إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بنك فيصل الإسلامي!؟

النمط التمويلي لبنك فيصل الإسلامي ومدلولاته الاقتصادية


لقد بلغت نسبة التمويل قصير الاجل لدى البنوك التجارية مجتمعة في عام 1981 نحو 78,6% من جملة التمويل وهذا يعنى، بالطبع، ان التمويل متوسط وطويل الاجل قد كان في حدود 21,4%.. هذا وقد كان نصيب الصادرات والصناعات من جملة القروض قصيرة الاجل حوالي 62%، بينما بلغ نصيب تجارة الوارد نحو 20%.
أما اذا اخذنا بنك فيصل الإسلامي على حدة، فإننا سنجد ان نسبة التمويل قصير الاجل من جملة حجم التمويل قد بلغت عنده نحو 98%، الامر الذي يعني ان المبالغ التي خصصت للتمويل متوسط الاجل قد كانت نحو 2%.. هذا ومن جملة التمويل قصير الاجل قد كان نصيب تجارة الصادرات والصناعات نحو 19%، في حين ان تجارة الوارد قد حظيت بما يعادل 44% من التمويل قصير الاجل.. (المصدر "العرض الإقتصادي لعام 81/1982" وزارة المالية والتخطيط الإقتصادي) و (تقرير مجلس الإدارة للإجتماع العادي السنوي للمساهمين الصادر في 1/5/1981)..
من هذه الاحصاءآت يتضح ان البنوك التجارية قد اعطت بحكم وضعها، ووظيفتها، التمويل قصير الاجل الاولوية، والحيز الاكبر في سياستها التمويلية، وهى لا تعاب على هذا العمل، وانما تؤدي دورها الطبيعي.. ومع ذلك فهي لابد تخضع لسياسة البنك المركزي التي تستهدف إحكام السيطرة على السياسة التسليفية للبنوك التجارية حتى لا تتجاوز الحدود الضرورية للحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي.. والامر الجدير بالملاحظة هو ان هذه البنوك في عمومها، وفيما يتعلق بمجالات الاقراض قد اعطت، كما دلت على ذلك الاحصاءآت، اهتماما واضحا لتجارة الصادر، والنشاط الصناعي، وهذا اتجاه ينسجم مع سياسة الدولة الحالية التي حددها برنامج التركيز الإقتصادي، حيث ركز على تشجيع الصادرات والحد من الواردات من اجل علاج العجز في الميزان التجاري كما استهدف توسيع القاعدة الإنتاجية في قطاعات الزراعة والصناعة..
اما بنك فيصل الإسلامي فإن الاحصاءآت التي عرضناها تشير الى انه قد اعطى التمويل قصير الاجل مجالا اكبر مما اعطته اياه البنوك التجارية.. وبما ان هذا البنك قد اختار لنفسه عند انشائه، العمل في مجال النشاط الاستثمارى، وتحصل بموجب ذلك على الميزات الممنوحة على زعمه، تحت قانون تشجيع الاستثمار فإنه كان من الواجب ان يعكس النمط التمويلي لديه هذا الاتجاه بأن ترتفع نسبة التمويل متوسط الاجل، دع عنك طويل الاجل، الى مستوى اعلى مما هي عليه لدى البنوك التجارية.. ثم ان الاحصاءآت المقارنة تدل كذلك على انه قد سار في الاتجاه المعاكس لسياسة الدولة الاقتصادية، المستهدفة علاج الخلل في الموازنة الخارجية، والداخلية.. فبينما سارت سياسة البنوك التجارية في اتجاه تنشيط الصادرات والصناعات، حيث خصصت لهما 62% من جمله التمويل قصير الاجل في مقابل 20% لتجارة الوارد، فإن بنك فيصل الإسلامي قد اتخذ مسارا يبدو انه في الاتجاه المعاكس.. فهو قد خص تجارة الوارد بنحو 44% من جملة التمويل قصير الاجل في مقابل 19% للصادرات والانشطة الصناعية..
ثم ان البنوك المتخصصة، والتي انحصرت وظيفتها، بحكم اهداف انشائها في دعم مشروعات الانتاج الزراعي، والصناعي، كما هو الحال بالنسبة للبنك الزراعي، والبنك الصناعي، فإنه بالرغم من اهمية هذه البنوك، والمفروض فيها ان تكون ذات اثر مباشر في تحقيق هدف توسيع القاعدة الإنتاجية، التي ركز عليها برنامج الانعاش الإقتصادي، فإن رأس المال المتاح حتى الآن لهذه البنوك اقل بكثير جدا من ان يمكنها من النهوض بدورها على الوجه المطلوب.. ومن ثم فإن هذه البنوك كانت هي الاولى من غيرها برعاية وتشجيع الدولة.. وان الموارد المالية التي قد ضاعت على الخزينة من جراء اعفاءآت بنك فيصل الإسلامي، والتي تبلغ الملايين – (فوق السبعة ملايين بالنسبة لعام 1981 وحده) – كان الاولى بأن توجه نحو دعم هذه البنوك المتخصصة، ليساعد ذلك على سد الفجوة الكبيرة من جانب تمويل الاستثمار التنموي، تلك الفجوة التي ظهرت من خلال عرضنا الاحصائي لنمط التمويل لدى البنوك التجارية، والذي اظهر الارتفاع الكبير جدا في جانب التمويل قصير الاجل يقابله، من الطرف الآخر، الهبوط الحاد في جانب التمويل متوسط وطويل، الاجل!!

لمن تعطى الامتيازات والاعفاءآت


طبقا لسياسة الدولة العامة المرسومة وفق التركيز الإقتصادي والاصلاح المالي، وبرنامج الانعاش الإقتصادي، فقد اتجهت الدولة لتشجيع القطاع الخاص بشقيه الأجنبي والمحلي على الدخول في مجالات الاستثمار المختلفة التي تستجلب مزيدا من الموارد الاجنبية من الخارج، مع الاستعانة بالموارد المحلية المتعطلة، والدخول بها في مشاريع انمائية، تفتح آفاقا جديدة للعمل لمزيد من الايدى العاملة، وتوسع قاعدة الانتاج، وترفع من مستوى الايرادات الحقيقية للدولة، مما يعينها على الحد من لجوئها للاستدانة من البنك، وهذا، مع الزيادة في المنتوج السلعي، يساعد على التقليل من خطر التضخم المالي الذي يفتك بالبلاد والعباد !!
لذلك فإنه من المعقول ان تدعم الدولة مثل هذا الاتجاه وتشجع المتطرقين لمثل هذه المجالات، وذلك بتقديم الميزات والاعفاءآت التي تعينهم على السير قدما في هذا الطريق الذي يحمل في احشائه مخاطر عديدة. لكن من غير المعقول، ولا المقبول، أن تعطى هذه الامتيازات، وبهذه الصورة من الكرم، لمن يتجه نحو ممارسة العمل التجاري، والذي لا يحمل في طياته مخاطر العمل الاستثماري، دع عنك انه لا يشارك في واجب دعم الايرادات العامة للدولة!! فإن اتجاه بنك فيصل الإسلامي السوداني، الذي اغدقت عليه الدولة من كرمها، الى استثمار رأس ماله وأموال المودعين فيه في مجالات التجارة العادية (التمويل قصير الأجل) التي كانت تغطيها أصلا البنوك التجارية العادية لعمل يتعارض تعارضا بينا مع خط الاستثمار الذي تطرحه الدولة في برامجها المختلفة.. فما الجدوى من اعفاء هذا البنك من الضرائب اذا كانت سياسته الاستثمارية لا تختلف عن أى من البنوك الأخرى التي سبقته في هذا المجال؟!
فقد جاء في تقرير مجلس الإدارة للاجتماع السنوي العادي للمساهمين والصادر من البنك في 1/5/1981، عن سياسته الاستثمارية مايلى:- (تميزت سياسة البنك في الفترة الماضية بالتركيز على التمويل قصير المدى في مجال التجارة بكل انواعها، وتمويل الصناعة بتوفير رأس المال العامل لها بصفة رئيسية. وقد بدأ البنك في هذا العام دخول باب التمويل متوسط المدى لقطاعات الحرفيين وصغار المستثمرين وذلك التزاما من البنك بالأهداف التي التزم بها) صفحة (9) وقد ورد في نفس الصفحة من هذا المصدر أن جملة التمويل لعام 80/1981 قد بلغت 56,5 مليون كان نصيب التمويل متوسط الأجل نحو مليون فقط، اى بنسبة 2% من جملة التمويل!!