم لينفذه يتوكل على الله.. إذا عندهم رأي وعنده رأي ورأيهم عارض لرأيه، رأيهم ما مُلزم.. ينفذ رأيه توكلًا على الله.. دي العبارات اللي تؤخذ من آية الشورى.. ما حدث في التاريخ أنه شاور وخالف، لكن ده ما بيعني أن الشورى مُلزمة له.. لأنه أبو بكر بعده شاور وخالف، وعثمان بعده شاور وخالف، وعمر وعلي بعده شاورا وخالفوا.. معاوية جاء أبى يشاور.. فالقول بأن الشورى هي الديمقراطية غلط.. إطلاقًا ما هي كده.. الشورى حكم الفرد الرشيد الذي جُعل وصيًا على القصّر.. يشاورهم ليعاملهم معاملة إنسانية، لتصح إنسانيتهم في أنفسهم، ليمرنن على مباشرة أعمالهم، ليعلموا يتعلموا بالخطأ لأنه عندما يقولوا رأي ويظهر خطأه في التطبيق بيتعلموا.. ليعدهم ليكونوا رشداء، لكن الشورى ما مُلزمة.
في مرحلة الزكاة ذات المقادير تشريعنا اقتصاديًا رأسمالي.. برضو ما أحب أن الناس يفتكروا أن الرأسمالية لازم يكون فيها الربا، ولازم يكون فيها الاستعمار، ولازم يكون فيها استغلال العمال، دي صورة منها مؤكد، صورة غليظة.. لكن علميًا أي نظام اقتصادي يملك وسيلة الإنتاج للفرد الواحد أو الأفراد القليلين رأسمالي.. مهما قيل عن إنسانيته ولطفه، علميًا الزكاة ذات المقادير ينطبق عليها التعريف ده وهي رأسمالية من هنا.
والشورى زي ما قلنا ما هي ديمقراطية.. حكمنا الأولاني لم يكن في شريعته ديمقراطيًا ولا اشتراكيًا، ومن ثم التماس الدستور فيه خطأ.. ما فيه دستور.. الرجل اللي فهم الدستور وحده النبي.. فهم القرآن ولذلك كان المشرع الوحيد.. ربنا شرع عنه هو.. أبو بكر من بعده ما مشرع.. لأنه الدستور ما مفهوم إلا عنده، والدستور هو القرآن.. فما فيه في حكمنا الأولاني دستور.. الدستور القرآن، لكن أصول الدستور في القرآن في الشريعة منسوخة.. إذا أنت عايز تقول عايز الدستور الإسلامي، أبعث آيات الأصول الكانت منسوخة قبل بتطويرك لآية الفروع لتقرب لآية الأصول.. يجي العمل بـ: "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر".. منع الوصاية على حرية الأفراد، دي ديمقراطية.. يجي العمل في مستوى: "يسألونك ماذا ينفقون قل العفو"، دي اشتراكية.. دي قمم في الحقيقة، أنت مش راح تجي من الفرع إلى القمة دي، القمة دي راح تظل في مجال الأخلاق، لعمل الأفراد.. لكنك زي ما قلنا الزاوية المنفرجة بتكون أقل انفراج، بتكون أنت أدخل في الدين حسب حاجة المجتمع، والمجتمع باستمرار يتطور ليكون الزاوية المنفرجة دي تنطبق على الزاوية القائمة اللي هي الأصل، وهيهات.. ده لا يتحقق إطلاقًا لأنه الأصل هنا قمته عمل الأفراد، ولا يكون فيه تشريع الجماعات إطلاقًا مهما ارتقى الجماعة.. لكن باستمرار الزاوية تضيق لتنطبق.
هنا ما في دستور إسلامي إلا بتطوير الشريعة الإسلامية لتبعث آيات كانت منسوخة وهي الأصول وتنسخ آيات فرعية كانت ناسخة، لأنه الوقت خلفها.. وده دخول في الدين أكثر.. في وهم يقولوا الناس: الجمهوريين عايزين ينقضوا الدين.. نقض الدين بيجي لو أنت قلت الزكاة ما تدوها.. ده ما ضروري تدوها.. أو قلت الصلاة ما تصلوها.. ما ضروري تصلوها.. أو قلت أي واحد من الفروع دي، القواعد ما هي مطلوبة، ده نقض.. لكن إن دخلت فيها أنت أكثر لتصير من العبادة للعبودية، لتصير من الرأسمالية للاشتراكية، لتصير من حكم الوصاية للديمقراطية، لا يمكن أن تكون بتنقض الدين، بل الحقيقة بتدعم الدين، وبترفع لحاجة المجتمع الحاضر له.. لأنه الدين ما هو غاية في ذاته، القرآن ما غاية في ذاته، الغاية الإنسان.. ولذلك ما في نص هو غاية في ذاته.. كل نص عندما يخدم غرضه يعطي مكانه للنص الأعلى منه.. ده أنا أفتكر أمر مهم.
ولو كانوا الإخوان الـ بيعارضوا الدستور الإسلامي عندهم الفهم ده ما بينخذلوا إطلاقًا.. لكن عندما تراجع بابكر عوض الله وعندما تراجع عبد الخالق لأنه النقطة دي ما في.. نحن الجمهوريين شاعرين بأن الميدان خالي من الوضع ده، ما هو علة عند الجمهوريين، ولذلك قامت محكمة الردة لتعزلنا.. محكمة الردة عمل سياسي وراءه سياسيين في السودان ووراءه سياسيين في مصر.. نحن نعرف القضية دي.. التشويه ده لحسن الحظ جاء لمصلحة الفكرة الجمهورية، مش ضدها.. الناس الـ قبلك ما كانوا بيقروها، بقوا يقروها.. الناس الـ ما بيفهموها، بدأوا يفهموها.. ولابد أن الجمهوريين يصمدوا في الميدان لغاية ما يفيق الناس من الدوامة الحاضرة ومن التضليل الحاضر ليقوموا بمناهضة ما سمي بالدستور الإسلامي.