إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

عقيدة المسلمين اليوم!!

الصادق المهدي


والصادق المهدي هو نموذج آخر لفساد العقيدة في النبي فهو في الوقت الذي بعد فيه الناس عن تقديس النبي، وتوقيره والادب معه، نجده يدعوهم الى عدم تقديس النبي، والى مراجعته بصورة تدل، دلالة واضحة على فساد عقيدة الصادق في النبي، وفساد عقيدته في القرآن، اذ ان العصمة في حق النبي واردة بنص القرآن، والطعن في عصمة النبي هو طعن في القرآن.
وحديث الصادق يطعن في عصمة النبي .. وقد جاء حديث الصادق الذي نحن بصدده في بحثه الذي اسماه: (الصحوة الإسلامية ومستقبل الدعوة) .. ومما جاء فيه قوله: (ولتدعيم النظرة التعبدية للإسلام، التمسوا صورة لرسول الله، ابعدته من الحكمة الربانية التي تؤكد بشريته وقربته من تصوير المسيحين لعيسى عليه السلام مع ان الامر واضح في القرآن: (قل انما انا بشر مثلكم يوحى الّيّ انما إلهكم إله وأحد) الآية .. وايضاً: (قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلّنا عليهم من السماء ملكا) .. والامر واضح من الحديث .. روت ام سلمة رضي الله عنها انه صلى الله عليه وسلم قال: (إني أقضي بينكم بالرأي فيما لم ينزل فيه وحي ..) انتهى .. فالصادق، يزعم ان المسلمين يقدسون النبي بصورة تبعده عن البشرية، وتقربهم الى تقديس المسيحيين لعيسى عليه السلام .. والصادق ينعى على المسلمين هذا التقديس، ويدعوهم الى تركه، ويذكرهم بان النبي بنص القرآن بشر، وانه بنص الحديث يقضي فيما ليس فيه وحي .. وزعم الصادق عن تقديس المسلمين للنبي، زعم باطل لا يملك عليه أي دليل ولذلك لم يورد عليه دليلاً في بحثه .. بل انّ الامر على عكس ما زعم الصادق، فالمسلمون مقّصرون، اشد التقصير، في تقديس النبي، وفي توقيره، وفي حفظ الادب معه، ويكفي في التدليل على ذلك ما أوردناه عن الترابي وما سنورده عن الصادق، وعن الجماعات الاخرى التي سنتناولها بعد قليل .. وما من أحد من المسلمين الا ويعلم انّ النبي، بشر، فهم يقرأون النصوص التي اوردها الصادق، ويفهمونها، ولكنهم يعلمون انّ النبي ليس كسائر البشر، وانّما هو بشر يوحى اليه .. فهو بشر مصطفى، ومسدّد على نهج الكمال، فهو ليس مجرّد بشر كما اراد الصادق ان يقول لنا، فهو قد قال: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) .. فالمسلمون اليوم ليسوا بحاجة الى من يذكرهم ببشرية النبي، ويدعوهم الى عدم تقديسه، وانّما هم والصادق، في اشد الحاجة الى من يعرّفهم بالنبي، وبقدره، ويدعوهم الى تقديسه، وتوقيره، وحفظ الادب معه، فانّ التقصير في هذا الباب هو السبب فيما عليه المسلمون اليوم من خراب .. وغرض الصادق من حديثه عن بشرية النبي، وعن انّه فيما ليس فيه وحي يقضي بالرأي، غرضه من ذلك ان يدعو الى مراجعة النبي في بعض ما صدر عنه على اعتبار انّه مجرّد رأي قابل للخطأ، وفي ذلك يقول الصادق من بحثه: (فيما عدا تلك الامور فانّ اقوال الرسول صلى الله عليه وسلّم في كثير من المجالات لم تكن وحياً، وكانت عرضة للمراجعة في حينها، ناهيك عن مراجعتها بعد ألف ونيف عاماً .. فأفعاله كقائد عسكري روجعت عندما اتخذ موقعاً آخر في واقعة بدر لكي يمنع القرشيين من مورد الماء. وصحّح القرآن بعض اجتهاداته مثل قبوله فداء أسرى بدر. واعماله كخبير زراعي قال عنها عندما لم يثمر النخل: (أنتم اعلم بشئون دنياكم). واعماله كقاض لم تكن وحياً وقال ناصحاً: (أنتم تحتكمون الّي ولعلّ بعضكم الحن بحجته فاذا قضيت له "بغير الحق" فلا يأخذها) .. وافعال واقوال الرسول راجعها اصحابه في كثير من المجالات) انتهى .. هذا ما قاله الصادق ، وهو قول يقدح في عقيدته في القرآن، وفي النبي الكريم، بصورة خطيرة .. فهو بقوله هذا يتهم النبي بأنه يتحدث فيما لا يعلم، وفي كثير من المجالات، وبصورة يمكن معها مراجعته .. فالصادق بقوله هذا يطعن في عصمة النبي .. والعصمة تعني انّ النبي، في جملة حاله، لا يخطئ وإذا أخطأ يصححه الوحي .. وهذا يعني انّ كل ما صدر عن النبي من قول، او عمل، هو الحق، وهو صحيح، امّا منذ البداية، او بعد ان صحّحه الوحي .. والطعن في العصمة هو طعن في القرآن، لأن العصمة ثابته بنص القرآن .. والنبي فيما ليس فيه وحي في امور الدنيا ليس اقلّ فهماً وادراكاً من افراد امّته، بل على العكس من ذلك تماماً، هو أكثر ذكاء وفطنة، وأكثر علماً من كل من عداه .. وهذا ما تقتضيه البداهة، وما يجب ان تكون عليه عقيدة كل مسلم، سليم العقيدة .. ولكن الصادق، بدعوته لمراجعة النبي، في المجالات التي ذكرها قد جعله اقل من الافراد العاديين .. وقد ورد عن النبي ما يؤكد انه لا يخرج منه الاّ الحق، فقد جاء في الحديث: (عن عبد الله ابن عمر قال: كنت اكتب كل شئ اسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: انّك تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشر يتكلم في الغضب. فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ("اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي الاّ الحق") فالنبي قد اقسم انّه لا يخرج منه الا الحق، فاذا دعا الصادق رغم ذلك الى مراجعته فهو بذلك انما يكذب النبي فيما اقسم عليه!! وهذه هلكة لا مجال معها للتدين .. فلا شئ في الدين أسوأ من سوء الادب مع القرآن، ومع النبي، خلّ عنك تكذيبها .. وقد بلغ سوء ادب الصادق مع النبي حد القول بأنه يقضي بغير الحق، كما اوردنا من حديثه.
وحديث النخيل الذي اشار اليه الصادق، واشار اليه من قبله الترابي، هو حق .. ورواية الحديث كما وردت عند مسلم تقول: (عن رافع بن خديج قال: (قدم نبي الله المدينة وهم يؤبرون النخل "يجعلون طلع الذكر في طلع الانثى" فقال ما تصنعون؟ قالوا كنّا نصنعه فقال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً ، فتركوه، فنفضدت او فنقصت فذكروا له ذلك فقال أنتم اعلم بأمور دنياكم) .. وقد فهم الصادق، وفهم الترابي، وفهم غيرهما، ان النبي لا يعلم امور الدنيا، وذلك اخذاً من عبارة (أنتم اعلم بأمور دنياكم) .. وهذا فهم سقيم لا يجد ما يسوغّه .. فالنبي الكريم لا يمكن ان يجهل ما عليه مألوف الناس من العلم البديهي، فلا يمكن عقلاً، ولا ديناً، ان يعتقد ان النبي لا يعلم ان النخيل لا تثمر إذا لم يتم تلقيحها، فهذا امر بديهي يدركه كل انسان سوي عاش في بيئة ينمو فيها النخيل .. ومن سوء الادب، الذي لا يدانيه سوء الظن بأن النبي يقصّر عن إدراك البديهيات .. فلابد انّ النبي كان يرمي بحديثه هذا الى امر أكبر ممّا عليه مألوف علم الناس .. فالنبي الكريم معلّم توحيد، فهو قد اراد بحديثه هذا، ان يعلّم الناس انّه ليس في امر التوحيد اسباب تؤدي الى اسباب، وانّما الاسباب هي سلسلة من استعداد المحل بالقابلية لتلقي الحركة المقبلة عن الله .. فالاسباب الظاهرية هي اسباب في الشريعة فقط، وعند تجويد التوحيد يظهر لنا ان الاسباب جميعها تنتهي الى سبب وأحد هو الله .. فليس من التوحيد الظن بأن التلقيح هو سبب الاثمار حتى انه إذا وجد وجد الاثمار، وإذا لم يوجد لا يتم الاثمار .. فهذا شرك، وسبب الاثمار، في الحقيقة، هوالله، وليس التلقيح .. وهذا ما اراد النبي ان يعلمه للناس بحديث النخيل .. فهو عندما قال لهم: لو لم تلقحوه لأثمر، كان قوله هذا في مستوى النبوة، ولما لم يكونوا هم في هذا المستوى، نزل إليهم الى مستواهم، مستوى الرسالة، مستوى الشريعة، أو مستوى الاخذ بالاسباب فقال لهم: (أنتم اعلم بأمور دنياكم) .. لأن دنياهم كانت دنيا الاسباب، ولو كانت دنياهم دنيا التوكلّ على الله، والنظر الى مسبّب الاسباب لأثمر النخيل دون تلقيح كما أخبرهم بذلك النبي .. فما قاله النبي حق، لا ريب فيه، وهو أصل الدين .. وفي هذا المعنى يجئ قوله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة، واصطبر عليها .. لا نسألك رزقاً، نحن نرزقك ،والعاقبة للتقوى..) .. فكأن سبب الرزق ،في حقيقة الامر، هو معرفة الله، لا اتخاذ الاسباب الظاهرة.
ونحن سنناقش موضوع السببية في الإسلام في الفصل الثاني، ممّا يلقي المزيد من الضوء على حديث النخيل .. والامر الذي يهمنا هنا اساساً انّما هو ان نبين مدى فساد العقيدة عند الصادق والترابي .. ونحن قد ناقشنا فساد عقيدة الصادق في النبي بالتفصيل في كتابنا (هذا هو الصادق المهدي)، فليراجع في موضعه.