إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

بنك فيصل الإسلامي!؟

البنك وأضراره المتعدية على الاقتصاد القومي


ان اعفاء البنك من كلا ضريبتى أرباح الأعمال، وضريبة الدخل الشخصي، لا ينتهي ضرره عند حرمان الخزينة العامة، من نصيبها من الايرادات التي جناها، هو من استغلال الموارد القومية، بل انه بهذا المركز الممتاز الذي حظي به من خلال عديد الاعفاءات التي نالها، سوف يتسع، وينمو على حساب البنوك التجارية الأخرى، عن طريق جذب الكثير من اصحاب الودائع والمدخرات كما رأينا.. وبما ان هذه، البنوك التجارية، وغيرها من المؤسسات التجارية الأخرى، ملزمة بالاسهام في دعم الخزينة العامة، من عائد عملياتها التجارية، فإن انحسار حجم عملياتها، امام زحف هذا البنك ونظيراته من البنوك الإسلامية الأخرى، سيقلل من حجم عائدها المساهم في دعم الخزينة العامة.. أكثر من ذلك فإن المرتبات العالية التي يقدمها هذا البنك لموظفيه وعماله، هي معفية من الضرائب، ستمكن هذا البنك من جذب الكفاءآت، والخبرات التي تعمل في البنوك الاخرى وعلى نحو يؤثر في مستوى ادائها..
واذا أخذنا في الاعتبار أن البنوك الحكومية، بحكم وضعها اكثر خضوعا للسياسة العامة للدولة، والموجهة نحو الأهداف القومية للبلاد كالتنمية، ومكافحة التضخم، فإن تراجعها أمام زحف بنك فيصل الإسلامي المدعوم من الخارج، سيضعف من سيطرة الدولة على القطاع النقدي، وبالتالي الإقتصادي القومي!!

اذكاء نار التضخم


لقد مضى على انشاء بنك فيصل الإسلامي السوداني حتى الآن أربع سنوات، فقد بدأ ممارسة نشاطه المصرفي يوم 10/5/1978 جاوز فيها السنين الحرجة للتأسيس، وحقق فيها أرباحا طائلة بلغت في العام الماضي، كما ذكرنا سابقا، اكثر من 10 مليون جنيه.. لذلك كان الأجدر بهذا البنك وهو الذي نال من الدولة الامتيازات، والاعفاءآت، التي مكنته من تحقيق هذه الأرباح، أن يشرع في الدخول في ميدان الاستثمار الانمائي، الذي من اجله وفي اطاره، نال كل هذه الامتيازات.. ولكن، والى الآن، لا يزال البنك مترددا في الدخول في هذا المجال.. ولا يبدو من سياسته التي ينتهجها انه جاد في السعى لهذا الهدف.. فإنه لم يزد عن كونه بنكا جديدا لا يختلف على البنوك التجارية التي سبقته في هذا المجال، والتي تعمل في المجالات ذات العائد السريع والمضمون..
مما يجعل هذا البنك عبئا على الاقتصاد السوداني:
اعانته على زيادة كمية النقد المتداول بما يخلقه من ائتمان بدون ان يقابل ذلك زيادة حقيقية، وفعلية في الانتاج. فإن الاموال التي يدفع بها في السوق التجاري تزيد من نار التضخم اشتعالا بما توفره من نقود في ايدى التجار بها يدخلون مضاربين في السلع التقليدية، مما يزيد من اسعارها.. كما حدث في سوق الذرة في القضارف مثلا.. فاذا لم يخضع كغيره من البنوك الآخرى، على قدم المساواة، لمراقبة واشراف الدولة المركزي والموجهة نحو السيطرة على مستويات (التسليف) فإنه لا بد سيكون معوقا لبرنامج التركيز الإقتصادي والاصلاح المالي. كما ان شعور البنك بأنه يفقد المصدر الرئيسي المضمون لدى البنوك العادية (سعر الفائدة) فإن ذلك ربما دفعه للحرص على تعويض هذا النقصان للمطالبة بنسبة عالية من أرباح العمليات التي يشارك فيها ويتقاضى اسعارا عالية على خدماته التي يؤديها للجمهور.. فاذا زادت النسبة من الأرباح التي يتقاضاها البنك عن عملياته على سعر الفائدة المعمول به في البنوك الاخرى، فإن الضرر من قيام هذا البنك يكون مضاعفا!! فإنه من المعروف ان بنك فيصل الإسلامي ينال نسبة عالية من أرباح عملياته التي يشارك فيها المستثمرين قد تفوق ما يناله اى بنك ربوي كأسعار فائدة للأموال التي يقرضها المستثمرين.. فقد بلغ نصيبه في أرباح احدى العمليات التي شارك فيها احدى الشركات لاستيراد شاحنات من الخارج، ما يزيد على 70% من جملة الأرباح.. وتجدر الإشارة هنا الى ما ورد في تقرير مجلس الإدارة للإجتماع السنوي العادي للمساهمين الصادر في 1/5/1981 صفحة (10) قوله عن نشاط البنك الإستثمارى: (وتمثل جملة الأرباح الإستثمارية لعام 1980 نسبة 10.5% كمتوسط عائد على جملة المبالغ المستغلة فعلا..)
وهذه الزيادة في نسبة الأرباح التي يتقاضاها البنك والأسعار العالية التي يفرضها على خدماته هي ذات أثر تضخمي إذ أن هذه التكاليف العالية للخدمات لا بد أن تنعكس بصورة مباشرة على أسعار السلع التي تم شراؤها بواسطة البنك..

المستشار الإعلامي لإتحاد البنوك الإسلامية
والمردود الإقتصادي لبنك فيصل الإسلامي


ان الحديث الذي أدلى به السيد المستشار الإعلامي لإتحاد البنوك الإسلامية حول نشاط بنك فيصل الإسلامي، والذي نشر بعدد جريدة الصحافة الصادر بتاريخ 3/11/1982، ليعطي فرصة أخرى لمزيد من التقويم لهذا البنك. ولعل البنك قد أحس بقلق متزايد وهو يواجه تساؤلات المهتمين حول دوره الحقيقي، وأثره على اقتصاد البلاد، بازاء ما ظل يتمتع به من ميزات ولما ظل يحققه من نجاح وتوسع تجاري سريع ومنقطع النظير!! ولعل هذا القلق قد عبر عنه حديث السيد المستشار الإعلامي، ذلك الحديث الذي كان (دعائيا) ولم يكن حديثا علميا، وهو من ثم، إنما ينم عن حالة القلق التي تساور اصحاب هذا البنك، وهم يحسون بأن ممارساته الفعلية، وميادين نشاطه لا تبرر الميزات التشجيعية التي نالها بدعوى المساهمة في حركة التنمية الإقتصاية بالبلاد، ولذلك فقد جآءت ردود السيد المستشار على التسآؤلات التي أثيرت حول المردود الإقتصادي للبنك منزورة الحظ من الصدق، ومن العلمية!!
فردا على سؤال الصحافة عن ما استقطبه البنك من رساميل، ومدخرات من الخارج، جاءت اجابة المستشار الإعلامي تقول: (لا شك ان البنك قد لعب دورا بارزا في جذب رؤس الأموال والمدخرات الأجنبية فبالنظر والمطالعة في التقارير السنوية للبنك نلمس الآتى:- تركيبة رأسمال البنك 60% منها بالعملات الحرة التي جآءت من الخارج لتبقى ولا تخرج منها الا الأرباح السنوية).. إنتهى.. إن عبارة (جآءت من الخارج لتبقى) لهي نموذج لعدم الدقة المقصود من ورائه التضليل، وتمويه الحقائق.. فإذا كان هذا البنك إنما نال ميزاته بموجب قانون تشجيع الإستثمار فإنه قد جاء في الفصل الثالث من قانون تشجيع الإستثمار لسنة 1980، وفي باب الميزات والتسهيلات ما نصه (ضمان تحويل الأرباح والفوائد ورأس المال الأجنبي للخارج).. أما اذا كان هذا البنك إنما نال هذه الميزات بموجب قانون إنشائه الخاص فقد جاء في كتيبه "بنك فيصل الإسلامي أهدافه ومعاملاته" وفي صفحة (5) البند 2 (خول القانون محافظ بنك السودان إعفاء البنك من أحكام القوانين المنظمة للرقابة على النقد في الحدود التي يراها مناسبة...
وعند افتتاح البنك اعفى محافظ بنك السودان كل معاملات وتحركات رأس مال البنك وودائعه بالعملات الأجنبية من القوانين المنظمة للرقابة على النقد، وبهذا يكون لبنك فيصل الإسلامي السوداني الحرية الكاملة في تحويل واستخدام ودائعه ورأسماله بالعملات الأجنبية) فأين كلام السيد المستشار الإعلامي من هذه النصوص الواضحة والتي لا تحتاج الى تأويل؟؟
فإذا أخذنا في الإعتبار أن الأرباح المعنية في قانون تشجيع الإستثمار، والتي كفل هذا القانون للمستثمرين الأجانب حق تحويل أنصبتهم منها الى الخارج، هي الأرباح التي نتجت عن العمليات الإستثمارية التنموية، وليست من العمليات التجارية العادية، فإن عبارة (ولا تخرج منها الا الأرباح السنوية) مقالة لا تكفي لتوضيح حقيقة نشاط هذا البنك، وإنما فيها من التلبيس ما قد يوهم القارىء بأن هذا البنك انما يمارس حقه الطبيعي الذي كفله له القانون أسوة بغيره من مؤسسات التمويل التي يشاركها العمل في حقل التنمية الاقتصادية، كشركة سكر كنانة مثلا..
وحول سؤال الصحافة لماذا تم تمييز فيصل اكثر من غيره؟ أورد المستشار الإعلامي سببين لهذا التمييز:
اولا: الجدوى الاقتصادية والقومية للمشروع
ثانيا: حجم وكمية المخاطر التي يتعرض لها المشروع
فعلي صعيد الجدوى الاقتصادية والقومية للمشروع يقول المستشار: (فالبلاد بحاجة الى مؤسسة مالية تستقطب مدخرات المواطنين وغيرهم من المستثمرين والمودعين العرب والمسلمين بغرض تحديد تراكم رأس المال المطلوب للنهوض بأعباء التنمية، واشباع حاجات المجتمع للسلع والخدمات)..
كما هو معلوم فإن فكرة قيام هذا البنك لم تنشأ من مجرد الاعتبارات الاقتصادية القومية حتى تجيء الميزات الممنوحة له بسبيل من (جدواه الاقتصادية)، وانما نشأت أيضا، من اعتبارات دينية استهدفت (تشجيع تحكيم فقه المعاملات الإسلامية) في الاقتصاد كزعم اصحابه.. لذلك فقد جاءت هذه الميزات الخاصة من حرص لدى الدولة، ومن الخارج من دعاة (تحكيم فقه المعاملات الإسلامية) في الاقتصاد، على حماية (التجربة الإسلامية الرائدة من الفشل)، وعلى نحو أدى الى التفريط في اهم الاسس الاقتصادية التي قامت عليها سياسة منح الميزات الاقتصادية، والاهداف التي رمت الى تحقيقها هذه السياسة من وراء منح تلك التميزات.. هذه الأسس والاهداف قد حددها قانون تشجيع الاستثمار حين اشترط ان يكون المشروع المميز استثمارا في التنمية وقد استطاع بنك فيصل الافلات من أسس وضوابط هذا القانون.. فقد ظل طليق اليد منذ انشائه وهو يمارس نشاطا يتعارض مع اهداف ونصوص هذا القانون، وبرغم ذلك يشارك مؤسسات التمويل الاخرى المساهمة في تمويل المشروعات الانمائية، والمتفقة مع مباديء قانون تشجيع الاستثمار، المتمتع بنفس الميزات.. ومن ثم فإن قول المستشار الإعلامي (ولهذا لا يبدو شاذا ان يمنح البنك مثل غيره امتيازات خاصة للاستثمار) قياسا على مؤسسة التنمية السودانية،وشركة سكر كنانة، والهيئة العربية للأنماء والاستثمار، قول يبدو لدى المتتبع لنشاط بنك فيصل شاذا بل ومضللا.. فهذه المؤسسات التمويلية التي حاول المستشار ان يلصق بها بنك فيصل، ويدخله في عدادها، انما قامت اولا، واساسا، تحت اهداف اقتصادية غير متلبسة بأى عوامل دينية، عاطفية، تؤثر على تقويم اهدافها وادائها تقويما اقتصاديا صحيحا.. ثانيا، وداخل اطار الاهداف الاقتصادية تخصصت بحكم قانون انشائها في تمويل المشروعات التنموية، لا تملك من ذلك فكاكا، اما عن طريق المشاركة المباشرة في المشروعات او بتسهيل القروض لها، وقد انبنت جدواها الاقتصادية (بالمعنى العام) على كونها لا تمارس عملا تجاريا كالبنوك التجارية مثلا، وانما ينحصر نشاطها في ميدان التنمية المحفوف بالمخاطر ذي العائد الآجل والتركيب الفني المعقد ولأن المشروعات التي تقوم بتمويلها قصد بها تحقيق اهداف قومية واضحة وهامة نلخصها في الآتى:
1) توسيع القاعدة الإنتاجية
2) اتاحة فرص اوسع لتشغيل القوى العاملة..
3) المساهمة في زيادة الصادر او خفض الوارد، بانتاج السلع البديلة للواردات..
4) تزويد البلاد بالخبرات الفنية والتكنولوجيا المتطورة والمهارات الإدارية..
5) الآثار الايجابية العامة وغير المباشرة لهذه الاستثمارات والتي تتمثل في تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية بالاضافة للخدمات الصحية والتعليمية التي تصاحب قيامها في مواقع الاستثمار..


حجم وكمية المخاطر


ان المبرر الثاني الذي قدمه المستشار الإعلامي لكون بنك فيصل قد حصل على ميزات اكثر من تلك التي منحتها الدولة لغيره من مؤسسات التمويل الاخرى، هو، على حد تعبيره (حجم وكمية المخاطر التي يتعرض لها البنك)..
ان ما يفهم من كلام السيد المستشار الإعلامي هو ان طبيعة نشاط وقواعد معاملات هذا البنك تجعلانه يتحمل من المخاطر ما يفوق ما يتحمله غيره من المؤسسات الاخرى مما اقنع الدولة بتمييزه على غيره بميزات اكثر خصوصية.. وللتأكد من صحة هذه الدعوى (دعوى المخاطر) فلا بد من التعرف على طبيعة وقواعد معاملاته التي وضعته في موضع بختلف فيه عن المؤسسات الاخرى من حيث عنصر المخاطرة كما زعم المستشار.
ان البنوك التجارية، كما هو معروف تعمل في المجال التجاري العادي وتقدم في ذلك قروضا قصيرة الاجل، وتتلقى نظير ذلك فوائد محددة سلفا، على ماقد تطلبه من الضمانات.. فهي لذلك انما تمارس نشاطا مضمون العائد قليل المخاطر.. وهنالك من الطرف الآخر مؤسسات التمويل الاستثمارى وهذه تقدم تمويلا متوسط وطويل الاجل، والمنحصر في حقل التنمية سواءا عن طريق المشاركة المباشرة في المشروع، او عن طريق الاقراض كشأن مؤسسة التنمية السودانية، وشركة سكر كنانة، والشركة العربية للانماء والاستثمار.. هذه المؤسسات بطبيعة وظيفتها مجالها محفوف بالمخاطر بقدر ما تتميز به المشروعات من اجراءآت وتركيب بالغ التعقيد بدءاَ بمراحل الدراسة الاقتصادية والفنية ومرورا بمراحل التصميم، والتنفيذ، والتشغيل، بكل ما تنطوي عليه كل مراحله من عناصر، ومتغيرات، متوقعة وغير متوقعة، وما تتطلبه كل هذه الظروف من حسابات دقيقة واجراءآت متشعبة، في بلد كالسودان لم يتهيأ فيه المناخ التنموي بعد على نحو يغري رأس المال الأجنبي والمحلي للدخول في ميدان التنمية بالقدر المطلوب، دون مشقة.. وهناك مشاكل، واختناقات النقل ونقص الطاقة الكهربائية، والطاقة البترولية، وتصاعد موجة التضخم العام، الى غير ذلك من المشاكل التي تزيد من مخاطر الدخول في العمل التنموي.. لهذه الاسباب فإن حالات الفشل والخسائر على صعيد مشروعات التنمية اكثر بما لا يقاس من حالات الافلاس لدى البنوك التجارية، بل ان هذه الاخيرة لتعد من الحالات النادرة..
نحن نعتقد وكما اثبتنا في الابواب السابقة ان نشاط، واسلوب معاملات بنك فيصل القائمة الآن تجعلانه اقرب للبنوك التجارية منه الى مؤسسات التمويل التنموى، ولذلك فإن دعوى المخاطرة التي رفعها المستشار مقالة يكذبها الواقع..
فخصائص هذا البنك التي تجعله اقرب شبها للبنوك التجارية نلخصها في الآتى:-
1) اغلب نشاط هذا البنك ينحصر في التمويل قصير الاجل، شأنه في ذلك شأن البنوك التجارية.. فلقد بلغت نسبة التمويل قصير الاجل لجملة التمويل في عام 1980 نحو 98% بينما بلغت نسبته لدى البنوك التجارية في نفس العام 78% (راجع تقرير مجلس الإدارة للاجتماع السنوي العادي للمساهمين الصادر في 1 مايو 1981 – والعرض الإقتصادي 81- 82 وزارة المالية والتخطيط الإقتصادي)..
2) يتم التمويل بضمان من العميل كما يشمل عقود يتقاضى البنك بموجبها أرباحا عالية ومحددة سلفا على المدين، وعلى نحو اشبه بقواعد التعامل والفوائد الربوية، كما سبق ان اوضحنا في معرض الحديث عن ضيغة المرابحة..
3) يتقاضى البنك، وفي اطار التمويل قصير الأجل، قيمة زائدة على سعر السلعة في مقابل الدفع المؤجل، كشأن قواعد التعامل بالفائدة، حيث تتقاضى البنوك الربوية فوائدها في مقابل الأجل، فهو لا يختلف عنها في ذلك جوهريا وانما شكليا فقط وذلك بأن جعل وسيط التعامل السلعة بدلا من النقود كما سبق الى ذلك البيان.
4) البنوك التجارية، بحكم وظيفتها، غير مقيدة بالمساهمة في التمويل التنموي، وبنك فيصل باحجامه عن ولوج هذا الباب، والانصراف عنه الى منافسة البنوك التجارية في ميدانها، قد أصبح محسوبا في عدادها..

البنك وتوفير العملات الحرة


ان من نماذج التضليل التي وردت في تلك المقابلة أيضا قول المستشار أن البنك قد وفر للدولة 300 مليون دولار في خلال سنواته الأربعة مقابل اعفائه من ضريبة أرباح الأعمال وضريبة الدخل الشخصي التي بلغت، بزعمه، في جملتها 6 مليون جنيه.. ان أول ما نحب توكيده هو أن نصيب الخزينه العامة الذي كان يجب ان يدفعه هذا البنك من ضريبة أرباح الأعمال، وحدها، وفي خلال عام 1981 هو في الحقيقة يفوق الستة ملايين التي ادعى المستشار انها هي جملة نصيب الخزينة العامة من ضريبة أرباح الاعمال وضريبة الدخل الشخصي المعفية خلال سنواته الاربع.. فبالمقارنة، فإن صافي أرباح بنك الخرطوم للسنة المنتهية في 31/12/81 قد بلغ 9 مليون و831 ألف وكان مخصص ضريبة الأرباح التجارية وحدها منه 6 مليون و 900 ألف، وصافي أرباح بنك فيصل لنفس الفترة بلغ حوالى عشرة مليون جنيه وهذا يعني ان ما كان عليه دفعه من الضرائب، اذا ماعومل كغيره من البنوك التجارية في عام واحد هو سبعة مليون جنيه بالنسبة لضريبة أرباح الاعمال وحدها، فاذا اضفنا الى ذلك ضريب الدخل الشخصي لتجاوزت قيمة ضرائب الدخل التي اعفي عن دفعها السبعة ملايين..
2) ان العملات الصعبة التي ادعى انه قد وفرها للبلاد انما هى، في الحقيقة، في شكل قروض ومنح، والعبرة ليست في الحصول على القروض، والمنح، وانما في مجالات استخدامها.. فاذا كانت قد استغلت في توسيع الطاقة الإنتاجية، والمجالات التي تساهم في الصادر، أو انتاج بدائل الوارد مثلا، فهي بذلك تكون قد وفرت فعلا للبلاد عملات صعبة، كما انها قد وظفت في المجالات المباشرة التي تضمن تحمل تبعاتها كقروض واجبة السداد.. اما ان تستغل في عمل تجاري، يشارك فيه رأس المال الأجنبي بنحو 60% من نسبة الأسهم، فإن هذا يعني ان المردود النهائي لهذا العمل سيكون في صالح المستثمر الأجنبي بأكثر من كونه في صالح البلاد..
3) ان هنالك من المنتجين، والمصدرين، في القطاع الخاص من ظلوا يساهمون، حقيقة، في توفير العملات الصعبة للبلاد عن طريق اقتحام ميدان الاستثمار الإنتاجي، المحفوف بالمخاطر، ورغم ذلك يقومون بواجب دفع ضرائب أرباح الاعمال فلماذا لم يستثن هؤلاء من دفع هذه الضريبة؟؟ اضف الى ذلك ان هذه القروض التي ادخلت للبلاد ذات مردود تجاري لأصحابها في شكل أرباح يتقاضونها بموجب عقود تجارية، قصيرة الاجل، ومضمونة العائد، كما اسلفنا، ولاتمثل، بالنسبة لأصحابها، استثمارا معرضا للخطر، بالقياس الى الاموال المستثمرة في التنمية.. فالتاجر المورد لمعدات التنمية، مثلا، بغرض المتاجرة فيها، لايستحق، حسب قانون تشجيع الاستثمار، ميزات الاعفاء من ضريبة أرباح الاعمال، بينما قد يستحقها صاحب المصنع الذي يستخدم هذه الآلات في الانتاج الصناعي مثلا.. وهو عندما يستحقها انما تكون مقيدة بفترة زمنية محددة وليست مطلقة، كما في حالة قانون بنك فيصل الإسلامي.. فهو لا يستثمر حيث يجب ان يستثمر فيستحق الاعفاءآت، ثم هو فوق ذلك انما يعطاها بصورة مطلقة بينما يقع القيد الزمني على من يتقيد بشروط الاعفاءآت المحددة في قانون تشجيع الاستثمار.. والحكمة من تقييدها بزمن هي امهال المستثمر لفترة تمكنه من تجاوز المراحل الاولى التي تسبق التشغيل الإنتاجي ذي العائد المجزي.. فمن هذا يبدو واضحا مدى التضليل الذي يمارسه هذا البنك والذي انطوى عليه الحديث مستشاره الإعلامي..