لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

menu search
تصفية المحاكم الشرعية - المحاضرة السادسة

الخرطوم - داخليات المعهد الفني - ٨ يناير ١٩٦٩

الجزء السادس

هنا من الناس المؤيدين، من الناس المؤيدين، أنا قبيلك قلته فيهم جبهة الميثاق، أنا في الحقيقة بيهمني دائمًا فيها كلام الدكتور الترابي.. لأنه الترابي بيعتبر مثقف كبير في الناحية، ناحية الأحزاب التقليدية وناحية جبهة الميثاق.. هو في تأييده زي اللي لام السيد إسماعيل الأزهري على استعجاله في القول بأنه راح يضع القضاء الشرعي فوق القضاء المدني.. قال: عندما تتم سيادة الشريعة الإسلامية ستزول الفوارق بين القضاء الشرعي والقضاء المدني.. وده كلام صحيح.. يعني ما في موجب لأن تقول أنت راح تضع القضاء الشرعي فوق القضاء المدني، لأنه لمّا تجيء الشريعة الإسلامية والدستور الإسلامي، ما راح يكون في قضاء شرعي وقضاء مدني.. ودي النقطة اللي بتهمنا نحن في الكلام عن الدستور، سيادة الشريعة الإسلامية.. العبارة دي خطأ.. خطأ حتى من وجهة النظر الدستورية.. والدكتور الترابي دكتور في القوانين الدستورية.. ما أفتكر أنه هو في الناحية المدنية بيجهل الوضع ده.. الناحية المدنية ما بتقول أن السيادة للقانون.. السيادة للدستور.. أصلها السيادة للشعب.. الشعب بينظم حكمه بالدستور.. كأنما الدستور هو آمال الشعب وتطلعاته، موضوعة في صياغة قانونية.. فإن قلت أنت السيادة للشعب، أو قلت السيادة للدستور، كلامك في محله.. لكن ما يمكن تقول السيادة للقانون.. لأنه الدستور أصل وثابت.. القانون فرع ومتغير، وقد يكون القانون خطأ، قد يكون غير دستوري، قد يكون باطل، ويُغيّر.. لكن الدستور هو الثابت وهو اللي بتكون له السيادة.. فأنت يمكنك أن تقول السيادة للشعب أو يمكنك تقول السيادة للدستور.. ده في الناحية المدنية.
في الناحية الشرعية، الأستاذ الترابي قال السيادة للشريعة.. أنا أفتكر أن الخطأ هنا جاييه من الخلط بين القانون والشريعة، اللي هي قائمة في أذهان الفقهاء ورجال الدين اللي عندنا.. دائمًا بتلقى الواحد منهم يتكلم عن الدين أو يتكلم عن الشريعة بمعنى واحد.. الحاجة اللي نحن عايزينها ننظر فيها في الوقت الحاضر ونعطيها اعتبار، هي أنه الشريعة طرف من الدين.. الشريعة مش كل الدين.. الدين كأنه حاجة ما بتتناهى.. الدين هو الحبل النازل من الله في عليائه لأرض الناس، ليأخذوا الحبل ده ويرجعوا له.. الشريعة طرف الحبل اللي لمس أرض الناس.. فهي في القرن السابع نزلت لمستوى المجتمع في القرن السابع.. الشريعة مدخل على الدين.. الدين ما بيتطوّر.. الناس يتطوروا في فهم الدين كل ما ارتقوا.. الشريعة بتتطور.. والدين اتكلم عنه نبينا بالعبارة دي: "خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي (لا إله إلا الله)".. (لا إله إلا الله) هي الإسلام اللي جاء به آدم وجاء به نوح وجاء به إبراهيم وجوا كل الأنبياء إلى نبينا.. نبينا قال: "خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي (لا إله إلا الله)".. هم في (لا إله إلا الله) في قول واحد، تحقيق مختلف.. يعني لمّاً آدم قال أو نوح قال أو إبراهيم قال أو محمد قال اختلاف في التحقيق.. (لا إله إلا الله) هي الثابتة، لكن كل واحد منا يحقق منها قدر أكبر من غيره.. في قمة من حقق (لا إله إلا الله) نبينا.. شرائعهم كلها تختلف.. شريعة آدم غير شريعة نوح وغير شريعة إبراهيم وغير شريعة موسى وغير شريعة عيسى وغير شريعة محمد.. الشرايع لأنها بتخاطب المجتمع.. وكل ما تغير المجتمع تتغير الشريعة لمستوى المجتمع.. الدين ثابت إذاً.. الدين ما بيتغير.. الناس يتغيروا في تحقيقه كل ما ارتقوا.. في فهمه كل ما ارتقوا.. الشريعة يتطوروها حسب حاجتهم.
هنا لمّاً نحن نقول السيادة للشريعة بنكون مخطئين.. الشريعة الإسلامية فرع من القرآن.. القرآن هو الدستور.. السيادة للدستور، السيادة للقرآن.. نبينا وحده اللي فهم الدستور في الحكم الماضي.. ولذلك هو كان وحده المشرع.. أبو بكر ثاني اثنين ما مشرّع.. النبي وحده فهم القرآن وعاش القرآن وزي ما قالت السيدة عائشة عنه "كانت أخلاقه القرآن".. لفهمه للدستور كان مشرّع.. بعدين شرّع للناس في مستواهم.. زي ما قلنا الشريعة هي الطرف من الدين اللي لامس أرض الناس.. فنبينا شريعته جاءت لمستوى أمته في القرن السابع.. إذا كنوا نحن قلنا الدين بالصورة دي، الدين هو أصول القرآن.. ديننا كله، الإسلام كله مشتمل في المصحف.. ودي نفس العبارة اللي جاءت في القر آن: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا".. "أكملت عليكم نعمتي" يعني نزل الدين كله ليكم.. "اليوم أكملت لكم دينكم" بالنزول.. "وأتممت عليكم نعمتي" بأن هديتكم لأن تعتقدوا في النبي وتؤمنوا به.. "ورضيت لكم الإسلام دينًا" حالًا ومآلاً.