لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

menu search
الدين والتنمية الاجتماعية
جامعة امدرمان الإسلامية

٦ اكتوبر ١٩٧٤

الجزء السادس

نحن لأن نفهم الاسلام فهم بصورة تخلينا نسير مع تنمية المجتمع ليقدام، ليكون المجتمع متكافل، ومتعاون، وفي سلام، المجتمع الكوكبي كله في سلام مع بعض، ليكون وسيلة موسلة لحرية الفرد، يجب أن نفهم الغرض وراء الدين.. الغرض وراء الدين كرامة الانسان.. كل الدين جاء من أجل كرامة الانسان.. ولذلك توكيده للفردية بالصورة اللي قلت ليكم عليها.. توكيد للفردية في أصله، كل القرآن متسق بيها، وملآن بيها.. لأنك انت بتقابل الله فرد، ما بتقابل الله في قطيع.. توكيد الدين لهذا المعنى هو اللي نحن بنحتاج لنفهموا في الوقت الحاضر.. وأعتقد انه بفهمه بينفك التعارض القايم بين العلم والدين.. بدون هذا المستوي من الفهم، التعارض بين العلم والدين بادي بصور ساذجة.. حتي أنه نحن عندنا من الناس من كان يعتقد، أو لا يزال لعله، من يقول أنه الأمريكان وصلوا القمر فهو كافر.. فبالصورة دي يجي التعارض بصورة مضحكة بين العلم والدين..
لكن اذا كان الدين هو الصورة البنصفيها نحن من الارادة الالهية، اذا الدين هو الارادة الالهية في صورته العامة، بعدين نحن بنستخرج من الارادة الالهية مرضاة الله.. أفتكر أنه دي نقطة أحب ان تتضح للأخوان السامعين، وللأبناء السامعين.. أنه الدين بالمعنى العام هو الارادة الالهية التي لا يشذ عنها شاذ، ولا يخرج عنها خارج.. ولا يعصي الله فيها عاصي.. غير ارادة الله مافي شي مسيطر علي الكون.. لكن ربنا أراد شيءئ لم يرضه.. هناك فرق بين الرضا وبين الارادة – في فرق بين رضا الله، وارادة الله.. وتجيء الصورة في القرآن بـ: (ان تكفروا فان الله غني عنكم، ولا يرضي لعباده الكفر، وان تشكروا يرضه لكم..).. (ان تكفروا فان الله غني عنكم) معناها أنه ما كفرتم مغالبة لله.. الغني انما هو القادر الذي لا يغلب.. ان تكفروا لم تكفروا مغالبة لله، وانما كفرتم بارادة الله.. والمعاني في الموضوع دا، والنصوص مستفيضة: (وما كان لنفس ان تؤمن الا بأذن الله ويجعل الرجس علي الذين لا يعقلون).. القرآن مستفيض في معنى أنه ما في في الوجود بدخل الا بارادة الله.. لكل لمن ربنا متعنا بالعقول دي، وفرض علينا الحرام والحلال، أراد أن نسير مما يريده الي ما لا يرضي غيره – نسير من ارادته الي مرضاته.. الحرام والحلال في ارادته، لكن الحرام ما يدخل في المرضاة.. مرضاة الله لا يدخل فيها الحرام.. الحلال والحرام في ارادة الله، دخلوا في الوجود بارادة الله.. لكن الحرام لا يدخل فيما يرضاه الله: (ان تكفروا فان الله غني عنكم، ولا يرضي لعباده الكفر، وان تشكروا يرضه لكم).. فاذا نحن عرفنا الدين بالمعنى دا، الدين يتوسل بكل وسائل المناشط البشرية ليجعل التنمية الاجتماعية ممكنة.. يستعمل الآلة، ويستعمل العلم، في كل صوره، ليكون خادم الانسان، موش سيد الانسان، لأنه الانسان جاء في الكون دا ليتحرر من كل سيد ليدخل في العبودية لله.. الأنسان ليس له سيد في هذا الوجود الا الله.. لكن الأشياء البتستعبده كثيرة جدا، وباستمرار هو بتحرر منها، ويخرج منها ليخلص عبوديته لله.. ربنا طوع لينا الكون كله، الأكوان كلها، والوجود كله، لنستخدمه في طريق السير.. وجودنا هنا هو وجود في قمة المخلوقات، كأنما الأكوان كلها مطيتنا لنسير بيها إلى الله.. فاذا كان نحن عرفنا الدين بالصورة دي مافي علم يمكن أن يكون ضد الدين.. لكن أن نعرف أن العلم هو خادم الانسان.. الآلة خادم الأنسان.. ليس للانسان سيد غير الله.. وهو، ليعرف الله، ليجد الفراغ، ليجد الثقافة، وليجد الصحة، ويجد كل الأشياء البحتاج ليها ليعيش عيشة رفيعة، الغرض من هذه العيشة الرفيعة أن يعرف الله، وأن يشكر نعمة الله التي طوعها ليهو في كل مناشط حياته.. فإذا كان نحن شفنا الدين بالصورة دي مافي تعارض.. لكن الدين البقول لينا انه الانسان البقول الأمريكان مشوا القمر كافر، دا في الحقيقة، ما هو الدين، لكن فهم خاطيء للدين، ومن المؤكد اننا نحن في محك اليوم لنعرف الفهم الصحيح الدقيق للدين..
يمكن أن يقول الانسان أنه الدين وسيلة الانسان.. القرآن ما غاية في ذاته، القرآن وسيلة الانسان.. الاسلام، وكل مناشط العبادة في الدين، هي وسيلة الانسان.. حتى: (وانزلنا اليك الذكر)، ربنا يقول (وانزلنا اليك الذكر) - القرآن.. (لتبين للناس ما نزل اليهم) - الشريعة.. (ولعلهم يتفكرون).. لأنه الانسان ما ممكن يسير لمقامات الكرامة بدون الفكر، وانما جاء الدين كله ليروض الفكر لئلا ينحرف في تفكيره..
في عبارة قد تحتاج لتصحيح.. العبارة دي بتقول أنه الدين نقل ما عقل.. الدين نقل وليس عقل.. العبارة دي جيدة اذا عرف مضمارها، لكن كثير من الناس أطلقوها بالصورة الامتهنوا فيها االفكر.. أصلوا ما في كرامة للإنسان الا بالفكر.. وعندما قال ربنا: (هل أتي علي الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟؟) يعني مضي عليهو زمن طويل جدا ماعنده عقل.. ونحن ما بنسير لي الله في المسافة.. نحن بنسير لي الله بالعقول..