إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

عقيدة المسلمين اليوم!!

بسم الله الرحمن الرحيم
(شهد الله أنّه لا إله الا هو، والملائكة، وأولو العلم، قائماً بالقسط .. لا إله الا هو العزيز الحكيم) ..
صدق الله العظيم ..


المقدمة:


هذا كتاب نصدره عن العقيدة – عقيدة التوحيد .. وعقيدة التوحيد هي أصل الدين، فالدين انّما يقوم على التصديق اولاً – على الايمان، ثم العمل الصالح .. وهذا هو السر في الرّبط بين الايمان والعمل الصالح في القرآن .. فنحن كثيراً ما نجد في القرآن الآيات التي تتحدث عن (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) .. فالايمان والعمل الصالح متلازمان، لا يقوم أحدهما الا بقيام الآخر .. فلا سبيل الى العمل الصالح، الا سبيل العقيدة الصالحة .. ولا سبيل الى تنمية العقيدة، والترقي في مراقيها الا سبيل العمل الصالح .. وإذا غاب العمل الصالح، كما هو الحال عند المسلمين اليوم، فان ذلك انّما هو في المقام الاول بسبب غياب العقيدة الصالحة .. فالمسلمون اليوم هم في التيه، وقد انبهمت عليهم السبل، وضلّ سعيهم في الحياة الدنيا، وقد أصبحوا وهم تحتوشهم المشاكل، وتتقاطر عليهم الازمات، وهي تأخذ برقاب بعضها البعض .. ولا خلاص لهم ممّا تردّوا فيه، الا بالعودة الى الله، وبعث دينه فيهم، ثم في الانسانية جمعاء .. .. فالمسلمون، على ما هم عليه من التردي، والهوان، انّما هم اصحاب رسالة قد كتب الله على نفسه الا ينجي الانسانية بمفازتها الا بها .. وتلك هي رسالة الاسلام – رسالة السلام التي أصبحت البشرية في كلّ بقاع الارض، تحتاجها، حاجة حياة، أو موت .. فالمسلمون عامّة، والعرب منهم خاصّة، هم ورثة المصحف، الذي هو دستور المدنية الجديدة، التي لا سبيل للانسانية المعاصرة للخروج من التيه الذي هم فيه اليوم الا بها.
وعودة المسلمين الى بعث دينهم، تقتضي، اولاً، ان يصّححوا ما فسد من عقائدهم، حتى يقوم العمل على التصّور السليم، ويتجه الوجهة الصحيحة، فتكون له فعاليته في التغيير – تغيير النفوس .. فانّ التغيير المنشود لا يكون الا بتغيير النفوس، بتقديم الفكر، واصلاح فساد القيم: (انّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) ..
فلأحداث التغيير لابد من بعث (لا إله الا الله) قوية خلاقة ، في صدور الرجال والنساء .. فلا إله الا الله هي شعار ثورة التغيير، وهي قد كانت شعار ثورة التغيير، في جميع الثورات التي تمت عن طريق الدين، ولن تنفك .. و (لا إله الا الله) هي كلمة التوحيد، واصل العقيدة، وهي شعار حرية، بها يتحّرر الانسان من الخوف، ومن الجهل، ومن ربقة المادية السائدة اليوم .. وبعث (لا إله الا الله) يقتضي اصلاح ما فسد من عقيدة المسلمين اليوم، وهذا ما نحن بصدده في هذا الكتاب .. ولاصلاح فساد العقيدة لابد من مراعاة عدة اعتبارات اساسية .. وأولى هذه الاعتبارات التي لابد من مراعاتها انّ وظيفة العقيدة هي ان تعين، مع العبادة، على تحقيق الصلة بالغيب – الصلة بالله .. بالصورة التي تعين على أخذ المعرفة عنه تعالى، بما يجدد الحياة، ويؤدي الى تحقيق الكمالات البشرية عن طريق تجويد التوحيد .. وثاني الاعتبارات التي يجب مراعاتها انّ العقيدة ليست مستوى وأحدا، وانما هي مستويات متفاوتة، ومختلفة، باختلاف الازمنة والامكنة حسب حكم الوقت في استعداد الناس للتلقي من الغيب .. ومّما يعين على تصور تفاوت العقيدة ، إدراك انّ جميع الانبياء من لدن آدم، والى نبينا محمد، عليه أفضل الصلاة واتم التسليم ، قد جاءوا (بلا إله الا الله)، والى ذلك الاشارة بقول المعصوم: (خير ما جئت به، أنا، والنبيون من قبلي، لا إله الا الله) .. (فلا إله الا الله)، هي كلمة التوحيد، وهي أصل العقيدة .. وهي وأحدة في مبناها، الا أنّها تختلف، اختلافاً كبيراً، في معناها .. فهي تختلف من نبي الى نبي، ومن امّة الى امّة، حسب مستويات التحقيق، وحسب حكم الوقت الذي يحكم هذا التحقيق .. والى هذا الاختلاف في مستويات التحقيق، تشير الآية الكريمة التي صدرنا بها هذا الكتاب، وهي قوله تعالى: (شهد الله انّه لا إله إلا هو، والملائكة، وأولو العلم، قائماً بالقسط .. لا إله الا هو العزيز الحكيم) فالله تعالى شهد لذاته بذاته، وهذه شهادة في الاطلاق، ثم شهد الملائكة في السماوات، وفي الارض .. ثم شهد أولو العلم في الارض .. وكل هذه مستويات متفاوتة من الشهادة .. فبداية الشهادة عندنا في الارض، وقمّتها عند الله في اطلاقه .. والتطّور في العقيدة يبدأ من هذه البداية البسيطة، في شهادة (لا إله الا الله، محمد رسول الله) ثم في شهادة (لا إله الا الله) ثم يتطور السالك يطلب ان يشهد لله بالألوهية المتفّردة، كما شهد هو لذاته بذاته، وهيهات!! هيهات!! فالتطّور في العقيدة هو حركة لها بداية، وليست لها نهاية – هو حركة سرمدية .. وكل تحقيق في العقيدة، مهما تسامى، هو تحقيق نسبي، وهو إذا ما قورن بشهادة الله لذاته بذاته لا يعدو أن يكون جهلاً، عنه يتعالى الله علواً كبيراً (فأعلم العلماء بجانب الله أحمق من بعير)، كما قال المعصوم ..
ومن الاعتبارات التي يجب مراعاتها ايضاً، انّ القرآن يسوق معانيه مثاني .. معنى قريباً ومعنى بعيداً .. فمن فهم المعنى القريب، وغاب عنه المعنى البعيد، فما فهم القرآن .. ومن فهم المعنى البعيد ، وغاب عنه المعنى القريب ، فما فهم القرآن ، وانما يفهم القرآن من يرى المعنيين، في اللحظة الواحدة. والى مثاني القرآن تشير الآية الكريمة: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً، مثاني، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم، وقلوبهم، الى ذكر الله، ذلك هدى الله، يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد!!) .. فالقرآن جميعه مثاني، كل آية منه، بل وكل كلمة وكل حرف .. وذلك لأنه خطاب من الرب الى العبد، فيه المستوى الذي عند الرب، في عليائه، وفيه المستوى الذي تنزل الى ما يطيقه العبد من الادراك .. وما تحدثنا عنه من شهادة الله لذاته بذاته، ومن تنزل هذه الشهادة الى اولي العلم، في الأرض، يعطي صورة لمثاني القرآن.
وقد جعلت العقيدة اساسها العمل، ومدخلاً للعلم بالله .. وكلما زاد العلم بالله، استقامت العقيدة، وتحددت بصورة ادق ثم انفتحت مجالات جديدة في الاعتقاد ..فالايمان هو دائماً مقدمة للعلم، ولن ينفك .. فالسالك، السائر الى الله هو دائماً بين ايمان وعلم .. فهو كلّما حقق مستوى جديداً من العلم، انفتحت امامه آفاق جديدة لا يسعها الا الايمان ..