إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

عقيدة المسلمين اليوم!!

الفصل الاول
العقيدة في مستوى الشريعة



فساد العقيدة عند المسلمين اليوم


لقد بينّا في المقدمة ان العقيدة تقع في مستويين، مستوى الاصول – مستوى السنة .. ومستوى الفروع – مستوى الشريعة .. وقد بينّا مراحل كل من المستويين، وأشرنا الى حديث جبريل الذي حدّد العقيدة في مستوى الشريعة – مستوى أمة المؤمنين، وهي تتلخص في الايمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره .. وذكرنا ان الايمان انمّا ينعكس على السلوك .. وأوردنا حديث المعصوم الذي يقول فيه: (الايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل)، وإذا نظرنا الى حال المسلمين اليوم والى سلوكهم، وعملهم، نجد انهم قد فسدت عقيدتهم، وبعدوا عن الايمان، وقيمه، بصورة كبيرة .. وبالطبع فأن المسلمين اليوم لم يرتدوا الى عبادة الاصنام، فان عهد عبادة الاصنام الحسية قد مضى، بفضل الله، علينا وعلى الناس، الى غير رجعة .. كما ان مفارقة المسلمين للعقيدة، لا تعني ان الايمان قد انعدم تماماً، فأن الايمان لا ينعدم تماماً حتى من الكفّار، وذلك لان الحقيقة مركوزة في قلب كل انسان، وأن جميع الناس قد شهدوا في عالم الارواح، لله بالربوبية .. فالكفر هو حجب، وتغطية للشهادة لله بالربوبية من ان تنعكس من القلوب على العقول، فتؤثر على السلوك والاخلاق .. فالكفار قد كانوا قليلي الايمان، فذلك حكم عليهم بما هو غالب عليهم، فقال تعالى في حقهم: (بل لعنهم الله بكفرهم، فقليلاً ما يؤمنون) .. وقال تعالى: (ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلاً) ولذلك فان العقيدة امر نسبي فهي تأخذ مواقعها حسب حكم الوقت. وما نعنيه هنا بفساد عقيدة المسلمين اليوم، هو بالنسبة لما هو مطلوب منهم في مستوى الشريعة وهذا الفساد تدل عليه أحوالهم وأفعالهم وقيمهم، كما تدل عليه أقوالهم ..
فالمسلمون اليوم، في جميع أصقاع الارض، هم على حالة كبيرة من التخلّف، والهوان، والمذلة، والله تعالى يقول: (ولله العزة، ولرسوله، وللمؤمنين) فمكان المؤمنين هو العزّة، فاذا أصبحوا ذليلين، كما هو الحال اليوم، فذلك انمّا لأنهم، فارقوا شرط العزة وهو الايمان .. فالمسلمون اليوم مستضعفون، تبّع لغيرهم، مهزومون من اعدائهم، فهم في افغانستان مثلاً، يحتل الشيوعيون ارضهم، وهم قد ظلوا في صراعهم الطويل مع اليهود في حالة هزيمة مستمرة من قبل اليهود، والله تعالى يقول: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) .. وهو تعالى قد قال: (وكان حقّاً علينا نصر المؤمنين) وقال: (ان تنصروا الله ينصركم، ويثبّت أقدامكم) .. ووعد الله حق، وهو لا يخلف وعده فاذا أصبح المسلمون في حالة هزيمة دائمة من اعدائهم، فذلك لأنهم فارقوا الايمان، وهم لن ينتصروا الا إذا عادوا الى الايمان وصحّحوا عقيدتهم، فنصروا الله في أنفسهم ..
وقد أنذر النبي الكريم، بأن المسلمين سينصلون من دينهم وسيفارقون قيمه وعقيدته .. وممّا قاله في هذا الصدد: (يوشك ان تداعى عليكم الامم كتداعي الاكلة على القصعة!! قالوا: أومن قلّة نحن يومئذ يا رسول الله؟؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير! ولكنكم غثاء كغثاء السيل، لا يبالي الله بكم!!) .. وقد أدركت هذه النذارة المسلمين منذ حين، فأصبحوا غثاء لا وزن لهم، يعيشون على هامش الحياة، لا يصنعون الأحداث، ولا يؤثرون فيها .. فخفّة الوزن عند المسلمين دليل على غياب التوحيد، وفساد العقيدة، فقد ورد عن المعصوم قوله: (مثقال ذرّة من لا إله الا الله أثقل من جبل أحد) .. فانمّا خف وزن المسلمين اليوم لخلو قلوبهم من عقيدة التوحيد الصحيحة .. فلا إله الا الله، قد أصبحت تقال من الحناجر، دون ان يكون لها تاثير على حياتهم وسلوكهم .. وأحاديث النذارة التي تنطبق على حالة المسلمين اليوم، وتدلّل على مفارقتهم لعقيدة التوحيد، أحاديث كثيرة، ولكننا نكتفي منها بهذا القدر ..
وإذا نظرنا في اوضاع المسلمين اليوم، في جميع بقاع الارض، فيما يتعلّق بنظمهم الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وانظمة الحكم في دولهم، وسلوكهم الفردي، إذا نظرنا في كل ذلك، نجد انّ حياة المسلمين اليوم، لا توجهها قيم الاسلام، وانّما توجهها قيم الحضارة الغربية المادية، السائدة اليوم، والله تعالى يقول: (فان تنازعتم في شئ فردّوه الى الله، والرسول، ان كنتم تؤمنون بالله، واليوم الآخر !!) ..‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

سلوك المسلمين اليوم هو تجسيد لفساد العقيدة عندهم


انّ العقيدة، كما ذكرنا، تنعكس على القيم والسلوك .. وقد جعل المعصوم الدين كلّه في المعاملة والاخلاق فهو قد قال: (الدين المعاملة) .. وقال: (انّما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق) وقال عن الايمان كما ذكرنا (الايمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل) .. فالاخلاق والمعاملة هي اذن محك التديّن، ومقياس صحّة العقيدة، او فسادها .. ونحن إذا نظرنا في معاملات المسلمين، واخلاقهم اليوم، نجد انّها بعيدة كل البعد عن قيم الدين، واخلاق الدين .. فهم تقوم علائقهم فيما بينهم على العداوة، بل وعلى الحروب الدامية التي لا تكاد تهدأ .. وهم في تعاملهم لا يراعون جانب الله، وانّما يحكم تعاملهم التنافس على الدنيا وقيمها المادية، وقد استشرى بينهم الفساد، في جميع صوره، واتبعوا الشهوات، وساد الكذب، والغش ،والربا، واكل اموال الناس بالباطل، الى آخر هذه الصور من الفساد، المنتشر بين المسلمين اليوم .. والنبي الكريم يقول: (لا تزال لا إله الا الله تدفع عن العباد سخط الله، ما لم يبالوا ما نقص من دنياهم، فان هم فعلوا، ثم قالوها، قال الله، كذبتم لستم بها صادقين!!) .. فمن من المسلمين اليوم لا يبالي ما نقص من دنياه؟! بل من من المسلمين اليوم لا يطمع في دنيا الآخرين؟! انّنا إذا طبّقنا هذا المقياس على حياة المسلمين اليوم، لا نرى الا انهم حين يقولون (لا إله الا الله)، يأتيهم الخطاب من قبل القدس: كذبتم لستم بها صادقين!!
ونحن إذا نظرنا الى اخلاق المسلمين اليوم، ثم رأينا كيف انّ مفارقة الخطيئة تذهب الايمان، لتبين لنا ما عليه حال المسلمين اليوم من خطر .. فقد ورد عن المعصوم قوله: (لا يزني الزاني، حين يزني، وهو مؤمن، ولا يسرق السارق، حين يسرق، وهو مؤمن، ولا يشرب شارب الخمر، حين يشرب، وهو مؤمن) .. وهو عندما سئل: هل يكذب المؤمن، قال: (لا يكذب) .. فاذا نظرنا الى هذه الأحاديث التي تتحدث عن الايمان، وربطناها بسلوك المسلمين اليوم لتبين لنا بعدهم البعيد عن قيم العقيدة .. فكم من المسلمين اليوم لا يمارس الكذب؟ والله تعالى يقول: (انّما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله واولئك هم الكاذبون!!) ..
وعلائق المسلمين اليوم كما أشرنا لا تقوم على المحبة والتوادد بل، على النقيض من ذلك، تقوم على العدواة والبغضاء والتنافس والتحاسد، والمعصوم يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ..
ونحن إذا حاولنا ان نتلّمس ايمان المسلمين بالآخرة، وبالقضاء والقدر، من خلال سلوكهم، لوجدنا انّ طغيان القيم المادية على حياتهم، وسعيهم الدءوب في جمع المال، بكل سبيل، مع التفريط في قيم الدين، يدل دلالة واضحة على ضعف الايمان .. وقد بلغ الامر بالمسلمين اليوم ان أصبحوا يأكلون الدنيا بالدين .. وأصبح تعليم الدين عندهم، وامامة الصلاة، والآذان لها، مهناً يقبضون عليها الاجر المادي، دون ان يشعروا بما هم عليه من مفارقة للدين .. هذا مع انّ الوصية القرآنية، التي تكاد تكون قد جاءت على ألسنة جميع الرسل، هي قوله تعالى: (ويا قومي لا اسألكم عليه مالاً، ان اجري الا على الله) .. فالله تعالى لا يقبل الاّ ما هو خالص له (الا لله الدين الخاص) .. وهو قد قال في الحديث القدسي: (انا أغنى الشركاء عن الشراكة، فمن أشرك بي شيئاً تركت نصيبي لشريكي) ورغم ذلك، فانّ الائمة اليوم وفي جميع المساجد، أصبحت صلاتهم، حرفة يقبضون عليها الاجر المادي، فأفسدوا بذلك صلاتهم، وصلاة من يأتمون بهم .. وعلى الرغم من انّ هذه مفارقة واضحة للدين، وبدعة لم يشهد لها الصدر الاول مثيلاً، الا انّها أصبحت اليوم عرف الناس المعروف .. وعامّة الناس اليوم يتخلّون عن مسئوليتهم الدينية، ولا يجدون حرجاً في التضحية بصلواتهم، باتباع هؤلاء الائمة المأجورين، مخالفين بذلك صريح التوجيه الالهي حيث قال تعالى: (اتبعوا من لا يسألكم اجراً وهم مهتدون) .. ومخالفين التوجيه النبوي، حيث قال المعصوم: (أئمتكم شفعاؤكم، فانظروا بمن تأتمون ..) .. وقد نهى المعصوم عن اخذ الاجر على الآذان، فقال لعثمان بن ابي العاص الثقفي: (اتخذ مؤذناً لا يأخذ على آذانه اجرة) .. ورغم ذلك فان المؤذنين عندنا اليوم، في جميع المساجد التابعة للدولة، يقبضون الاجرة على آذانهم ..
والمسلمون اليوم قد شغلتهم دنياهم عن الاستعداد للآخرة، بصورة أصبحوا معها، حتى وهم في مناسبات المآتم، لا يكادون يذكرون الموت ولا ينشغلون به .. ونحن إذا رأينا ما يصيب الناس من الجزع عند وقوع المصيبة وما يقومون به في مآتمهم من نياحة، ومن افعال تدل على السخط ، لاتضح لنا انّ الايمان بالقضاء والقدر يكاد يكون معدوماً عند المسلمين اليوم.
هذه مجرّد نماذج عامة لسلوك المسلمين اليوم، اوردناها في التدليل على فساد العقيدة عندهم، وهنالك العديد من النماذج الاخرى التي كان يمكن ايرادها، ولكن ما اوردناه يكفي ..
ولكن لتكتمل الصورة سنورد نماذج اخرى لفساد عقيدة المسلمين في النبي .. فالعقيدة في النبي هي اساس العقيدة التي ينبني عليها العمل، وهي المدخل على جميع مستويات العقيدة الاخرى .. فاذا فسدت العقيدة في النبي الكريم، حبط العمل، وفسد الدين كلّه .. ونحن سنورد النماذج التي نستدل بها على فساد العقيدة في النبي، من بعض من يزعمون انهم يدعون الى الدين ويعملون على بعثه .. مما يؤكد انّ فساد العقيدة ليس قاصراً على عامّة المسلمين، وانّما هو عند من يتصدون للدعوة للإسلام، والحديث عنه، بأكثر ممّا هو عند عامة المسلمين .. والنماذج التي سنوردها في هذا الصدد هي من الصادق المهدي، وحسن الترابي، وكلاهما يتحدث عن الاسلام، ويتزعم قبيلاً من الناس، يتوهم انّه يدعو الى الاسلام، ويعمل على بعثه!! ثم سنتناول فساد العقيدة في النبي، عند جماعة الوهابية، وجماعة الشيعة، وهما من الجماعات التي تتحدث عن الاسلام، والدعوة اليه.