سار التشريع الاسلامي في صورته.. دايما محاول الدين بتشاريعه، محاول أن يوجد مواءمة بين البيئة وبين الفرد.. العبادة هي، في الحقيقة، محاولة لانشاء العلاقة بين العابد والمعبود.. الانسان الأولاني كان شافها بالصورة دي.. أقام هذه العلاقة بينه وبين القوة الهائلة في التعدديات المختلفة، في الأديان، اللي هي طبعا مراحل من تطور الدين المستمر لغاية ما جاء في الأديان الكتابية عندنا، أو قل لغاية ما جاء في الأديان البتخاطب العقول عندنا.. سار باستمرار محاول أن يوجد توافق، وتعاون، ومصالحة، وصداقة، ومحبة، بينه وبين البيئة، سواء كان البيئة دي اتملقها بتقريب القرابين، أو بالعبادة، الي أن جاءت الصورة اللي نشأت فيها الأديان العقلية.. نحن عندنا الاسلام.. نحن بنتكلم عن الاسلام عندما قال الدين والتنمية الاجتماعية.. الدين معناه الاسلام.. الاسلام شنو؟؟ دي برضها حاجة أنا أحب أن نأخذها من أصولها، وبداياتها، لأنه دايما اذا كان نحن أخذنا الأمور من الأصول، والبدايات، بنستطيع أن نمشي في تمديدها، والرؤية واضحة عندنا.. الدين هو: "الارادة الالهية".. يمكن الانسان أن يقول الدين هو "الارادة الالهية".. ونحن عندنا الدين الاسلامي العام، والدين الاسلامي الخاص.. يعني ربنا لما قال: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها واليه يرجعون؟؟) عنى الإرادة الكاملة، الشاملة، التي لا تعصى ولا تخالف (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها واليه يرجعون؟؟) وفي نفس المعنى: (وان من شيء الا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم).. الدين دا هو اللي طور الحياة لما كانت في صورها البدائية، النحن ذكرناها قبيلك، وفي تعددياتها المختلفة وهي بتزحف عندما عبدت شتي الصور واعتبرتها هي القوي اللي بتأثر عليها والقوي البترهبها.. الي أن عرفت وراء القوى دي في القوة الخالقة.. الناس أخدوا زمن طويل هم مطورين بصور الارادة الهادية السايقة الناس لكمالاتهم.. لغاية ما ظهرت فيهم العقول – لغاية ما خوطبوا بالأديان- لغاية ما جات الصورة الماشة في موازاة مع صورة: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). جات مواكبة ليها وماشة معاها، ومصاقبة ليها: "العين بالعين والسن بالسن".. لكن دي جات لما دخلت العقول في المسرح.. وربنا يقول قبل نشأة العقول، عن الانسان: (هل أتي علي الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟؟) يعني: قد أتي علي الانسان زمن طويل جدا لم يكن عنده عقل يجعله مذكورا عند الله في ملكوته.. مكلف.. مضي علي الانسان زمن طويل لم يكن مكلفا، ولا مخاطبا، بتوجه الشرائع، والتكاليف، ليهو.. ثم عندما أصبح الانسان مكلف بفضل الله، ثم بفضل صهر العناصر ليهو، وتخويفها ليهو، وضغط المجتمع عليهو، نمي عقله، وتقدم، وأصبح يخاطب بصور متقدمة من التشاريع، وصور متقدمة من الأعمال الاجتماعية، وأصبح يعيش في بيئة اجتماعية تعلمه، وتهذبه، وتربيه، وتعطيه الفرص ليكون حر.. اتقدم المجتمع مع تقدم الأفراد بالصور اللي بنشوفها نحن في الوقت الحاضر..
يمكن للانسان أن يقول ان التنمية الاجتماعية هي محاولة لأن تكون في مواءمة بين الانسان والبيئة.. التنمية الاجتماعية هي ادخال العلم في المناشط البشرية حتي نجد معادلة لأن نعيش في سلام – نعيش في سلام من العداوات، نعيش في سلام من المجاعات، نعيش في سلام من الجهل، نعيش في سلام من المرض.. ولذلك التنمية الاجتماعية تأخذ في تخصيصاتها الاعتبارات دي كلها.. بتأخذ التخطيط الاقتصادي كعمود فقري للمجتمع كله، لأنه لا يمكن أن يكون في عمل بدون التنمية الاقتصادية.. لكن هناك التخطيط الثقافي، والتخطيط الصحي، والتخطيط للخلاص من الجريمة، والتخطيط للمسائل اللي بتسوقنا كلها لابراز قيمة الفرد، وتحسين مستواه، وبروزه الي مجال كرامته وحريته.. لكن فكرنا الاجتماعي، زي ما قلت قبيل، ارتطم بمسألة العجز عن التمييز بين الفرد والجماعة، لأنه تاريخنا في الماضي كله كان في ظاهره ضد الفرد.. تسوقنا الدورة مرة ثانية لأن نشوف أنه الفرد نشأ قبل المجتمع، والفرد هو اللي اخترع المجتمع، والمجتمع وسيلة الفرد، ونحن عندنا في الاسلام الفرد هو المخاطب.. الفرد هو المكلف.. "الفردية".. نحن عندنا في الاسلام الفردية مؤكدة بصورة كبيرة جدا.. تجي في عبارات التكليف: (كل نفس بما كسبت رهينة) ربنا بتوجه للفرد بالصورة دي.. (كل نفس بما كسبت رهينة) (ولا تزر وازرة وزر أخري) (ونرثه ما يقول ويأتينا يوم القيامة فردا) (لقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة) أو (وان تدع مثقلة الي حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربي) أو (ان كل من في السموات والأرض، الا آتي الرحمن عبدا* لقد أحصاهم وعدهم عدا*وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).. انا افتكر اننا نحن في مفترق الطرق في الوقت الحاضر.. نحن البشر وقفنا في مفترق الطرق.. اذا كان ما وضحت في نظرنا، في رؤيانا، اذا ما وضحت لينا الرؤية بنظل لايصين.. الرؤية المطلوبة لأن تتضح هي أن الفرد هو المطلوب.. الجماعة وسيلتنا، والفرد غايتنا.. وتنميتنا الاجتماعية يجب أن تتجه لانجاز المجتمع الذي منه يبرز الفرد الكامل، الفرد العارف، الفرد الحر.. التنمية الاجتماعية يجب أن يكون هدفها دا.. بل، في الحقيقة، انه تجربتنا دلت علي أنه اذا كان ما نتجه نحن من الأول لأن نجعل الفرد هو مركز النشاط كله، لا يمكن ان تكون التنمية الاقتصادية، موجودة.. التنمية الاقتصادية مخذلة، ومنهزمة، لأنه الفرد هو الثروة الحقيقية.. الفرد البينتج – أنا وأنت، والثالث والرابع – بالاقتناع الداخلي البنعمل بيهو في سبيل التنمية الاقتصادية، بنجعل التنمية الاقتصادية ممكنة.. التنمية الاقتصادية اذا كانت ممكنة، ونحن عندنا الفكرة، يمكن للتنمية الاجتماعية، في جميع مناشطها، أن تمشي للأمام.. اذا أهملنا الفرد، ثم اتجهنا الي التنمية الاقتصادية بدونه، التنمية الاقتصادية تكون فاشلة، ومنهزمة.. ونحن هنا، مثلا في البلد، نقول دائما أن أزمتنا أزمة أخلاق.. أزمة السودانيين أزمة أخلاق، ليست أزمة كفاءة علمية.. نحن عندنا الكفاءة العلمية، ونعرف كيف نخطط.. ولكن كل تخطيط جميل عندما يجيء عند التنفيذ يموت، ويفشل، لأن الأفراد البنفذوا ما عندهم التربية في ضمائرهم البترقي الي أن تكون رقيب عليهم لينتجوا.. ولحسن التوفيق أنه، في مرحلتنا الحاضرة، التجربة الروسية في الاشتراكية فشلت لنفس السبب، اللي هو اهمال قيمة الفرد..
أها دي بتسوقنا الي الجانب الثاني من العلم، العلم اللي يجب أن يتدخل في توجيه، وتخطيط، المناشط البشريةلتكون التنمية الاجتماعية ممكنة.. الحرية.. عندما ظن المفكرون الشيوعيون الماركسيون أن الفرد غير مهم، وانما هو سنة في الدولاب الكبير، والمهم المجتمع، واتجهوا ليحققوا الاشتراكية كوسيلة لتحقيق الشيوعية في تخطيطهم، أصبحت، بعد مضي أكثر من خمسين سنة، تحقيق الاشتراكية ما ممكن.. لأنه الفرد ما أصبح منتج بغير رقابة عليهو، أو بغير دوافع لتجعله ينتج.. الدوافع دي أصبحت نوع من الاغراء المادي، كأنما هي رجوع الي الرأسمالية.. ولذلك أصبحت روسيا، حتي في الغلال، عالة علي أمريكا.. لعلكم سمعتوا في الأيام الأخيرة كيف أن الرئيس فورد اتدخل ليوقف شحنة قمح، أكثر من مليون طن، متعاقد عليها مع الروس لتصلهم من الأمريكان.. أصبحت الصورة واضحة.. أنا بقول: أنه لحسن التوفيقأننا نحن بنجد الدلائل العملية، والدلائل المادية، البتدلنا علي أننا نحن وصلنا للخط المقفول..
ويجب أن يكون في تفكير جديد.. التفكير الجديد دا في الحقيقة بيجي فيه الدين توا.. الدين اذا ما فهم علي صورة تتفق مع الدقة البطلبها العلم، قد يكون معوق للتنمية برضو.. ووفي ناس بيفتكروا ان الدين معوق للتنمية.. ويمكن أن يكونوا في ناس بفتكروا، ودا ما بكون الدين، دا فهم الناس للدينبأنه موش ضروري الاشتراكية مثلا .. التنمية الاجتماعية لا يمكن أن تكون بدون الاشتراكية.. والتخطيط قبيلك قلنا، نشأ عن ظهور الاشتراكية.. ما كان في راسمالية.. حتي الراسماليين لما يخططوا، في الوقت الحاضر، متهمين بأنهم بيخططوا لمصلحة الرأسمالي، والاحتكاري.. لكن التخطيط البيتجه للمجتمع ليحسن كمه، وكيفه، جاء مع التفكير الاشتراكي، والعيب البيمشي مع التخطيط الاقتصادي، من الجانب الاشتراكي، العيب دا هو اهمال هذا التفكير للحرية.. وبطبيعة الحال، الناس البيخططوا قلة.. خاصة في النظام الإشتراكي – في النظام الشيوعي – الناس البيخططوا قلة.. كأنما هم المدبرين والمحركين لدولاب الدولة، وبطلبوا من الناس الآخرين ان يكونوا أيدي منفذة.. ودا عيبو كبير، وعيبو ظاهر، وعيبو، في الحقيقة، جايي من الفلسفة الماركسية نفسها..