إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

النيل أبو قرون يكذب ويتحرى الكذب!!

د. بتول مختار


١١ يونيو ٢٠٢٢

بسم الله الرحمن الرحيم
(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ)
د. بتول مختار محمد طه


بعد أن انكشف أمر السلفيين في مؤامرة اغتيالهم للأستاذ محمود محمد طه، أصبحوا في مأزق!! وأخذوا يتخبطون ويكذبون ليخرجوا أنفسهم من الجريمة.. مثلاً لهؤلاء، النيل أبوقرون، ففي لقاءٍ تلفزيوني معه، سأله مقدم البرنامج:
هل كانت محاكمة الأستاذ محمود خطأ؟ كان رده: الأستاذ أدخل نفسه في مسئولية المنشور السياسي الذي وجّه نميري بمحاكمة ناشريه.. وهذا يعني انه -أبوقرون- وافق على المحاكمة السياسية.. وقال المحاكمة تحولت إلى محكمة ردة، والتي يرفضها هو مبدئياً، مستدلاً بالآية الكريمة: "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ".. ولم يجب على سؤال مقدم البرنامج، عن هل كانت المحكمة خطأ؟! وهو لا يوافق على محاكمة الأفكار في الإسلام.
أولاً: محاكمة الأستاذ كانت نيِّتها الحقيقية هي الردة، بنية التصفية الجسدية للخلاص من الأستاذ محمود، الذي كان يقف عقبة كؤود أمام قوانينهم التي لا أساس لها في الدين، و أبوقرون من مهندسي هذه المحكمة، وهو يعلم أنها محكمة ردة، وسار فيها محرضاً لنميري، وقد كتب نميري الوثيقة الأولى، من الوثائق التي وجدت في القصر بعد الانتفاضة، ما نصه:
(الأخ عوض، النيَّل، والأخت بدرية سلام الله عليكم
آخر هوس الأخوان الجمهوريين هذا المكتوب الذي أرى بين سطوره "الردة بعينها" أرجو الاطلاع ومعكم الأخ بابكر سأجتمع بكم للتشاور في الأمر إن شاء الله بعد أن تكونوا على استعداد
أخوكم في الله جعفر محمد نميري 8 جمادى الأولى سنة 1304 هجرية)

{نميري أخطأ في كتابة " إن شاء الله" كما أخطأ في التاريخ الهجري أيضاً فظهر كأن خطاب نميري في عام 1304 هجرية، و أن رد السيد عبدَ القادر كان بعد مائة سنة!!!}
ثم جاءت الوثيقة الثانية من النيل أبوقرون، للإعداد والسير في المحكمة التي هي الردة:
كتب النيل أبو قرون لنميري:
(الأخ الرئيس القائد - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المنشور المرفق وزَّعه الجمهوريون وقد قبض على ستة منهم وتم التحقيق معهم وسوف يُقدمون للمحاكم. وبهذا فقد أتاحوا لنا فرصة تاريخية لمحاكمتهم.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. ولا شك أنها بداية لمسيرة ظافرة بإذن الله يتساقط دون هدفها كل مندس باسم الدين وكل خوَّان كفور. ولله الأمر من قبل ومن بعد. وفَّقكم الله لقيادة المسيرة الظافرة وأقام نهج الله على آثار المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن سار بسيرهم ومنهجهم إنه سميع مجيب الدعاء.
النيَّل عبد القادر أبو قرون 6 ربيع ثان 1405..)..

هذا عمل مدبر مع سبق الإصرار والترصد، (أتاحوا لنا فرصة تاريخية لمحاكمتهم).. خطاب أبوقرون تشجيع واضح لنميري، والحديث في الخطاب عن (الكُفر) ولا شيء عن السياسة، كما زعم النيل في اللقاء التلفزيوني..
المنشور الذي أصدره الجمهوريون بعنوان (هذا أو الطوفان)، ليس عن السياسة بمعزل عن الدين، وقد أدان المنشور القوانين التي سميت إسلامية.. ولبعدها عن الدين أسماها الأستاذ محمود (قوانين سبتمبر 1983)..نجتزئ من المنشور ما يلي: (وجاءت قوانين سبتمبر 1983 ، فشوهت الإسلام في نظر الأذكياء من شعبنا ، وفي نظر العالم ، وأساءت إلى سمعة البلاد.. فهذه القوانين مخالفة للشريعة، ومخالفة للدين، ومن ذلك أنها أباحت قطع يد السارق من المال العام، مع أنه في الشريعة، يعزر ولا يُحد لقيام شبهة مشاركته في هذا المال.. بل إن هذه القوانين الجائرة أضافت إلى الحد عقوبة السجن، وعقوبة الغرامة، مما يخالف حكمة هذه الشريعة ونصوصها.. هذه القوانين قد أذلت هذا الشعب، وأهانته، فلم يجد على يديها سوى السيف، والسوط، وهو شعب حقيق بكل صور الإكرام، والإعزاز.. ثم إن تشاريع الحدود والقصاص لا تقوم إلا على أرضية من التربية الفردية ومن العدالة الاجتماعية، وهي أرضية غير محققة اليوم..)..
ومما يؤكد تورط أبوقرون في المؤامرة ما ورد في اليوتيوب من شهادة د. عبد السلام صالح عيسى، الذي كان وزيراً للصحة في ذلك الوقت.. وهو قد كان مستاءً ومعارضاً لحكم نميري على الأستاذ محمود.. ورد في شهادته التي سجلت في يوم 6 يناير 2019: قال أنه عندما علم من زوجة نميري أنه مجتمع الآن، مع جمع يؤيدون الحكم، أسرع إلى منزل نميري في القيادة العامة، ودخل من الباب الخلفي.. وعرف من السكرتيرة أنهم أيَّدوا الحكم، ودخل عليهم وهم يستعدون للتسجيل التلفزيوني.. أنا عارف أنت جيت ليه، وأخذ نميري يتحدث معه في أشياء مختلفة، وتدخل أبوقرون ليوقف الكلام، وقال لنميري: دع هذا فأنت في حالة جهاد!! قال عبد السلام عندما قال أبوقرون تلك العبارة، رمقته بنظرة حادة وانصرف ولم يحضر التسجيل.. وكلمة (جهاد) هذه، كلمة مرتبطة بجهاد القتل في الشريعة..
أما إيراد أبوقرون للآية: "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"، ليقول أنه لا يقبل حكم الردة، فالمعلومات التي وردت أعلاه، تدل على كذبه وتهربه من الجريمة!! والآية التي استدل بها أبوقرون، أساساً، لا علاقة لأي سلفي بها!! لأنها من الآيات التي نسختها آية الجهاد -آية السيف- (فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلْأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍۢ ۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).. والآية التي استدل بها أبوقرون، من المرتكزات التي وضعها الأستاذ محمود، ليُرفع النسخ منها، وتقوم عليها الدعوة للإسلام بالإسماح، ولا يحتكم إليها إلا من كان جمهورياً..
قبل أن يعلن نميري تلك القوانين الشرعية، زار أبوقرون مرافقاً لعبد العزيز شدو، رحمه الله، وآخرون الأستاذ محمود في منزله بالثورة.. أنا أذكر ذلك اليوم جيداً، وأذكر أبوقرون (بضفايره) وتناولوا وجبة الغداء مع الأستاذ محمود.. ولكن (أبوقرون) تنكر لذلك اليوم وتآمر على حياة الأستاذ محمود.. هكذا دائما روح الغدر والخيانة عند السلفيين قوى الهوس الديني، يلتحفون بالدين، بلا دين!!

ولكن إن الله يمهل ولا يهمل!! فدارت الدائرة، واجتمع فقهاء السوء، من شاكلته، وكفّروا (أبوقرون)، وحكموا عليه واستتابوه، وتاب لهم، وطار إلى السعودية، ولم يقف موقف الرجال الذي وقفه الأستاذ محمود، فلم يركع لعلماء السوء، وارتفع الأستاذ بتلك الإبتسامة، التي أصبحت شعلة تتقد في الشعوب، وتدفعهم إلى دحر الطغيان.. وقد قام شباب السودان في ثورة ديسمبر المجيدة يطالبون بـ (الحرية والسلام والعدالة).
** الوثائق الواردة في المقال، جميعها منسوخة إلكترونيا من الأصل، وموجودة في كتاب الجمهوريين (الوثائق تكشف التآمر الجنائي) الكتاب متوفر على موقع الفكرة الجمهورية: ‏www.alfikra.org
و لنا عودة