إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

عودة إلى الحوار العجيب !! (٤)

د. عمر القراي


عودة إلى الحوار العجيب !! (4)


د. عمر القراى


بين وقيع الله والترابي


حين سئل وقيع الله في الحلقة الأولى ، من الحوار، ذكر بأنه مؤمن بأفكار الاتجاه الإسلامي ، ولكنه غير منظم ، لأسباب في طبيعته الشخصية ، كنت قد علقت عليها ، في ردي السابق.. ثم ذكر انه لا يعتبر الترابي مجتهداً ، وفي الجزء الثاني من الحوار، سئل عن اجتهادات الترابي الأخيرة ، فقال ( هذه الاطروحات لم يفصح عنها الترابي بشكل علني من قبل ... وهذه الاطروحات الشاذة وغيرها مما يصرح به الترابي الفينة بعد الفينة كفيل بتحويل ما يسمى بالمؤتمر الشعبي الى نحلة جدلية نظرية مشغولة بمسائل غير واقعية وكل ما اخشاه هو ان يتحول تنظيم المؤتمر الشعبي الى تنظيم مغلق كتنظيمات الرافضة والقرامطة والجمهوريين ) وحين سأله الاستاذ صلاح شعيب ( هل هذا يعني انك لا توافق على فتاويه الاخيرة التي تتطرق لمسائل العقيدة ؟ ) أجاب بقوله (قطعاً انني غير موافق عليها وهذه الفتاوي ليست مفيدة ولا مطلوبة ومسائل العقيدة لا تطرح للاجتهاد بله الجدل العقيم الذي غايته اغاظة الخصوم ومخالفة الجمهور ) وحين ألح عليه صلاح شعيب ، بسؤال آخر عن الترابي ، ضاق ذرعاً من ذلك ، وقال ( ياخي خلينا نخرج من الموضوع دا ) !!
أما أنا ، فلن ادعه يخرج منه ، حتى يعرف الناس ، أن د. محمد وقيع الله ، قد كان منظماً في الاتجاه الإسلامي ، منذ أن كان في الجامعة الإسلامية !! وانه كان يعرف للترابي ، من قبل ، اجتهادات شاذة ، في مجال العقيدة ، أسوأ من اجتهاداته الاخيرة ، وانه اخرج كتاباً يدافع به عن ما قاله الترابي ، في حديث الذباب المشهور!! جاء في ذلك الكتاب ( فقد كنت في صيف 1986 شرعت ارد الشبهات واقاويل الارجاف التي ثارت مع حمى الانتخابات السياسية التي كان وقودها خطب السياسيين ومن استعانوا بهم من الدعاة المتعصبين فكتبت في صحيفة ألوان الغراء مقالاً بعنوان " جلاء الشبهات الضبابية من الفتاوي الترابية " رددت به على الشيخ الطحان بعض ما كذب به على الشيخ الترابي وكنت بأمل ان اكتب مقالاتً آخر اناقش فيها فكرة التجديد وتهجم متعصبة الدعوة عليها .. الا ان احد مشائخ الحركة الاسلامية وهو الشيخ أحمد محجوب حاج نور كان له رأي آخر وهو الا ننشغل في معركة الانتخابات الشاملة التي ستقرر جانباً من مصير العمل الاسلامي بهذه الاختلافات التي ينشغل بها دعاة الفروع وهواة الجدل الفقهي .. وقد استجبت لرأي الشيخ حاج نور على مضض) !! ( د. محمد وقيع الله : التجديد الرأي والرأي الآخر . الخرطوم : المركز القومي للانتاج الإعلامي ص 2-3 ).
فوقيع الله إذا ، قد كان منظماً في الجبهة الاسلامية القومية ، وكان يدافع عن زعيمها ، أمام الإسلاميين الذين نقدوا اجتهادا ته ، ثم يقبل ان يوقف كتابته ، حتى يركز التنظيم على معركة الانتخابات ، التي قدر قيادياً اكبر منه ، هو المرحوم حاج نور، أنها أهم من تبرئة شيخهم ، مما نسب له ، من الخروج عن الدين، وما كان لوقيع الله ان يخالف التنظيم ، ولهذا قبل رأي حاج نورعلى مضض .. لماذا أخفى وقيع الله كل هذه الحقائق الآن، حين أصبح الدفاع عن الترابي صعباً ؟!
وبعد نهاية الانتخابات ، اخرج وقيع الله دفاعه عن الترابي ، في كتابه هذا !! ولما كان منفعلاً كعادته ، منذ ذلك الوقت ، فقد وصف من نقدوا الترابي بقوله (مروجو الفتنة امثال الدكتور الطحان ... والمدعو أحمد مالك والمدعو محمد احمد حامد محمد خير والمدعو الصادق المهدي والداعية المغمور الذي ناظرته من شيعته والداعية المغمور الآخر ) (المصدر السابق ص 6)
أما مفارقة الترابي في ذلك الوقت ، التي حاول وقيع الله ان يدافع عنها ، فهي انه سمع حديث الذباب المشهور ( اذا سقط الذباب في اناء احدكم فليغمسه وليشرب ..الخ) فقال ( هذا أمر طبي آخذ فيه برأي الطبيب الكافر ولا آخذ رأي النبي صلى الله عليه وسلم ولا أجد في ذلك حرجاً ولا أسال منه عالم دين) !! ولقد اوضحنا فساد عقيدة الترابي في حينه ، عندما ثار هذا الموضوع ، في أواخر السبعينات ، في أركان النقاش بجامعة الخرطوم .. والذين عاصروا تلك الفترة من القراء الكرام ، يعرفون أن أعضاء الاتجاه الإسلامي بدأوا بإنكار، أن الترابي قال مثل هذا الحديث .. حتى جاء في محاضرة ، بكلية العلوم السياسية، وسئل عنه فلم ينكره !! ولم يأت وقيع الله بجديد ، في كتابه هذا ، وإنما خلص إلى نفس رأي الترابي ، من أن النبي صلى الله عليه وسلم ، يؤخذ منه امر الدين ، وأما أمور الدنيا فإننا يمكن أن نرفض رأيه فيها ، وأورد آراء بعض الفقهاء ، الذين وقعوا مثل الترابي ، في هذا الخطأ ، وقال ( ،أما المسائل المتعلقة باشياء الطبيعة التي يمكن فيها درك الحق ، وحسم الخلاف بالادراك البشري فتركت من ثم لكسب البشر ) (المصدر السابق ص 68 ) .. ولقد اعتمد وقيع الله ، مثل الترابي نفسه ، على الفهم المغلوط لحديث تلقيح النخل ( راجع الرد على هذا الفهم في الرد على د. عبد الوهاب الأفندي في اعداد ماضية من الصحافة ) .
ولسنا هنا ، بصدد بيان مفارقة الترابي العقائدية ، في موضوع حديث الذباب ، وهي نفسها مفارقة وقيع الله ، الذي دافع عن باطله ذاك .. ولكننا بصدد كذب وقيع الله ، حين أخفى انه قد كان عضواً متحمساً في الجبهة القومية الإسلامية ، مدافعاً عن زعيمها ، حين اجتهد في امر العقيدة ، بما رآه إسلاميون آخرون خروجاً عليها ، ثم هجومه على نفس الزعيم ، الآن ، حين قال بما هو دون ما ذكر آنفاً !! إن السؤال الذي يواجه وقيع الله هو، لماذا كان يدافع عن الترابي ، ويشيد باجتهاده، رغم باطله الظاهر حين كان قريباً من السلطة ، قبيل الانتخابات ، ثم ادعى انه ليس بمجتهد ، وشبهه بالقرامطة ، حين أصبح منبوذاً ، ومكفراً ، من تلاميذه الذين يمسكون بمقاليد الامور اليوم ، ويعتبرون نقد الترابي تقرباً اليهم ؟!

الجمهوريون ومايو:


لقد كانت التجربة الديمقراطية ، قبيل مايو، مؤوفة بآفات كبيرة ، حولتها إلى دكتاتورية مدنية ، تتحالف فيها الطائفية ، مع جبهة الميثاق الإسلامي، وترفع فيها شعارات إسلامية ، بغرض السيطرة السياسية .. فلقد عدّل الدستور، ليتم طرد الشيوعيين ، المنتخبين ، من الجمعية التاسيسية عام 1965 م ، مما يعد انقلاب على الديمقراطية ، من داخل مؤسساتها ، وضربها في جوهرها ، وهو حق التعبير، وحق التنظيم .. وحين قاوم الاستاذ محمود ، تزييف الديمقراطية ، بسلسلة من المحاضرات ، تحت عنوان " مناهضة حل الحزب الشيوعي السوداني " ، سعت الطائفية والجماعات الإسلامية ،إلى إسكات صوت الجمهوريين، بما عرف بمحكمة الردّة ، التي حكمت بردة الاستاذ محمود ، وإغلاق دور حزبه ، ومصادرة كتبه .. ولكن محكمة الردّة فشلت ، لأن المحكمة الشرعية ، كانت تعمل خارج اختصاصها ، والدستور الانتقالي ، لا يقر الردّة ، لهذا استُغلت المحكمة بواسطة الجمهوريين ، لشرح فكرتهم بصورة أكبر، ولنقد المؤامرة والجماعات التي وقفت خلفها.. فسعت الطائفية وجبهة الميثاق الاسلامي لطرح الدستور الإسلامي ، حتى يتمكنوا من اسكات صوت معارضيهم باسم الدين .. وفي عام 1969 م كان الدستور الإسلامي ، مطروحاً للقراءة الثانية ، في الجمعية التأسيسية.. وكانت لجنة الدستور، في مداولاتها شديدة الجهل ، شديدة التخلف ، حتى أنها ذكرت إقصاء كلمتي ديمقراطية ، واشتراكية ، لانهما ( لم يردا في الكتاب والسنة ) !! في ذلك الوقت ، ذاع تصريح من السيد الهادي المهدي ، يقول بان الجمعية اذا لم تجز الدستور ، فان الانصار سيجيزونه بحد السيف .. ولقد تصدى الجمهوريون وحدهم لموضوع الدستور، أو كما سمّوه مؤامرة الدستور الاسلامي المزيف.. وافرد الاستاذ محمود محاضرات في اسبوع مناهضة الدستور الاسلامي . وخرج كتاب "الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين" وكتاب " الدستور الاسلامي .. نعم ولا !!" .. في هذه الظروف التي تتهدد البلاد ، بتحول النظام البرلماني المتعثر، إلى دكتاتورية دينية ، تفرض دستوراً متخلفاً ، يهدف إلى تصفية خصوم الطائفية ، وحلفائها في جبهة الميثاق الإسلامي ، وقع انقلاب مايو 69 ، بمثابة انقاذ للبلاد !! فأوقف مؤامرة الدستور الاسلامي في الجمعية ، ومحاولة فرضها بالسلاح ، التي كانت تدبر في الجزيرة أبا ، ثم انه افلح في ايقاف الحرب التي ظلت مشتعلة منذ عام 1955 بين الشمال والجنوب ، وعجزت كافة الحكومات الوطنية عن ايقافها . أخلص من هذا السرد التاريخي، الى حقيقتين في غاية الأهمية : اولهما ان الجمهوريين ، كانوا قبل مايو ، يطالبون بايقاف الدستور الاسلامي ، وايقاف حرب الجنوب ، وابعاد الطائفية من فرض هذا الجهل بقوة السلاح .. فجاءت مايو وايدت ، عملياً ، هذا الطرح.. فاذا كانت هذه المبادئ هي ثورة مايو ، فان الجمهوريين قد ظلوا مخلصين لهذه المبادئ ، حتى بعد ان تنصل عنها نميري ، واخذ يهدم فيها ابتداء بالتحالف مع الطائفية والأخوان المسلمين، وانتهاء بإشعال حرب الجنوب ، واعلان الدستور الإسلامي ، مرة أخرى .. وثانيهما ان مايو كانقلاب عسكري ، لا يقوم على فكرة ، لم يكن من الممكن للجمهوريين تأييده ، وإنما كان موقفهم في البداية التاييد السلبي ، أي عدم المعارضة أو مساعدة المعارضة ، حتى لا يسقط النظام ، الذي كان بديله الجاهز اسوأ بكثير .. ولقد قرروا ذلك ، في اجتماعهم لتقييم مايو، بعد يومين فقط من قيامها ، وكان مما سجل في ذلك الاجتماع ، الذي عقد بمدينة ودمني ، قول الأستاذ محمود ( أنا كنت متأكد أن الله لن يخلي بين الشعب السوداني ، ومؤامرة الطائفية لتمرير الدستور الإسلامي المزيف ، في سعيها للاستيلاء على السلطة الزمنية والسلطة الدينية .. لكن ما كنت عارف الوسيلة اللي راح يستعملها الله ، في حماية الشعب من المؤامرة دي ، حتى جا نميري ورفاقه من خور عمر فشعرت أن الله استخدمهم في ساعة الصفر، للحيلولة بين الشعب السوداني وبين مؤامرة الطائفية .. لكن ثورة مايو ماها البديل الصحيح عن الطائفية .. نحنا البديل الصحيح لو كنا جاهزين .. ولذلك لن نؤيد مايو تأييد إيجابي ، بل نؤيدا تأييد سلبي ، بمعنى اننا لن نعارضا ، لأن معارضتنا ليها ستذهب في ترجيح كفة الطائفية ، ولو عادت الطائفية ستعود طائفية كلوب .. وعليه سيكون موقفنا من مايو التأييد السلبي، الا اذا تعرضت لمؤامرة الطائفية ، في الوقت داك ، ناييدها تأييد ايجابي ... مايو جات لتكسر شوكة الطائفية وتقلم أظافر الشيوعية ، وبعد ان تؤدي دورها راح تفسد ، وتكون اخطاها واضحة بصورة كبيرة في أخريات أيامها وراح نتصدى ليها بقوة ، فتذهب على أيدينا ) !!
وكان لابد ان يعترض التحالف بين الطائفية وجبهة الميثاق الإسلامي، على حكومة مايو، التي أجهضت برنامجهم .. ولم يتحركوا في اتجاه التوعية ، أو الدعوة إلى المقاومة السلمية ، أو العصيان المدني ، وإنما اتجهوا إلى جمع السلاح ، وبدأوا تدريب الأنصار، بواسطة أعضاء جبهة الميثاق ، من أمثال المرحوم محمد صالح عمر.. ولقد حاول النظام تجنب المصادمة ، وأرسل إليهم القائد أبو الدهب يحمل رسالة للتفاوض ، لكنهم جلدوه ، وأرسلوه في رسالة واضحة ، إلى الحكومة ترفض التفاوض ، وترفض دخول رموز الحكومة ، إلى جزء من أجزاء الوطن .. فكان لابد من المواجهة المسلحة ، ولقد كانت الحكومة أمضى سلاحاً فانتصرت .. ولقد تكونت جبهة للمعارضة ، جمعت بين الاحزاب التقليدية ، وجبهة الميثاق الإسلامي ، وبدأت تعارض من الخارج ، ثم قررت غزو السودان واسقاط النظام في عام 1976!! ولم يكن من المحتمل ، أن يواجههم النظام بغير السلاح ، فدحر الغزو، فما كان من قادته ، إلا أن صالحوا نظام نميري في عام 1977 دون أي شرط ، ودخلوا في داخل الحزب الواحد الاتحاد الاشتراكي ، رغم ادعاءهم الايمان بالتعددية .. ودخل الترابي زعيم جبهة الميثاق ، في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي ، وادى قسم الولاء لثورة مايو الظافرة ، وبدأ الصراع داخل السلطة بين (القادمين والقدامى ) !! في هذه الظروف طرح الجمهوريون ، ضرورة قيام المنابر الحرة ، ولكن نميري لم يستمع لذلك ، ولم يستطع دعم أشياعه ، الذين كانوا يحاولون وقف التيار القادم ، حتى لا يؤثر على اتجاه الحكومة ، وهو يبطن المعارضة ويظهر المصالحة .. وبعد فترة ، بدأ نميري يتأثربالجماعات الاسلامية ، بدلاً من ان يؤثر فيها ، فعين الترابي مستشاراً له ، فقبل ذلك دون تردد ، ولم يرفض التعاون مع النظام ، الذي قتل أفراد تنظيمه.. وحين استجاب نظام مايو لكيد معارضيه ، الذين ادعوا مصالحته ، اخذ يحطم انجازاته الواحد تلو الاخر ، فبدأ باتفاقية أديس ابابا ، فتنصل عنها ، وسعى الى تقسيم الجنوب ، فبدأ التمرد بمظاهرات رمبيك الثانوية التي تم اغلاقها.. ثم اخذت التنمية تتساقط تحت ضربات الفساد ، وخضع النظام الى البنك و الصندوق ، فرفع الاسعار ، وبدأ في خصخصة السكة حديد ، فاشتعلت المظاهرات .. ثم حل الرئيس الاتحاد الاشتراكي ، واعفى كبار قادة الجيش ، ثم واجه اضراب القضاة في مايو 1983 باعلان القوانين الاسلامية في سبتمبر 1983 . حين رجع النظام الى النقطة التي بدا منها في الواقع السوداني ، نقطة الدستور الإسلامي ، والقوانين الإسلامية ، أخذ الجمهوريون في المعارضة ، بالصورة التي يعلمها الناس حتى حدثت المحاكمة ، والاعتقالات ، والتنفيذ للاعدام .. الذي تكون بسببه التجمع الوطني الديمقراطي واشتعلت المعارضة ، وسقط النظام بعد 76 يوماً فقط !! المهم هنا ، هو حديث الأستاذ محمود في يومية التحري ، والذي قرأ في المحكمة، حيث أكد ان الجمهوريين لا زالوا مع مايو بمعنى تاييد المبادئ ، وان الحكومة قد انحرفت عن مسارمبادئ ثورة مايو ، وسنظل نحن مع تلك المبادئ ، التي رفعناها حتى قبل قيام ثورة مايو، لأنها في رأينا السبيل في المرحلة لتوعية الشعب ..
هذا هو موقف الجمهوريين من مايو، فهل يستطيع وقيع الله ، تشويهه باستجداء عواطف الأنصار، وظنه بأنه يستعديهم على الجمهوريين، بقوله (ما هو السلاح الذي استخدم ضد الانصار ولم يعترض محمود على استخدامه بل اقره ووافق عليه وبدا كانه يحرض على المزيد منه .... انه ليس سوى سلاح الطيران الرهيب الذي اجتلب من الخارج وتم به حصد الالوف المؤلفة من جماهير الانصار الاطهار ...) ؟! فاذا كان وقيع الله ، صادقاً في تأثره لضرب الجزيرة أبا ، فلماذا لم يعترض على تنظيمه حين صالح نميري ، ودخل في حكومته ، بعد كل ما جرى للأنصار؟! بل دخل في الحكومة بعد حرب عام 1976م ، التي قتل فيها اعداداً من اعضاء الاتجاه الإسلامي ، في مجزرة دار الهاتف ،وصالح الترابي النظام ، وعين فيه ، قبل أن تمحى دماء أعضاء تنظيمه ، من حائط دار الهاتف ؟! هل منع وقيع الله دخول الترابي في النظام الذي قتل الانصار والاخوان المسلمين ، من أن يخرج كتاباً يدافع فيه عن سقطاته ؟! أم أنها المزايدة التي لا علاقة لها بالصدق والحق ؟!

خاتمة


أما بعد ، فلقد يلاحظ القراء الكرام ، أنني نأيت بجانبي صفحاً ، وأعرضت عمداً ، عن مجاراة وقيع الله في مهاتراته .. ولكنني رغم ذلك ، واجهته بعبارات ، وحقائق مؤلمة ، ما كنت فيها من المتكلفين، وإنما أرجو أن أكون مترسماً التوجيه الإلهي ( وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً ) .. ولم تكن حالة وقيع الله غريبة ، وإنما هي حالة نمطية ، لمئات الإسلاميين ، الذي كنا نحاورهم ، حين كنا طلاباً في جامعة الخرطوم ، وكانوا يتهجمون على الفكرة الجمهورية ، دون أن يطلعوا عليها ، أو يقفوا عند تفاصيلها .. ولكن الغريب في أمر وقيع الله ، انه يحمل شهادة ماجستير، وشهادة دكتوراه في الدراسات الصينية ، ويقوم الآن بتدريس الدراسات الإسلامية في جامعة أمريكية ، ولم يسعفه كل ذلك ، ليتجاوز، ولو قليلاً، مستوى طلاب الاتجاه الإسلامي في الجامعات !!
ومع ذلك ، فاني لا أحقد على وقيع الله ، وأتمنى أن يوفقه الله ، ليجتهد في فهم الفكرة الجمهورية ، وربما كان الاجتهاد المطلوب منه ، هو مجرد الصبر عليها .. فمن يدري ؟ فقد يتضح له حقها ، مثلما اتضح له باطل الترابي ، الذي ما كان يظن ، حين دافع عنه ، انه سيأتي عليه زمان ، يتهمه فيه ، بالخروج من الدين !!

المصدر: الصحافة 3/12/2006