إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

قصائد تمجد الموقف

موقع الفكرة


قصائد كتبها بعض الشعراء لتمجيد مواقف الأستاذ محمود محمد طه

هو وحده والحبل
للأستاذ عوض الكريم موسى




أنقر هنا لتستمع الى القصيدة بصوت عوض الكريم موسى
(من احتفال الذكرى الأولى لاستشهاد الأستاذ بنادي أساتذة جامعة الخرطوم - يناير 1986)


    هو وحده ولا نصير إلاّ الله وحده
    ووراء حبل الموت حبل الله وحده
    حبل بغرزه مستمسك هو وحده
    حبل من الرحمن مد للعبد العزيز وحده
    والحبل يطوى بعده
    قد كان عبدا طول وقته
    فكان عبدا عند موته

    الموت عنده الميلاد فى كون جديد
    ميلاد إنسان جديد
    وكان كله بالله
    حياته مثواه .. وكل وقته لله
    فكان كل وقته شهيد
    والعبد فرضه الرضا بالله
    بكل ما يسوقه إليه ربه المريد
    يفضى به الرضا إلى الفرح
    إلى الأمان عند ركنه الشديد
    محض اغتيال .. لكنه يرضى بما يريده رب العبيد
    فإنما الإسلام تسليم الى رب العبيد
    وتلك كانت دعوته ، طريقته ، طريقة النبى
    طريقة الطرق فى مفرق الطرق
    طريقة الخلاص للإنسان من رق العبيد

    فأين هم من عيشه وموته؟!
    أنى لهم حياة لحظة من وقته؟!
    من زاده القليل ، ونومه القليل ، وكدحه الجليل
    راض بطين بيته
    بكل خشن من فراشه وقوته
    بكسرة رضية من مائه وزيته
    يقوم آخر القوم لها
    فى الأرض فى جماعة الزهاد حولها
    يلملم الفتات منها لا ينال إلا فضلها
    وتلك كانت عنده دنياه كلها

    وماله من أى شىء أى زوج
    جلبابه ، قميصه ، مركوبه ، عمامة ، طاقية ، وملفحة
    وركوة ، وفروة ، ومبخر ، ونفحة مروحة
    وحجرة صغيرة هى مكتبه ، هى مسجده ، هى مرقده
    ما روحتها قط مروحة
    فعنده المناخ داخلى
    والكون كله مرآة مشهد من الجمال داخلى
    وكل لحظة فى حضرة الفعل الإلهى جد مرضية وجد مفرحة

    وأعلنوا لقتله التأهب ، أقصى تدابير التأهب
    كأنها رحى حرب مداره
    كأنهم يجابهون جيشا غازيا أو غارة !!
    لا رجلا أعزل اليدين ، بل موثق اليدين ،
    إلا من رجولة الرجال والجسارة
    يا للخسارة .. يا للخسارة !!
    قد ضيعوا ميراثهم من الجدود فى نبل المروءة
    وضيعوا الحضارة

    والفارس المقدام
    يفضى لحارس مرافق فى ليلة الإعدام
    يوصيه بالإقدام: لا تخش إلاّ الله
    كأنما حارسه هو الذى يواجه الإعدام
    لا تخش إلاّ الله
    رقيقة الرقائق ، حقيقة الحقائق ، حصيلة الإسلام
    ويطمعون منه فى وريقة استرحام
    ويحسبون أن هامة الضرغام تعنو الى الرغام
    ومادروا بأن عنده استرحام أولاء الطغام
    أدنى إليه منه أن تحط الشمس فوق أرضهم
    أو أن تكلمهم أجنة الأرحام

    ويسألونه قبيل موعد الإعدام
    فهل لديك ما تقوله للقاضى ؟!!
    فناشهم بآخر السهام و أقتل السهام
    بقوله: وهل هناك قاضى ؟!!!
    وأجمل القضية
    فعنده القضاء لا يقوم فى دويلة
    خصومها المستضعفون
    حماتها - أخذلهم دعاة ، أنذلهم قضاة ، أرذلهم إمام
    وعنده القضاء كالضياء
    لا يعيش فى دويلة قد عشعشت فيها خفافيش الظلام
    وعنده الرحمن وحده قاضى القضاة وحاكم الحكام
    وعنده القلب السليم لا يساوم ولا يسام

    ويسألون عن وصية لآله
    لا يعلمون أن الله وحده كان الوصى فى مآله
    فقال: عشت بينهم ويعرفون ما أريد ..
    من غير أن يزيد !!
    ليس المقام للكلام ، وإنما للفعل والتجسيد

    مصفدا يساق من عرينه كقسورة
    والحمر حوله مستنفرة
    بروعها وأمنها وكيدها وجندها مسورة
    وفى رغام عارها معفرة
    كأنه العريس إذ يزف فى الضحى
    والقيد فى يديه إسورة
    حجل على قدميه وهو يبطىء الخطى المظفرة
    وقال من شواهق الإباء: فكوا يدى من أسرها ،
    حتى أحيي الشعب وهو صابر على إساره
    كأنه مودع وعائد
    ما فل ظل الموت من مساره
    وقد أبوا عليه هذه التحية الشماء
    ليمسحوا ، بظنهم ، ما يترك الإباء من آثاره
    وما دروا بأن كل شبر فى دياره
    يموج بالجليل من أخباره

    ويخلع النعلين عند سفح المشنقة
    كأنها المصلى ، وهو يصعد الخطى الموثقة الواثقة
    كأنه المحب فى لقاء محبوب مهاجر يرنو لأن يعانقه
    ويكشف الغطاء عن بوارق ابتسامة
    عن أنضر ابتسامــة
    عن أجسر ابتسامــة
    كالشمس لم تخامرها غمامة
    برهانه على اليقين والصمامة
    رسالة الى الأحرار بالخلاص المرتجى
    حرب على الفجار فهى فى حلوقهم شجى
    وفى عيونهم قذى وفى صدورهم لظى
    فقد أبى أن يعطى الدنية فى دينه من نفسه الأبية
    لله وحده أعطى زمامه
    أقام دينه أوفى تمامه
    تبت يداهم يقتلون فى الضحى السلام
    والغصن والحمامة
    وحوله هتافهم كجوفهم مباءة المساءة
    قاماتهم قماءة ، وجوههم دمامة
    أليسوا الساقطين فى شر الفتن ؟
    البائعين الدين ، والمبايعين التالف المتلاف
    بيعة الإمـامــة

    إمامهم يطرز الصدور من تحت اللحى بأوسمة
    بوسمة كفحمة الدجى على وجوههم مقسمة
    منسوبة الى الشرف ، وما دروا بأنها عدم الشرف
    معرة الأبد لمن سلف ومن خلف
    تصحبهم كظلهم مجسـمـة
    يزيفون شرع الله ممسكين مرجفين
    يطوعون بعض شرع الله وفق أغراض السياسة
    يعطلون بعض شرع الله حيثما تملى ضرورة السياسة
    يحرفون شرع الله كيفما تضطرهم مصالح السياسة
    يعارضون من يدعو الى التجديد بالتوحيد
    تدفعهم خصومة السـياسـة
    الدين صار سلطة من حكرهم
    يطوعونه لنكرهم ومكرهم
    ليسوا دعــاة ديـن
    ليسوا مجـاهـدين
    شراكة من المرابحين والمضاربين
    وبعض سـاســة

    وقالوا: غيبوا عن العيون مدفنه
    ونكروا عليهم موطنه
    يخشونه حيا بظنهم وميتا
    وما دروا بأن الأرض - كل الأرض - صارت محضنه
    وما دروا بأن صوته يمتد فى فجاجها الفساح صيتا
    وأنه يعيش فوق ما قد عاش
    والهيكل الشريف يبنى فى هياكل الأحرار
    يسبرون غوره ويخبرون معدنه
    وأنه يشيد فى شواهق العقول والقلوب مسكنه

    وما دروا بأنه أوصى وصية قديمة
    أن يدفنوه فى ثيابه القديمة
    وأن يكون قبره بلا علامة
    فموته على الإباء وحده العلامة
    ولا يقام مأتم له
    ما دامت الثورات فى فجاج الأرض أعراس مقامة
    فكان يدرى أنه شهيد
    يموت فى فداء شعبه شهيد
    يمضى لسر ربه من بعد أن يطيب الثرى بطيب الإقامة

    وقالوا: أحرقوا الكتب !!
    وما دروا بأن البسمة الشماء فى عناق الحبل كانت الكتاب
    كانت هناك أوله وآخره وأكبره
    منصة الإعدام كانت منبره
    والحبل للخلود معبره

    وقالوا: صادروا العقار
    ويحسبونه كواحد من القصور يسكنونها على الضفاف
    يفيض بالكثير من رافه وفاره ومن وثير
    وما دروا بأنه ماكان يملك الكفاف
    لكنه فى الحق كان يملك الكثير
    جسارة الفكر الذى يثور فى مجاهل المثير
    صمامة القلب الذى يخافه الردى ولا يخاف

    وزلزل الشهيد أرضهم مرارا
    أعطاهم بكل عام من عمار عمره
    يوما وحيدا من خراب عهدهم
    وأشعل الشرارة
    وجاء مارس التغيير يلفيهم على مضاجع الغرارة
    المستشار والمشير والإشارة
    هذا يقرر الخيانة ، وهذا صايغ قراره

    إمامه يأوى الى ديارنا المناضلين
    لكى يرحل اليهود فى ديارهم مستوطنين
    يقول فى إمامه بملء فيه ، ولا يمل القول فيه:
    إمام كل المؤمنين ، مهدي قرننا العشرين
    مجدد الدين الذى له ندين
    من أجله تنظيمنا محلول
    نذوب فيه .. نهيم فيه
    عدونا عدوه ونصطفى من يصطفيه
    وإننى صفيه ، وفيه ، مفتيه
    بايعته فى منشطى ومكرهى ألا أنازعه ولا أعصيه
    زودنى الأخ الرئيس بالتوجيه
    حملنى رسالة الى أخيه
    كلفنى بأخطر المهام ، ونبهنى وكرر التنبيه
    أليس يشبه النبى ؟!!
    ما كاد يدعوهم الى الهدى حتى تسارعوا بالطعن فيه
    أليس يشبه النبى ، حينما أراق الخمر فى المدينة وحد شاربيه ؟!!
    بايعته !! بايعته!! فى منشطى ومكرهى
    مجاهدا وراءه أفديه
    ما دام رافعا حد الحرابة على معارضى أو معارضيه
    هذا معارض زنديق !! هذا معارض مرتد !!
    هذا معارض يجادل الإمام فى بيوت الله !!
    السجن لا يكفيه
    لا بد من إلهاب ظهره حتى يصير عبرة لمقتفيه
    ما أضيع الأسلام ، وكائدوه من ذويه ؟!!!
    ما أضيع السودان ، وخائنوه من بنيه ؟!!!

    ويكتب الشهيد آخر الوصية
    على منصة الإعدام يكتب الوصية
    وصية الى الأحرار أن يساهروا على الحرية
    وأن يزودوا عن حياضها تلك الفلول الناعقة
    حتى يروا ما قد بنوه ريبة ينهد فوقهم كصاعقة
    فلا يمدوا مدية الجزار صوب أيدى البائسين
    أيديهم هم هى التى امتدت لقوت الشعب سارقة
    لا يلهبوا بدرة الإذلال ظهر البائسين
    ظهورهم هم هى التى تنوء بالأوزار وهى عن حياض الدين مارقة
    لا ينصبوا مشانق الإرهاب للأحرار والمناضلين
    أرقابهم هم هى التى فى آسنات الإفك غارقة
    ولا يلاحقوا مستضعفاتهم من النساء
    جيوبهم هم هى التى ربت من الربا
    وقد أحلوا كل تلك المفضحات الساحقة ، الماحقة

    على منصة الإعدام يكتب الوصية
    وصية الى الأحرار أن يساهروا على الحرية
    وأن يكون الدين دربهم الى الحرية
    وأن يكون الخبز زادهم الى الحرية
    وأن يكون قوتهم حرية ووقتهم حرية
    وعشقهم ومقتهم حرية
    وعيشهم وموتهم حرية
    فمن يولى دبره مصارع الحرية
    عيشته دنية ، ميتته دنية
    وصية موثقة
    منسوجة صدقا وحقا من حبال المشنقة
    وصية أخيرة
    فلترفعوا فى وجههم صلابة المداومة
    على جسارة المقاومة
    بلا مسـاومـة
    فلا مسـاومـة